الأربعاء 2024/08/21

آخر تحديث: 00:00 (بيروت)

"معضلة" دفن اللاجئين السّوريّين الذين تقتلهم إسرائيل في لبنان

الأربعاء 2024/08/21
"معضلة" دفن اللاجئين السّوريّين الذين تقتلهم إسرائيل في لبنان
معمل دمرته إسرائيل بغارة أدت إلى مقتل عمال لاجئين مع عائلاتهم في جنوب لبنان (Getty)
increase حجم الخط decrease
منذ نحو الثلاثة أيام، وتحديدًا يوم السبت الفائت، 17 من آب الجاري، شنّ الطيران الحربيّ الإسرائيليّ غارةً جويّة استهدفت معملًا للحديد تابعاً لآل طهماز في المنطقة الصناعيّة بوادي الكفور– تول في النبطيّة، مرتكبًا مجزرة مروعة، راح ضحيتها عشرة أشخاص من التابعية السّوريّة، بينهم امرأة وطفليها، فيما تسببت بجرح آخرين. والمبنى المُستهدف وهو جزء من المعمل، كانت تقطن في أحد أقسامه عائلاتٌ من الجنسيتين السّوريّة والسّودانيّة، ويعمل أفرادها في المصنع. ولم يتمكن مركز عمليات طوارئ الصحّة العامّة التابع لوزارة الصحّة، من تحديد هويات بعض الضحايا (الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء)، إلّا بعد إجراء فحوص الحمض النّوويّ الـمعروف بالـ"DNA". 

دفن اللاجئين السّوريّين
وللمفارقة، أفاد عددٌ من النشطاء الحقوقيين في حديثهم إلى "المدن"، عن سجالٍ واكب دفن بعض هؤلاء الضحايا من اللاجئين، بيّد أن بعض البلدات الجنوبيّة وبصورةٍ غير مُعلنة رفضت دفنهم في أراضيها ومقابرها. وراجت معلومات عن رفض البلدة الّتي جرى فيها الاستهداف استقبال رفات هؤلاء (البعض أرجعه للصعوبة اللوجيستيّة لإقامة مراسم الدفن). وعلمت "المدن" لاحقًا، أنّه بالفعل جرى سجال موجز، اضطر بسببه ذوي بعض الضحايا تأجيل الدفن لإيجاد مدفن آخر يستقبل رفات أبنائهم، ليقع الاختيار لاحقًا على ما يُطلق عليه "ضيعة العرب" في الصرفند، والّتي تقطن فيها عشائر عربيّة مُجنسة، ولها سجل في استقبال رفات اللاجئين السّوريّين، عندما ترفض البلدات الّتي يقيمون فيها دفنهم في أراضيها. بينما جرى إرسال رفات البعض إلى سوريا لدفنهم في مسقط رأسهم. فيما تمّ دفن عائلة "عبد الدائم" الّتي سقط جميع أفرادها في المجزرة (وهم حمد عبد الدائم، وزوجته مروى وطفليهما بدر وأحمد) في بلدة بلاط– قضاء مرجعيون.

والحال، أن "السّجال الموجز" هذا، يحيلنا إلى جدليّة ليست بالمستجدّة، ومتمثلة بالصعوبة الّتي يواجهها اللاجئون، في دفن موتاهم في لبنان. برزت في السّنوات الأولى لتوافدهم، وتحديدًا في القرى والبلدات الصغيرة، الّتي لم تكن مدافنها مستعدة لاستيعاب الأعداد المتراكمة طرديًّا من الوافدين اللاجئين،. وسرعان ما انسحبت الأزمة إلى البلدات والمدن الّتي بات من المتعذّر إيجاد قبور لاستقبال رفات هؤلاء، أو لدواعٍ عنصريّة بحتة في بعض الأحيان، فضلًا عن التقصير الرسميّ والإنسانيّ وغياب خطط اجتماعيّة واقتصاديّة وإنسانيّة شاملة (حكوميّة أو المنظمات الأمميّة والحقوقيّة)، للإحاطة بكل الحاجات الإنسانيّة البديهيّة والضروريّة لهؤلاء السكّان (الذين سيمكثون لمدّة زمنيّة طويلة).. كما وهناك صعوبة بالغة في إرسال الرفات إلى مسقط رأس المتوفين في سوريا، خصوصًا عند اللاجئين السّياسيين، حيث تُحتم قوانين النظام السّوريّ، على ذوي الميت مرافقة الجثمان لدفنه، مع إجراءاتٍ إداريّة معقّدة.

وأمام كل هذا وجد اللاجئون أنفسهم، مضطرين لدفن موتاهم بظروفٍ غير طبيعية، واللجوء إلى ما اصطلح على تسميته بمقابر "الطوارئ" أو مدافن الغرباء (وهي مقابر للأجانب وتفتقد للتنظيم وتكون في مناطق نائيّة وبظروف طبيعيّة صعبة) والّتي تستوجب أعباء ماديّة لا يستطيع غالبية اللاجئين تحملها.. وواحدة من هذه المقابر هي في "ضيعة العرب" –آنفة الذكر– وهي أحد أحياء بلدة الصرفند الجنوبيّة، والّتي تستقبل رفات الموتى بوساطةٍ عائلية وحزبيّة.

دور المفوضيّة
من جهتها، تُشير المفوضيّة السّامية لشؤون اللاجئين في لبنان "UNHCR" في حديثها إلى "المدن"، لدى سؤالها عن دورها في هذا السّياق، وتحديدًا بما يتعلق بضحايا الاعتداءات الإسرائيليّة ودفنهم، إلى أن "معظم الحالات المعروفة لدى المفوضية من اللاجئين تمكنت من دفن موتاها في لبنان، بينما قامت بعض العائلات بدفن موتاها في سوريا".

وأضافت: "عندما تكون المفوضية على علم بوفاة أحد أفراد العائلة، نقوم بمتابعة الوضع عن كثب ونقدم للعائلة المساعدة والدعم النفسي الاجتماعي. والمفوضية على علم بالصعوبات التي يواجهها بعض اللاجئين السّوريين في دفن موتاهم في لبنان. أما السلطات المحلية والدينية، الشركاء المحليون والبلديات، فهم من بين الجهات التي يمكن أن تساعد اللاجئين في حل مثل هذه القضايا". وتستطرد بالقول: "منذ عام 2016، قامت المفوضية -بالتنسيق مع البلديات المعنية ودار الفتوى والمقيمين- بتوسيع وترميم عدد من المقابر في محافظتي البقاع وبعلبك الهرمل. والمواقع المخصصة للدفن موجهة لكل من اللبنانيين والسوريين. لكن وللأسف، لا يمكن للمفوضية المساعدة في عملية الدفن، لكنها تساعد في وضع العائلة على اتصال مع الجهات المحلية المعنية".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها