الأربعاء 2024/09/25

آخر تحديث: 12:22 (بيروت)

النازحون في البقاع يتلمسون تداعيات تراكم الخلاف السياسي والطائفي

الأربعاء 2024/09/25
النازحون في البقاع يتلمسون تداعيات تراكم الخلاف السياسي والطائفي
رفضت عائلات الانتقال الى مراكز إيواء محددة في قرى الشريط البقاعي "السني" (لوسي برسخيان)
increase حجم الخط decrease
تظهر التداعيات الاجتماعية للحرب التي توحي إسرائيل انها خصت بها "البيئة الشيعية"، كمشهد سوريالي في محافظتي البقاع وبعلبك الهرمل، حيث التنوع الطائفي المعطوف على الإختلاف السياسي، يُصعّب التغلب على الاصطفافات القائمة، ولو بظل ظرف استثنائي يتطلب أقصى درجات التضافر الإنساني.   

تشن إسرائيل حربها على "فئة شعبية شيعية" تصطف خلف "ثنائية حزبية" تضعها بمواجهة مع الآخر في المجتمع اللبناني، وهو ما يظهّر أولى المفارقات في الانعكاسات الاجتماعية الناتجة عن الاستهداف الإسرائيلي لهذه المجتمعات. فقد صار هذا الانتماء "الطائفي والحزبي" مصدر تهديد للناس وممتلكاتهم. وبالتالي لم تعد هذه الشريحة المستهدفة تجد أمانها من ضمن بيئتها وفي كنف الأحزاب التي تمدها بالمقاتلين. إنما هي تلتجئ الى من رفعت بوجههم حواجزها السياسية والعسكرية.  فهل يمكن تخيّل مستوى التنمر الذي يواجه به هذا الإقرار بالخوف، حتى لو جاء مغلّفاً بفصل المبادرات الإنسانية عن المواقف السياسية؟

بين تمنين وحرزتا
لا شك أن زحلة، شكّلت في الفترة الأخيرة وجهة تلقائية أولى لمعظم النازحين من مختلف محافظات البقاع. فالمدينة التي يغلب عليها الطابع "المسيحي"، لا تعكس هيمنة سياسية مطلقة لأي حزب من الأحزاب، حتى لو كانت قاعدة واحدة من هذه الأحزاب أوسع من الأخرى. وهذا ما يخلّف إرتياحاً دائماً لدى قاصديها، ظهر في مرحلة الحرب الدائرة حالياً، من خلال الأعداد المتزايدة للنازحين الذين ضاقت بهم مراكز الإيواء. فإفترش النازحون، في ساعات النهار تحديداً، وبذروة أوقات القصف والتهديدات الإسرائيلية لقراهم، المساحات العامة، كملجأ لهم، يستضيفهم ريثما تنتهي كل جولة عنف على مناطقهم.

إحدى تلك العائلات حضرت في اليوم الثاني من العدوان على البقاع أي يوم أمس الثلثاء. عائلة، ومتفرعاتها، مؤلفة من نحو 14 شخصاً هربت من بلدة تمنين في بعلبك، وكانت تترقب أن يرشدها أحد الى حيث تجد لها مأوى. دعتهم صديقة العائلة من بلدة حزرتا، الشيعية أيضاً، مدفوعة بنخوة من لا يقبل أن يبقى أترابه بلا مأوى، إلى بيتها الذي هو "بيتكم" كما شددت. إلا أن دعوتها ُردت مع الشكر، لأنه كما قالت كبيرة العائلة التمنينية "لو كنا نعلم أن وجهتنا ستكون حزرتا لبقينا في بيوتنا". علماً أن حزرتا لم تسلم من جولة عنف مشابهة لتلك التي شهدتها تمنين، وإن جاءت الوتيرة في البلدة الثانية أقوى من الأولى.

رفض الانتقال لمراكز إيواء
على المرجة الخضراء في الباحة المواجهة لمركز محافظة البقاع، التي أعلن منع دخولها في يومي عطلة حفاظاً على سلامة الموظفين ومنعاً لتعرضهم لمخاطر الإنتقال الى العمل، كما جاء في بيان صادر عن محافظة البقاع، تجمّعت عائلات أخرى لم تجد لها مكاناً في مراكز الإيواء المحددة بمدينة زحلة والتي كانت قد امتلأت منذ ساعات الصباح الأولى. رفض عدد كبير من تلك العائلات الانتقال الى مراكز إيواء أخرى محددة في قرى الشريط البقاعي "السني" الممتد بين قب الياس والمرج، وفضل البعض كما أفادوا "المدن" العودة الى قراهم. فيما لم تنجح محاولات التواصل مع خطوط الطوارئ الموضوعة في المحافظة بإرشادهم الى خيارات بديلة.

المفارقة في الأمر أن إحدى تلك العائلات كانت من بلدة حزرتا أيضاً، وقد بادرتنا سيدة منها بالسؤال "عما آلت إليه النخوة عند أهل زحلة، ولماذا لم تفتح البيوت وباحات المدارس الخاصة وأبواب الكنائس" بعدما ذكّرت أبناء المدينة، التي أحيت منذ أيام ذكرى ذكرى إستشهاد بشير الجميل من أمام هذه المرجة بالذات، بأن "الدني أخذ ووفا".

النزوح المعاكس إلى سوريا؟
ما يزيد من سوريالية هذه المشهدية على مستديرة زحلة الأساسية قرب الأوتوستراد الذي يربط أجزاء البقاع بين شماله وجنوبه، هو إفتراش عائلات سورية للأرض أسوة بعائلات لبنانية. هي عائلات نزحت من الجنوب، وأيضاً من بعلبك، لتشكل الحلقة الأكثر ضعفاً. فإيواء السوريين لا يشكل أولوية بالنسبة للدولة اللبنانية، وخصوصاً بظل مساعيها البارزة في الآونة الأخيرة لإعادتهم الى بلدهم.

ولكن على رغم "الدونية" التي يعامل بها النازحون السوريون حتى في تأمين ظروف حمايتهم من آلة الضرب الإسرائيلية، تساووا على "مرجة" نزوحهم الجديد، ولأول مرة منذ 12 سنة، مع أبناء البيئة التي دعمت النظام الذي دفع بهم الى خارج بلادهم، ليشردهم في مجتمعات لفظتهم، أو أقله شجعت على لفظهم في أماكن لجوئهم، وحدّت من إنسانيتهم. فكان أن إجتمع على هذه المستديرة شتات شعبين على أرض واحدة.

وهذا ما أوصلنا الى السوريالية الرابعة في هذا اليوم، والتي دعتنا للتوقف أمام مشهد أرتال السيارات الذي تناقلته وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، أمام مركز عبور من لبنان باتجاه الأراضي السورية عند نقطة المصنع.

خلافاً لمشهدية العام 2006، عندما استقبل الشعب السوري، وليس النظام وحده، النازحين من جنوب لبنان، وفتح لهم أبواب المنازل، لا يبدو أن نازحي "البيئة الشيعية" قد لمسوا، أقله حتى الآن، التشجيع نفسه للهروب الى كنف النظام الذي حاربوا لبقائه. وهذا ما يُفسر أن معظم مغادري لبنان عبر هذا المعبر، يوم الثلاثاء، كانوا من الجنسية السورية، أقله وفقاً لما تؤكده مشاهدات صحافية، وذلك بانتظار ما قد تحمله الأيام المقبلة من تطورات.  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها