وجرادة الذي نجح، بتقديمه مُقترح قانون لطرد اللاجئين السّوريين من لبنان كيفما اتفق، أو توطينهم في بلدٍ ثالث، باجتياز أولى الاختبارات لكسب رضا هذا النادي، مُقدمًا نفسه كمُدافع شرس عن الهوية والفرادة الديمغرافيّة اللّبنانيّة، ومستفيضًا في ذمّ المجتمع الدوليّ والبرلمان الأوروبيّ والمساعدات الأميركيّة، تجاهل نقطةً مفصليّة، أن محاولته الشعبويّة هذه، لا ترقى لكونها سوى تأكيد المؤكد. فلبنان الرسميّ قد تخلى منذ زمن، عن الحاجة لإقرار قانون لطرد اللاجئين أو ممارسة أبغض ضروب اللاإنسانيّة بحقهم، وأن السّلطات المنافقة التّي تداهم وترمي اللاجئين على الحدود تارةً، وتفاوض الأسد طورًا، ثم تستجدي الإحسان الدوليّ لإعانتها في عبء اللجوء "الثقيل"، وتقبل ما تمنحه أوروبا لهم وللبنانيين لاحقًا (راجع "المدن")، مستغنيّة عن من يحشد لها برداء تغييريّ..
قانون لطرد اللاجئين
وفيما استند جرادة، في الأسباب الموجبة لاقتراحه، بحجة أن وجود السّوريين بات "باب رزق لكثيرين من طالبي اللجوء، الذين باتوا يعتمدون على إنجاب الأطفال بهدف رفع قيمة المساعدات التي يتقاضونها من المفوضية السّامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والدول المانحة، وذلك تبعاً لتحديد مبلغ معيّن عن كلّ مولود. وهو ما يشكّل حسب جراده تغييراً ديموغرافياً في تركيبة المجتمع، مع الإشارة إلى أنّ السّلطات اللبنانية كانت قد تدخّلت في وقت سابق لوقف المساعدات بالدولار الأميركي عن اللاجئين"، فإن جرادة غفل عن التّدقيق في المعطيات على أرض الواقع، مُنجرًا بدعاية بعض الجهات العنصريّة، التّي لا تزال مؤمنة أن اللاجئين يتقاضون شهريًا مبالغ "خياليّة" وبالدولار الأميركي كمساعدات وهبات من المجتمع الدوليّ، ووضع حججه كلّها في خانة الشحن البروباغندي المُفتقر لأساس عمليّ.
إذ تطرقت "المدن" في تقاريرها السّابقة لموضوع المساعدات المُقدمة، والتّي خُفضت في الآونة الأخيرة، والتّي هي أساسًا لا تستهدف سوى شريحة من اللاجئين، أي حوالى 234 ألف عائلة تستفيد من مساعدات المفوضيّة، نتيجة لتخفيض أعداد المستفيدين مطلع العام الحاليّ بسبب "الشحّ" في الموارد (راجع "المدن"). فيما لا تزال المساعدات المُقدمة بالعملة اللّبنانيّة، ولا تكفي أساسًا لسداد الفاتورة المعيشيّة للاجئين المستفيدين منها (راجع "المدن). بل وأشارت "المدن" إلى الخلّل الجسيم في تسجيل الولادات والوفيات عند اللاجئين، نتيجة القرارات العاطفيّة والمتهورة، من جملتها قرار الحكومة اللبنانيّة الصادر عام 2015 الذي منع المفوضية السّامية لشؤون اللاجئين (UNHCR) من استقبال المزيد من طلبات تسجيل اللاجئين.
أما القرار آنف الذكر، فبدوره أسهم في إضعاف مساعي الجانب اللّبنانيّ لإعادة اللاجئين، وما اكتنف ذلك من تعاون وترميم العلاقات مع الجانب السّوري، والضغط على المفوضيّة لتسليم "داتا معلومات" اللاجئين، ولما نجحت السّلطات اللبنانيّة بتوقيع اتفاقيّة التّسليم مع المفوضيّة بتاريخ 8 آب الجاري، بشرط "التزام معايير الخصوصيّة الدوليّة"، فإنها أيضًا أغفلت وقع القرار على خطتها، وخصوصاً أنه أدى لمنع معرفة العدد الإجمالي للاجئين في لبنان، مع ازدياد عدد اللاجئين غير المُسجلين المقيمين حاليًا في لبنان، ما يُضعف أيضاً من احتمال استفادة أطفالهم غير المُسجلين من المساعدات التّي تحدث عنها جرادة.
حملات التّرحيل
أما في جديد حملات التّرحيل المستمرة منذ نيسان الماضي، فأشار مركز وصول لحقوق الإنسان (ACHR) (والذي يُتابع منذ بداية الحملات الأمنيّة الأخيرة، مستجدات عمليات التّرحيل)، في نشرته الأسبوعية، إلى أن الجيش اللبناني قد أوقف وبتاريخ 9 آب الجاري، 60 لاجئًا بتهمة "الدخول خلسةً إلى الأراضي اللّبنانيّة" وذلك في بلدة شدرا - قضاء عكار. وللآن لا يزال الموقوفون قيد التّحقيق لدى القضاء المُختص.
وباليوم نفسه قام الجيش بتوقيف 15 لبنانيًّا و31 سوريًّا لقيامهم بالتّحضير لعملية تهريب أشخاص عبر البحر بطريقة غير شرعيّة على متن مجموعة من المراكب، باتجاه أوروبا، وذلك في بلدات، ببنين، الميناء، دير عمار، سلعاتا، المنيّة. هذا وفيما أشار بيان صادر عن قيادة الجيش، إلى توقيف 5 سوريين لتجولهم بأوراق ثبوتية مزورة، كما وتمّ توقيف المختار (ز. ع) الذي أقدم على تزوير الأوراق لقاء بدل ماليّ، وذلك في بلدة برّ إلياس -البقاع، منذ نحو اليومين.
كما وعرج مركز وصول متناولاً سيرة لاجئ سوريّ، قرر السّفر إلى العراق "بحثًا عن مستقبلٍ أفضل" فيما انتهت محاولته للسفر عبر مطار بيروت الدوليّ، باحتجازه وترحيله نحو الداخل السّوري. وفي التّفاصيل ذكر مركز وصول، "أنه ولدى مُغادرة اللاجئ ق. ع. لبنان من مطار بيروت إلى العراق، وخلال إجرائه لتسويّة قانونيّة في المطار، تمّ احتجازه واعتقاله وسوقه إلى المديريّة العامة للأمن العام، نظرًا لسابقته كسجين أفرج عنه منذ عدّة سنوات. وفي 1 من آب الجاري، تمّ إبلاغ عائلته بقرار ترحيله إلى سوريا. وبما أن ق. ع. مُسجل كلاجئ، تواصلت عائلته مع UNHCR لإيقاف التّرحيل". وأضاف المركز: "لكن من دون جدوى، حيث أُبلغت العائلة أنّه تمّ ترحيله بواسطة الأمن العام وتسليمه للسلطات السّورية عبر معبر المصنع الحدوديّ، ومنذ ذلك الحين لم يُعرف عنه خبر حتّى الآن".
إذًا، من الواضح أن لا رجوع عن الحملات الأمنيّة وما يصاحبها من عنصريّة شعبيّة وسياسيّة، يرفدها إنكار للوقائع والحقائق. وفيما تصرّ بعض الأطراف اللّبنانيّة على الدفاع عن حقّ اللاجئين واستنكار الحملات التّعسفيّة، مع الالتزام بالاعتبارات الإنسانيّة والحقوقيّة، فإنها بالمُقابل لا تُنكر حجم العبء الملقى على كاهل البُنى التّحتيّة اللبنانيّة، وشحّ الموارد التّي باتت لا تكفي كافة المُقيمين في لبنان. أما المُلزم فهو أن يتعاطى لبنان الرسميّ والشعبيّ، اليوم، مع ملف اللجوء السّوري على أساس مُقاربة عملانيّة، كما والتّصدي لكل الطروحات الشعبويّة، السّاقطة أخلاقيًّا وحقوقيّا، كمثل التّي وضعها جرادة بنفسه.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها