علينا أن نبدأ أولًا من مبدأ حق الأطفال والمراهقين في استخدام الإنترنت والتكنولوجيا بأمان. يجب ألا تدفعنا المخاطر الموجودة في الفضاء الرقمي إلى حرمانهم من هذا الحق. ولكن للحفاظ على هذا الحق، هناك العديد من الخطوات التي يجب اتخاذها، بالإضافة إلى وضع قواعد والمشاركة الفعّالة في ما يقوم به أطفالنا على الإنترنت. قد تبدو هذه المهمة شاقة في البداية، ولكن سنحاول تبسيطها في خطوات تحمي من المخاطر الرئيسية التي يواجهها الأطفال عبر الإنترنت.
تعزيز البيئة الرقمية الآمنة للأطفال
يبدأ الأطفال عمومًا في استكشاف عالم الإنترنت بين سن الخامسة والسابعة، حيث يشاهدون برامجهم المفضلة على يوتيوب ويتصفحون الأجهزة اللوحية تحت إشراف الأبوين. مع مرور الوقت، يتسع نطاق اهتماماتهم ليشمل تنزيل الألعاب المختلفة، وبحلول سن الثامنة، يصبحون ماهرين في انتقاء الألعاب والتطبيقات التي تروق لهم، مما يؤدي بهم إلى ممارسة مزيد من الاستقلالية بعيدًا عن الرقابة الدائمة للأبوين.
كثيرًا ما يغفل الأهل عن أهمية تحديد قواعد تحمي الأطفال من الاستخدام المفرط للإنترنت حتى يصبح الأمر ملحًا، وعند محاولة تطبيقها، قد ينظر الأطفال إلى هذه الإجراءات على أنها عقاب بدلاً من كونها وسيلة للحماية. لذا، من الأساسي أن تكون هذه القواعد جزءًا من إطار شامل يعزز البيئة الرقمية الآمنة للطفل. من المهم إيجاد التوازن المثالي بين تحذير الأطفال من أخطار الإنترنت وتجنب إثارة الخوف والقلق لديهم، وفي الوقت نفسه تحفيزهم على اكتشاف العالم الرقمي بشكل مسؤول وواعٍ.
الحماية من التنمر عبر الإنترنت
يعتبر التنمر ظاهرة مؤسفة تنتشر بشكل متزايد في المدارس والمجتمعات المحلية. تشير تقارير من عدة دول إلى وجود أعداد متزايدة من المتنمرين، وتظهر أشكال حقيقية للتنمر عبر الإنترنت. وقد يتخذ أشكالاً متعددة:
1- المحتوى المهين على المنصات: ينتشر محتوى مهين على منصات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية.
2- الرسائل النصية الاستفزازية: يتم تبادل رسائل نصية تحمل مضمونًا مهينًا أو مسيئًا.
3- توزيع الصور غير المرغوب فيها: يتم نشر صور شخصية من دون إذن عبر تطبيقات الهواتف المحمولة.
يمكن للتنمر عبر الإنترنت أن يترك آثارًا نفسية موجعة لا تقل خطورة عن تلك الناتجة عن التنمر التقليدي. لذا، يجب على الأبوين والمعلمين التحدث مع الأطفال حول ماهية التنمر عبر الإنترنت وتأثيره على الصحة العقلية. يجب أيضًا مراقبة أي تغييرات في سلوك الطفل بعد استخدامه للأجهزة الرقمية، وتقديم الدعم اللازم في حال تعرضه للتنمر عبر الإنترنت.
يمكن الاطلاع على معلومات إضافية حول حماية الأطفال من التنمر عبر الإنترنت على موقع اليونيسف.
من المهم أن يكون الأطفال على علم بخطورة نشر المعلومات الشخصية بشكل غير مدروس، ويجب تعليمهم كيفية التعامل مع الاستفزازات الإلكترونية. وفي جميع الأحوال، يجب تشجيع الأطفال على الإبلاغ لشخص بالغ يثقون به عن أي تجارب مزعجة أو مهددة يتعرضون لها، سواء كان أحد الوالدين، أو معلمًا في المدرسة، أو حتى الأصدقاء الذين يمكن أن يشكلوا عاملاً مساعداً كبيراً في بعض الحالات.
الحماية من المحتوى غير المناسب للأطفال عبر الإنترنت
وفقاً لتقرير من DoSomething.org، أكثر من 50% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و12 عامًا، قد تعرضوا لمحتوى غير مناسب عبر الإنترنت. يمكن أن يشمل المحتوى غير المناسب كل شيء من خطاب الكراهية واللغة البذيئة إلى اللغة العنيفة والصور وإعلانات للراشدين ومقاطع الفيديو الجنسية. التعرض لهذا النوع من المحتوى له تأثير سلبي على تقدير الطفل لذاته وتطوره العاطفي.
هناك العديد من الخطوات العملية التي يمكن للأهل اتباعها للحد من تعرض أطفالهم لمحتوى غير مناسب لهم. يمكن اختصارها في هذه الخطوات الثلاثة:
1- حظر المحتوى الخاص بالبالغين: قم بتفعيل خيارات الحماية وحظر المحتوى الخاص بالبالغين على الأجهزة التي يستخدمها طفلك. وتأكد من تثبيت برامج تصفية المحتوى على الأجهزة والمتصفحات.
2- البحث عن مواقع مناسبة لطفلك: ابحث عن مواقع وتطبيقات مخصصة للأطفال، تحتوي على محتوى مناسب لأعمارهم. واستخدم محركات البحث الصديقة للأطفال مثل Swiggle.
3- التحدث مع طفلك عن حياته الرقمية: تحدث مع طفلك بشكل منتظم عن تجربته عبر الإنترنت. واسأله عن ألعابه المفضلة وكيفية استخدامه للإنترنت. ثم تعاون معه في تحديد القواعد والمحتوى المناسب لهم.
بالإضافة إلى ذلك، يمكنك تفعيل إعدادات الأمان المتاحة في مواقع التواصل الاجتماعي ومحركات البحث مثل Google وBing على سبيل المثال، تقدم TikTok خيار "Family Pairing" لمساعدتك في إدارة تجربة طفلك الرقمية. كما يقدم يوتيوب خاصية تفعيل حساب خاص بالأطفال (Youtube Kids) متفرع من حسابك الأصلي حيث يمكنك التحكم في المحتوى المناسب لعمر طفلك.
الحماية من المفترسين عبر الانترنت
تشير البيانات إلى وجود ما يقارب نصف مليون مفترس إلكتروني ينشطون يوميًا على الإنترنت. الفئة العمرية الأكثر تأثرًا هي الأطفال بين 12 و15 عامًا، حيث يمثلون نصف ضحايا الاستغلال عبر الإنترنت. يحدث التحرش الجنسي بالأطفال في 90% من الحالات داخل غرف الدردشة الإلكترونية أو عبر الرسائل النصية الفورية. ومن المقلق أن 20% من الأطفال بين 8 و11 عامًا على دراية بمخاطر اكتشاف الغرباء لمعلوماتهم الشخصية، وعلى الرغم من ذلك، يقوم 40% من الأطفال بإزالة إعدادات الخصوصية بهدف زيادة عدد الأصدقاء أو المتابعين.
بناءً على تقرير مركز الوقاية من جرائم الأطفال في لوس أنجلوس، يظهر أن 80% من المفترسين عبر الإنترنت هم من الذكور، بينما تشكل الإناث 78% من الضحايا. يعتبر البالغون هم الجزء الأكبر من المفترسين عبر الإنترنت، كذلك من الممكن أن يكون المفترسون من المراهقين الذين تم تجنيدهم من قبل البالغين. هدفهم هو تكوين علاقات عبر الإنترنت مع الأطفال والتلاعب بهم لمشاركة صور عارية أو جنسية، وفي بعض الحالات الأكثر خطورة، يمكن أن يؤدي ذلك إلى لقاءات حقيقية يتم فيها اختطاف الأطفال واستغلالهم في شبكات الاتجار بالجنس وإنتاج الأفلام الإباحية للأطفال.
إليك بعض الخطوات العملية لحماية أطفالك من المفترسين عبر الإنترنت:
1- التواصل الواعي: قم بحثّ أطفالك على التحلي باليقظة تجاه الأشخاص الذين يقابلونهم على الإنترنت. وأوضح لهم أن بعض المفترسين قد يخفون هوياتهم وراء صورة طفل.
2- مناقشة حول السلوكيات الخطرة: تبادل الحديث مع طفلك حول العلاقات التي قد تحمل مخاطر وكيفية استغلالها من قبل الآخرين.
3- الحذر في غرف الدردشة: علم طفلك أهمية عدم إجراء محادثات خاصة مع أشخاص غير معروفين، خصوصاً في غرف الدردشة الخاصة بالألعاب. إذ غالبًا ما يكون الطفل منشغلًا باللعبة وقد لا يلاحظ أن الشخص الآخر يسعى للتلاعب به.
4- شجع على الإبلاغ: غالباً ما يشعر الأطفال بالعار ويمتنعون عن الإبلاغ بعد استغلالهم من قبل المفترسين، قم بتشجيع أطفالك على الإبلاغ كإجراء وقائي. أوضح لأطفالك أن هناك جهات قضائية يمكنها حمايتهم في حال تعرضهم للابتزاز. طمأنتهم بأنهم سيكونون بخير بعد الإبلاغ عما يقلقهم أمر أساسي في حمايتهم.
يجب أن نرشد أطفالنا إلى أنه عند التواصل مع الأصدقاء عبر الإنترنت وتلقي الدعوات، ينبغي التصرف بعناية والتفكير بتأنٍ قبل نقل العلاقات الافتراضية إلى الواقع، والتأكد من أن المعلومات الشخصية يتم مشاركتها فقط مع الأشخاص المعروفين والموثوق بهم في الحياة الواقعية. والأهم من ذلك حثهم على إبلاغ الوالدين في حالة التعرض لسلوك غير ملائم أو محتوى مسيء. كما يجب الحرص على أمان الأجهزة الشخصية واستخدام أدوات تعزيز الأمان العائلي على الإنترنت لا سيما Family Link من غوغل.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها