الأحد 2014/04/27

آخر تحديث: 01:07 (بيروت)

غسان مسعود: الجسم الثقافي السوري هشّ

الأحد 2014/04/27
غسان مسعود: الجسم الثقافي السوري هشّ
في "قراصنة الكاريبي"
increase حجم الخط decrease
لا يحتاج الممثل غسان مسعود، إلى دراسات إحصائية واستقصائية، لتبيان موقعه في التجربة السورية والعالمية. ما زال الرجل يجادل واقعه، وهو يتنقل بين بيروت ودمشق لتصوير آخر الإنتاجات المشارك فيها. يؤلمه ما آلت إليه الأحوال في سوريا. تنظيم علاقته بمجاله، يعزز لديه الشعور "بالحاجة إلى النحن"، ويقول في حوار مع "المدن": "ما حصل ويحصل في سوريا مخيف جداً. الجسم الثقافي، بالخصوص، كان هشاً إلى درجة أنه انهار من النقر عليه لا أكثر ولا أقل. الواقع أقوى من كل الرغبات والأحلام. لست طوباوياً، على هذا الصعيد، لأن الصراع على سوريا صراع تاريخي ولا يعود إلى الزمن الراهن فقط، غير أني لا أستطيع إلا أن أتفاءل بالمستقبل".

انتهى الممثل السوري العالمي، من تصوير دوره في الفيلم الجديد للمخرج الأميركي ريدلي سكوت. يسميه البعض "النبي موسى"، ويسميه غسان مسعود "سفر الخروج" ( إكسودس). في واقع الحال، لا يؤدي مسعود دوراً واحداً في الفيلم الجديد لسكوت، بل دورين. دور مستشار فرعون، ودور الشاهد على عصره. انتبه إلى اختياره لأداء دورين، بعدما كان "صلاح الدين الأيوبي" في فيلم "مملكة السماء" لريدلي سكوت أيضاً. ذلك أن المخرج المعروف، لا يستند في خياراته إلا إلى المراجعات التصنيفية التشخيصية. وجد المخرج الممثل في أحاسيسه التاريخية اللامتناهية، ذات الآفاق المستقبلية، لذا اختاره مرة أخرى، لدورين بدلاً من واحد.

أدوار غسان مسعود (مواليد طرطوس - 1958) إشكالية، بمضامينها وتراتباتها. مساره الفني يقوده إلى عناوينه الفنية. الصراعات في أعماله تقوم على التصدع. أدرك ذلك باستمرار، وهو يصمم مسالكه الحركية بأعماله المقدمة في بيروت ودمشق والعالم. عنده، العمل في الفن ليس مجرد نشاط فني إجتماعي، هدفه التسلية. الفن مساهم أساسي في تكوين وبناء الواقع الجديد. لا يقوم شغل مسعود على التكيف، من جراء ذلك. يكره التكيف، بصالح كفاية حضور الصوت الخاص بالأعمال الفنية/الثقافية، كل عمل على حدة. هكذا بدا دائماً، في أبرز أعماله المسرحية، من "الإغتصاب" مروراً بمسرحية "جنون في الإصطبل" وصولاً إلى "سكن الكهف". وضعت الأخيرة في الموقع الأخير، لأنها واحدة من أبرز أعماله. قصيدة شعرية أثيرة، لأبرز العاملين في تجربة المسرح العربي فواز الساجر. مات الأخير فتياً، تاركاً أبحاثه المسرحية أمام جمهور. ما زال يتفجع أمام الغياب المبكر لأبرز القامات المسرحية العربية، مخرج "اللاصدفة" كما وصفه سعدالله ونوس، الكاتب المسرحي الراحل، رفيق دربه في الإحلال والتطابق بين النظرية المسرحية والممارسة المسرحية.

يقول مسعود لـ"المدن": "اعتمدتُ الصمت في المرحلة الأخيرة، لأن ما يجري في سوريا كسر المقومات الحسية وأحوال النفس. لن يبدل هذا من مفاهيمي المؤمنة بسوريا، ذات الصنائع الضرورية". ولأن الأعمال، أمام الأحداث، لم تعد مهمة إلا بتجسيدها للمجالات الإنسانية والقيم الهامة في الحياة البشرية، من الوعي إلى الحساسية وسعة العالم والثقة بالنفس النابعة من إدراك، أن كل فرد، متفرد، له دور ذو قيمة، يختار بطل "المصابيح الزرق" و"ياسمين عتيق" و"مسيرة آل الجلالي" و"رسائل من رجل ميت" أدواره الجديدة، على خطوط التصادم بين ما هو واقع وما هو متخيل في إطار الذاكرة الجمعية.

يصور غسان مسعود عملين تلفزيونيين في آن واحد. "أبواب الريح" و"حلاوة الروح". الأول من إخراج المثنى صبح، وهو عمله الثاني مع المخرج بعد "ياسمين عتيق". يقول مسعود: "دوري في المسلسل هو هاشم آغا، قائمقام قلعة دمشق خلال ستينات القرن التاسع عشر. المسلسل يحكي عن فتنة العام ١٨٦٠ في لبنان وامتدادها إلى سوريا وما خلفته من  آثار على مدى عقود، ما زالت طبقاتها الشفافة والسميكة تتكشف حتى اليوم. تعرض الصورة الذاتية الإقتصادية لدمشق إلى مؤامرة عثمانية، سكتت عنها الدول الكبرى، بعد تحول دمشق إلى العاصمة الإقتصادية الأولى في تلك المرحلة، من تعزز حضور الصناعات فيها وخصوصاً صناعة الحرير، بعد تعثر الإنتاج في ليون، جراء موت الموسم هناك. الحروب اقتصادية بالمعنى هذا، تلثم بالكثير من الصور والأحداث اللا-إقتصادية".

Ghassan-Massoud-01-(2).jpg
في دور صلاح الدين في فيلم "مملكة السماء" لريدلي سكوت

 كل شيء عند غسان مسعود ، ذو وجه ويدين. لن يعمل إلا بما يدفع إلى التأمل في الأوضاع في سوريا والعالم العربي. يربط الرجل الوضعين بعضهما ببعض، ربطاً لا فكاك منه، حتى انه ما زال يعبر عن ذلك، لا في علاقته بالإنتاجات الشخصية، بل بعلاقته بانتاجات أولاده. ناقش لوتس، ابنته، في لغة نص كتبته (شي كانو)، وأحب أن يخرجه. نص بالعامية. أشار إليها بأهمية الفصحى، بيد أنها لم تبدُ إشارة ترهيبية. "كتبت نصاً جميلاً، ناقشتها من خلاله في طبائع وخصائص اللغات واللهجات. أحبذ الفصحى، غير أن للكاتبة حرية استعمال اللغة أو اللهجة المناسبة".

ما زال مسعود قومياً عربياً، لا يخفي ذلك ولا يستعرضه: "جيلنا جيل، وجيل أولادنا جيل آخر. لن أعمل إلا بما يناسب أمّتي وناسي. عُرض عليّ الكثير من المشاريع، وجدت فيها إساءة لتاريخنا وجوهرنا. لست مستقتلاً على العمل في أي شيء وتحت أي ظرف. وصلت إلى هوليوود كبير السن، وصلت إليها ناضجاً، لذا لم أقع في إغراءات الإقامة والإنتاجات الأميركية الضخمة. من يحتاجني يجدني. وجدني من أرادني. إذا أرادك أحد وجدك".

عمل مسعود  في "مملكة السماء" لريدلي سكوت. ينتظر خروج فيلمه الآخر معه "سفر الخروج" في تشرين الثاني المقبل، وهو في ضجيج العمل على "حلاوة الروح" (وهو بالتأكيد  غير "حلاوة روح" هيفاء وهبي). ذلك أن المسلسل هذا، يخوض في الصراعات الراهنة في سوريا، "بدقة شديدة وبالإنتماء إلى بلدي. كل الأطراف، في مقاماتها في عمل حلاوة الروح.. مسلسل شقي إذا جاز التعبير، لأنه يخوض في الأحداث بلا نمذجة". لن يصادف أحد عناصر متطرفة في أحكام غسان مسعود. الأحكام المتطرفة يخصصها بالمفارقات المتعرجة في العالم العربي. أبو بكر الصديق في "عمر بن الخطاب" لا يدلل نفسه، إذ تذكر أمامه أعماله الكبرى بالعالم: "مملكة السماء"، و"وادي الذئاب" و" قراصنة الكاريبي" وغيرها من الأفلام.

يقول: "أحببت العمل مع ريدلي  سكوت، لأنه رجل سينما يجد سينماه على الأرض. لو تشاهده، يضع حامياً للوجه وهو يخوض في الغبار من أجل لقطة،  من أجل تفصيل في لقطة. كأنه صاحب جسد من هواء وعقل لا ينهدّ حيله تحت صرر الزاد. طويل النفس، وهو في أواسط السبعينات من عمره. أحد أهم المخرجين الراحلين والأحياء، ينفذ أشكاله، ملهماً روحه باستقلال فكره العفوي. رجل مليء بالسينما، بالكثير من الغموض يوازيه الكثير من الوضوح".

رجل المسرح لا يعمل في المسرح اليوم. الإقامة في بيروت، ليست سهلة، عنده. يقول: "لم أنوِ العمل في مسلسلين، غير أنها الضرورة فرضت ذلك. تغيرت ظروف الإنتاج كثيراً. لا شيء في المسرح من الإنشغالات الأخرى في السينما والتلفزيون. أعدت كتابة نص لجواد الأسدي، بعنوان "هندي أحمر" بالمحكية الشامية. المسرح اليوم آلتي العازبة".

آخر ما يناقشه مع جهات الإنتاج، فيلم تركي عن رواية "دموع الحب" التي بيعت منها ثلاثة ملايين نسخة حتى اليوم، عن "مولانا جلال الدين الرومي"، كما يفسر في حديثه إلى "المدن"، ويضيف أنه يكتب مسلسلاً جديداً عن صلحي الوادي، "الشخصية الثقافية الإستثنائية في تاريخ سوريا.. كتبتُ سبع حلقات، حتى اليوم، في انتظار استكمال الباقي للمباشرة في الإنتاج والتصوير".


increase حجم الخط decrease