توفر هذه الشركات خدمة كتابة أبحاث علمية حسب الطلب، يُحدد سعرَها عددُ الصفحات ووقتُ التسليم. لكن السعر يبدأ من 10 دولارات لكل صفحة، ويرتفع كلما ضاق وقت الكتابة. يقول أحمد، وهو طالب عَمِل في كتابة أبحاث لطلاب من "اللبنانية الأميركية" لصالح إحدى هذه الشركات، إن "عملية الكتابة بسيطة جداً، ومنظمة من قبل الوسيط الذي يوظف الكُتّاب، اذ يرسل عبر البريد الإلكتروني لكتّابه جميع التفاصيل المطلوبة للبحث، من موضوعه إلى عدد الكلمات وحتى مهلة التسليم. كما يربط الوسيط بين المواد التي يتطلبها البحث والمواد التي أتمها الطالب".
أما عن نتائج العمل، فيضيف أحمد أن على الكاتب ضمان حصول الطالب على B+ على الأقل (أي ما يعادل 83/100 في "اللبنانية الأميركية"). لكن أحمد الذي يوظف "كل طاقاته ويعمل على البحث في كل مراحل كتابته"، يؤكد أن أبحاثه تحصل على حرفين أعلى من درجة الطالب في كل مرة. لذلك لم تصله أي شكوى أثناء عمله.
وعلى الرغم من انتشار هذه الظاهرة، إلا أن هذه المشكلة لا تخص لبنان وحده. فحضور مثل هذه الشركات قوي في المملكة المتحدة مثلاً، وهي إحدى الوجهات المفضلة عند الطلاب في العالم. وكانت صحيفة "الغارديان" قد نشرت تحقيقاً في العام 2007 يتناول "Oxbridge Essays"، إحدى الشركات الرائدة في مجال بيع الأبحاث. وبحسب "الغارديان"، تبيع هذه الشركة أبحاثاً لطلاب الإجازة وأطروحات الماجستير وحتى الدكتوراه، حسب الطلب، وهي مكتوبة من قبل خريجي "أوكسفورد" و"كامبريدج"، الجامعتين المرموقتين عالمياً ("أوكسبريدج" هي دمج لاسمي "اوكسفورد" و"كامبريدج").
إلا أن الفرق بين الشركات البريطانية واللبنانية هي أن الأولى تتجنب الملاحقة القانونية من خلال التشديد على أن خدماتها لا تُعتبر غشاً إلا في حال "تم تسليم نموذج من عمل الشركة على أنه عمل الزبون الشخصي"، بحسب موقع الشركة. أي إن الشركة تتذرع بتقديم نماذج كتابية ليحتذي بها الطلاب، ولا تُحبذ على الإطلاق أن يستخدمها الطالب على أنها عمل من انتاجه. أما الشركات اللبنانية، كتلك التي عمل لديها أحمد، فتكتفي بالإشارة على ملصقاتها الإعلانية إلى أن عملها يقتصر على "المساعدة الكتابية" للزبائن.
على أن المشكلة تكمن في النظام التعليمي الذي إما يتغاضى عن عيوبه ويتجاهلها، أو لا يملك القدرة على مراقبة طلابه وضبط كل أنواع المخالفات. فالشركات موجودة مع وجود الطلب، والعرض لا ينتفي إلا بانتفائه، كما ترى نايري كالاجيان، أستاذة الأدب الإنكليزي في "اللبنانية الأميركية" في جبيل. وتضيف كالاجيان أنه "لا مجال للغش في قسم اللغة الإنكليزية وآدابها لأن الأستاذ يواكب العملية الكتابية لطلابه".
ويرى الأستاذ وحيد بهمردي، رئيس قسم الإنسانيات في "اللبنانية الأميركية"، أن النظام التعليمي على مستوى الإجازات يسمح بوجود هذه المخالفات. فـ"الغش يصبح سهلاً عندما لا يراقب الأستاذ العملية الكتابية لطلابه. ومن مهام الأستاذ أن يقيِّم المستوى التعليمي لطلاب الصف من خلال الامتحانات والأعمال الصفيّة والمنزلية. من هنا يستطيع أن يكشف الانتهاكات، لأن كل ما ذكرته يسمح بتقييم أدق للطالب عند كتابته لبحث". وقد يستعين المفتش بخدمة "تيرن إت إن" (turnitin.com) للتأكد من أصالة البحث ونزاهة الطالب.
من جهته، يرى أستاذ الفلسفة في الجامعة رامي العلي أن "التعليم يمر بأزمة في عالمنا المعاصر، لأننا ببساطة لا نعرف كيف نقوم بذلك. وجها الأزمة هما الطالب والأستاذ، اذ على الطالب أن يكون متشوقاً ومتحمساً للمواد التعليمية، وفي المقابل يجب على الأستاذ أن يحفز طلابه".
مقاربة العلي هي التالية: لا يطلق على الامتحان تسمية امتحان (أو اختبار)، لأن الهدف هو تمرين الطالب كتابياً وليس اختبار كفاءته، ومن شأن ذلك أن يُزيل عامل القلق الذي قد يضرّ بالطالب؛ إضافة الى ذلك، يقدم العلي للطلاب أسئلة نموذجية قد تطرح في التمرين؛ أخيراً، الطالب الذي يأتي على ذكر العلامات يُعاقب بخسارة بعضها. يبرر العلي ذلك بأن الطالب يسيء فهم علاقته بالعلامات، وبرأيه إن "العلامات هي مرآة عددية تعكس فهم الطالب؛ لا ترسب لأنك لم تحصل على علامة جيدة، بل لأنك لم تدرس جيداً. تركيز الطالب على معدّله تضليل له".
أخيراً، لا يُعير العلي للطالب الذي يغش أي أهمية، "لأنه لا يخدع إلا نفسه"، ولا يرى في ذلك ضرراً على المؤسسة التعليمية أو تقليلاً من شأنها. فالطالب الجامعي لم يعد تلميذ مدرسة، ومواكبته كل الوقت فكرة غير منطقية على الإطلاق، ولأن مسؤولية الجامعة تتوقف عند توفير التعليم الجيد والأساتذة الأكفاء. وهو ما يختلف فيه معه بهمردي، الذي يرى أن "الجامعة تخذل مهمتها التعليمية حين تتخلّى عن مراقبة وضبط قوانين السرقة الأدبية".
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها