الإثنين 2024/07/22

آخر تحديث: 15:59 (بيروت)

انطلاق المدارس الصيفية: رغبات المانحين أولاً.. لا حاجات الطلاب

الإثنين 2024/07/22
انطلاق المدارس الصيفية: رغبات المانحين أولاً.. لا حاجات الطلاب
الهدف من المدرسة الصيفية ليس تعويض الفاقد العلمي للتلامذة بل تنفيذ مشاريع المانحين (المدن)
increase حجم الخط decrease
للسنة الثالثة على التوالي تفتتح وزارة التربية مدارس صيفية، مشِيدة بالإنجازات، لكن من دون أي تقييم حول مدى فعاليتها في ردم الفاقد التعلمي للطلاب. واليوم افتتحت وزارة التربية المدارس الرسمية الصيفية خلال حفل حضره ممثلين عن الدول المانحة ومسؤولين في الوزارة.

الانبطاح للمموّل
المختلف هذا العام عن السنة الفائتة أن مدراء مدارس وأساتذة رفعوا الصوت ضد هذه المدارس، لأنها باتت بمثابة تنفيذ مشاريع يحددها المانحون الدوليون، وليس بناء على حاجات المتعلمين الفعلية، أي اكتساب المهارات أو الكفايات اللازمة، التي فقدوها على مر السنوات الأربع الفائتة. ورفع الصوت و"نشر الغسيل" أتى بعدما تبين أن الشروط التي فرضها الممول لافتتاح المدارس مجحفة، وتخالف قرار إنشاء المدارس. ففيما كان وزير التربية عباس الحلبي، ممثلاً بمدير عام التربية بالإنابة عماد الأشقر، يفتتح إطلاق هذه المدارس الصيفية اليوم الإثنين، رفض مدراء في مختلف المناطق، ولا سيما في الشمال، فتح أبواب مدارسهم للمدرسة الصيفية، بعدما باتت "وزارة التربية منبطحة تماماً للشروط التي فرضها مشروع كتابي 3 (تابع للوكالة الأميركية للتنمية الدولية) على الوزارة"، كما أكد أحد المدراء لـ"المدن".

تراجع أعدد المدارس والطلاب
الأشقر شرح خلال الافتتاح "تطور أعداد التلامذة الذين تسجلوا في المدرسة الصيفية وعدد المدارس الذي بلغ هذا العام 256 مدرسة تحتضن 45532 متعلماً". لكن الأمر لا يمكن وصفه بالتطور أبداً. فقد تراجع عدد الطلاب عن العام الفائت بأكثر من ستين بالمئة. وتلفت المصادر إلى أن عدد المدارس المشاركة في الشمال تراجع هذا العام إلى نحو 80 مدرسة، بعدما وصل عددها العام المنصرم إلى نحو 220 مدرسة. وهذه حال غالبية المناطق، إذ تراجع عدد المدارس إلى 250 مدرسة في لبنان هذا العام مقابل نحو 450 مدرسة شاركت في المدارس الصيفية العام المنصرم، ضمت نحو 160 ألف طالب وطالبة.

توعز المصادر تراجع عدد المدارس والطلاب إلى أن الممول اشترط أن يكون الأستاذ قد أنهى دورة تدريبية مع مشروع "كتابي"، في بعض الاختصاصات غير المحددة في قرار إنشاء المدارس الصيفية الصادر عن وزارة التربية. أما السبب الثاني فيكمن في التعويضات المجحفة التي تدفع للأساتذة. وتشرح المصادر أن القيمين على "كتابي" اشترطوا أن يكون الأساتذة والمرشدين الصحيين والبيئيين والموجهين التربويين قد خضعوا لدروة تدريبية مع كتابي، هذا رغم أن القرار الذي صدر عن وزارة التربية لم يضع أي شروط مماثلة. فأولوية اختيار المرشد، بحسب قرار الوزارة، هي أن يكون من ضمن من يعمل في المدرسة بهذا المجال، وبما يتعلق بالموجه التربوي فيتم اختياره من الأساتذة من ذوي الخبرة ومن حملة شهادات الفنون والرياضة وعلم النفس وعلم الاجتماع وعلوم تربوية. أما حسب شروط "كتابي"، فيمكن لأستاذ التاريخ الذي خضع للدورة التدريبية أن يحل مكان الأستاذ في اختصاص علم الاجتماع أو النفس.

ازدواجية في المشاريع
وحول التعويضات المالية التي حددت للمشاركة، لفتت المصادر إلى أن أجر ساعة الأساتذة حددت بثلاثة دولارات، تضاف إليها سبعة دولارات بدل نقل يومي، بشرط تنفيذ الأستاذ ما لا يقل عن أربع ساعات عمل. بمعنى آخر، يصل أجر الأستاذ مع بدل النقل إلى 19 دولاراً في اليوم. وهو بدل مخالف ويتناقض جذرياً مع التعويضات التي تدفع للأساتذة في دوام قبل الظهر (نحو سبعة دولارات أجر الساعة) ويخالف التعويضات التي تدفع لتعليم الطلاب السوريين في فترة بعد الظهر (أجر الساعة المقطوعة يصل إلى نحو سبعة دولارات).

وإذ دانت المصادر هذا الاجحاف في التعويضات، لفتت إلى أن المنظمات غير الحكومية تنفذ مشاريع المدرسة الصيفية في المدارس الخاصة بتمويل دولي، فتدفع أجر للساعة يتراوح بين 15 و20 دولاراً. علماً هذه المنظمات تستعين بأساتذة من التعليم الرسمي لتنفيذ المشاريع في المدارس الخاصة، وتستقطب طلاباً من المدارس الرسمية ومن اللاجئين السوريين.
وتوضح المصادر أن الهدف من هذه المشاريع الدولية المتعددة، لم يعد تعليم التلامذة لتعويض وردم الفاقد التعلمي. فالهدف من المدرسة الصيفية أصلاً هو تعويض المهارات والكفايات التي لم يحصل عليها الطالب خلال الأعوام الأربعة المنصرمة. بينما باتت الآن مجرد تنفيذ مشاريع محددة مسبقاً وتتسم بالازدواجية. فوزارة التربية تنشأ مدرسة صيفية كي يتمكن الممول من تنفيذ مشروعه المحدد مسبقاً، غير المبني على الحاجات الفعلية، مثلها مثل المنظمات غير الحكومية التي تنفذ مشاريع موازية.

ما يطلبه الممول!
وتشرح مصادر تربوية أن المركز التربوي للبحوث والإنماء أنشأ مراكز التدريب في مختلف المناطق منذ العام 2004. وهي كانت تعد خططاً سنوية وتقوم بتدريب المعلمين بحسب حاجات كل منطقة. لكن بعد جائحة كورونا توقف العمل في هذه المراكز ومن ثم أتت المشاريع الدولية المنفذة من منظمة اليونيسف ومشروع كتابي، وحلت عملياً مكان هذه المراكز. فلم تعد التدريبات تقوم على مبدأ الحاجة في كل منطقة لسد النقص لدى مجموعات المتعلمين، بل إن الممولين لديهم مشاريع جاهزة تتضمن أنشطة وبرامج تنفذ على جميع المتعلمين، بغض النظر عن الحاجات الفعلية، التي تقتضيها ظروف المنطقة أو المدرسة المحددة.
وتلفت المصادر إلى أن مراكز التدريب التابعة للمركز التربوي ما زالت موجودة بالشكل، لكن لم تعد تصدر أي خطة سنوية بحسب كل منطقة. بل باتت وزارة التربية تنفذ مشاريع المانحين. وبمعنى صارخ "الوزارة تنفذ مشاريع ما يطلبه الممول وليس ما تقتضيه حاجات التلامذة الفعلية التي تختلف من مدرسة إلى أخرى ومن منطقة إلى أخرى، وفق الظروف التي تعيشها تلك المناطق"، كما تؤكد المصادر.  
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها