المناخ والسياسة والاقتصاد سيّان. هذا ما تجلى الاثنين، مع انطلاق مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ COP29، من باكو عاصمة أذربيجان.
عشرة أيام، سوف يقضيها رؤساء ودبلوماسيون من أنحاء العالم لحضور قمة المناخ، التي تحلّ بعد أيام من انتخاب دونالد ترامب رئيسًا لأميركا.
عقبات أميركية؟
عودة ترامب إلى البيت الأبيض تخيّم على مباحثات أطراف المؤتمر، الذي ينعقد سنويًا، بالتراجع عن التزامات الولايات المتحدة بخفض الكربون.
ترامب، سبق أن وصف مسألة تغيّر المناخ بـ"الخدعة"، باعتبار حماية المناخ مضادًا للاقتصادات والاستثمارات الكبرى.
وها هو الجمهوري المحافظ، يعود رئيسًا لأميركا للمرة الثانية، وهي تعد أكبر دولة مصدرة للانبعاثات الكربونية في التاريخ، وكذلك ألمانيا الدولة الرائدة في المجال.
ومن بين ما يترقبه العالم من ترامب في ولايته الجديدة، هو تنفيذ ما توعد به، لجهة الانسحاب من اتفاق باريس التاريخي للحد من الاحتباس الحراري العالمي.
هذا المؤتمر المناخي الأهم في العالم، لن يشارك فيه الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن. وسيكتفي عدد قليل من زعماء مجموعة العشرين حضور المؤتمر، رغم أن بلدانها تمثل ما يقرب من 80% من الانبعاثات العالمية.
حضور طالبان
اللافت أيضًا أن أفغانستان سترسل وفدًا لأول مرة منذ استيلاء حركة طالبان على السلطة. علمًا أن أفغانستان، سجلت أعلى عدد من الأطفال المشردين بسبب الكوارث المناخية حتى نهاية عام 2023، وفقًا لتقرير نشرته وكالة المساعدات الدولية "أنقذوا الأطفال"، كما أن أفغانستان، وفقًا للتقرير، هي سادس أكثر دولة معرضة لتأثيرات تغيّر المناخ.
ومن بين أبرز أهداف المؤتمر، هو التوصل إلى صفقة جديدة حول مئات المليارات من الدولارات سنويًا، التي من المفترض أن تنفقها الدول الغنية على الدول النامية والفقيرة، لمحاولة الحد من تغيّر المناخ والتكيف معه، وفطام اقتصاداتها عن الوقود الأحفوري.
لكن عددًا من هذه الدول النامية، يصرّ على أن الأموال يجب أن تكون في الغالب منحًا وليس قروضًا، وهي المسألة غير المتفق عليها حتى الآن.
رئيس كوب 29 مختار باباييف، اعتبر عند توليه منصبه أن هذه الأرقام قد تبدو كبيرة، ولكنها بحسب رأيه، لا شيء مقارنة بثمن التقاعس عن الحد من آثار تغيّرات المناخ.
يقول باباييف: "نحن على طريق الدمار بسبب المناخ. سواء رأيتهم أم لا، فإن الناس يموتون في الظلام..."
الأمم المتحدة، حذّرت سابقًا من أن العالم في طريقه إلى ارتفاع كارثي وخطير في درجات الحرارة، بمقدار يتجاوز 3.1 درجة مئوية.
هذا المؤتمر، يجسد وفق خبراء المناخ، لحظة الحقيقة لاتفاقية باريس، التي حددت في العام 2015 هدفًا للحد من الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية، أي عند أقل من درجتين مئويتين مقارنة بمستويات ما قبل الصناعة.
لكن المحادثات في كوب 29، تأتي وسط تحذيرات جديدة من أن العالم بعيد كل البعد عن تحقيق أهداف اتفاقية باريس.
الدبلوماسيون الحاضرون في المؤتمر، اعتبروا أن الغيابات في الصف الأول للدول، بالإضافة إلى فوز ترامب، لن ينتقص من العمل الجاد الجاري، خصوصاً الاتفاق على رقم جديد لتمويل المناخ للدول النامية.
في هذا الإطار، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في بيان: "إن الكارثة المناخية تضرب الصحة، وتوسع التفاوت، وتضر بالتنمية المستدامة، وتهزّ أسس السلام. والضعفاء هم الأكثر تضررًا".
وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، قالت إن هذه المفاوضات لن تكون سهلة لكنها تستحق العناء؛ فـ"كل عُشر درجة من الاحترار يتم تجنبه، يعني أزمات أقل ومعاناة أقل ونزوحًا أقل".
من جانبها، قالت أدونيا أيباري، وهي رئيسة كتلة معنية بالتغير المناخي تضم أكثر من 100 دولة نامية بما فيها الصين: "إنه أمر صعب؛ يتعلق الأمر بالمال. وعندما يتعلق الأمر بالمال، يظهر الجميع ألوانهم الحقيقية".
نظام جديد؟
ومن بين ما تطرحه أجندة كوب 29 أيضًا، هو التوصل إلى اتفاق بشأن قواعد جديدة، تسمح بوضع نظام مركزي للدول لبدء التعويض عن انبعاثات الكربون. يأتي هذا مع تصاعد المخاوف من أن ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بلغ مستويات قياسية هذا العام، توازيًا مع ارتفاع حرارة الكوكب بسبب انبعاثات الوقود الأحفوري.
وواقع الحال، يعد حرق الفحم والنفط والغاز، الذي تستخدمه الدول الكبرى في صناعاتها كأبرز أداة قوة سياسية واقتصادية في العالم، هو المحرك الرئيسي لتغيّر المناخ. وبسببه، ارتفعت درجة حرارة الكوكب بالفعل بنحو 1.3 درجة مئوية فوق متوسط ما قبل الصناعة، وكان العقد الماضي هو الأكثر سخونة.
المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO)، قالت الشهر الماضي إن الغازات الدفيئة تتراكم في الغلاف الجوي "بشكل أسرع من أي وقت مضى خلال الوجود البشري" على مدى العقدين الماضيين.
على الرغم من كل التحذيرات حول العالم، فإن غالبية الاقتصادات المنتجة للوقود الأحفوري تتوسع أو تستكشف المزيد من الإنتاج، بما في ذلك الغاز الطبيعي المسال والغاز الطبيعي.
ويعد إنتاج واستهلاك الوقود الأحفوري، الأكثر تأثيرًا على البيئة، بدءًا من تدهور جودة الهواء ووصولًا إلى التلوث المحلي وتفشي الأمراض.
عواصم النفط والمناخ؟
باكو، تعتبر أول عاصمة شهدت تطوير حقول النفط في العام 1846، وقد قادت العالم في مجال إنتاج النفط عام 1899.
هذه المفارقة بين استضافة مؤتمر المناخ والمساهمة في تدهوره، تتكرر عامًا تلو آخر. ففي العام الماضي، استضافت دولة الإمارات العربية المتحدة مؤتمر كوب 28. يومها، تبنّت دول العالم بالتوافق أول اتفاق تاريخي بشأن المناخ يدعو إلى "التحوّل" باتجاه التخلي عن الوقود الأحفوري، وهو ما لم يتحقق.
الشهر الماضي، حذّر تقرير لمنظمة "أويل تشاينج إنترناشونال" غير الحكومية، بأن الإمارات التي نظّمت العام الماضي مؤتمر "كوب 28"، وأذربيجان التي تستضيف "كوب 29"، والبرازيل الدولة المضيفة لمؤتمر "كوب 30"، تخطّط لزيادة إنتاجها من الوقود الأحفوري بنسبة 32% بحلول العام 2035.
وقالت المنظمة حينها: "لو أن دول الشمال، مثل الولايات المتحدة، تبقى كبرى الدول المنتجة للنفط والغاز ولديها المسؤولية والوسائل اللازمة لقيادة التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، فإن دول الترويكا لديها واجب خاص في أن تكون قدوة يحتذى بها".
هذا العام، يبدو الانكفاء الأميركي المخطط له دبلوماسيًا عن المؤتمر، يفاقم صعوبة التوصل إلى إجماع مجدٍ في باكو بحلول نهاية المؤتمر في 22 تشرين الثاني.
لكن أثر مؤتمر كوب السنوي لصالح العالم يبدو في الأصل ضعيفًا للغاية. والأزمة وفق خبراء، هي في استحالة بلوغ معنى محدد لـ"التوافق" بين دول القرار والمال والنفط والسلطة حول العالم، وبين قواعد اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها