وقد قوبل هذا الطرح بالرفض من قبل شريحة لا يُستهان بها من الطلاب، المُنزلقين أساسًا في أعباء معيشتهم الصعبة، فيما تجدّدت مخاوفهم من انتقال هذه الأعباء الماليّة لتطال مستقبلهم الجامعيّ وإمكانيّة التحاقهم به. فالجامعة اللبنانية هي الخيار الوحيد المتبقي أمام آلاف الطلاب من الفئات، والطبقات المفقرة، والمتعثرة، والهشة وخصوصاً أولئك المعتاشين على رواتب القطاع العام بحيث لا تُناهز بالحدّ الأقصى ال 150 دولار أمريكي.
صبّ هؤلاء جام غضبهم على وسائل التواصل الاجتماعي وعبر تحركات متعددة، مطالبين بحماية آخر مصادر التعليم شبه المجانيّ والرسميّ من التّسليع، وحمّلوا إدارة الجامعة والسّلطات الرسمية مسؤولية الانهيار. يلخّي أحد طلاب كليّة العلوم – الحدث لـ"المدن" بعض ما يفكر فيه كثير من زملائه. يقول أنّه "صُدم لحظة تلقيه الخبر بالزيادة، خصوصاً أن راتبه من العمل الجانبي الذي يعمل به، لا يناهز الثمانية ملايين ليرة، قائلاً:" لست أدري كيف سأتدبر أمري عند التّسجيل، خاصةً أنه تقريبًا يساوي راتبين على امتداد شهرين". مُعبرًا عن قلقه من العام الأكاديمي المُقبل خصوصاً أن تكاليف النقل في ارتفاع نسبيّ، ناهيك عن الأعباء المعيشيّة المُضافة لارتفاع إيجار السّكن الجامعي الخارجي".
انقسام بالآراء
وفي هذا السياق، دعا الاتحاد الطلابي العام إلى مؤتمر من المتوقع أن يحضره طلاب وأساتذة جامعيين وموظفين للبحث بالخطوات التصعيديّة القادمة، قائلاً:" بعد أن أودى النظام بالمجتمع إلى ظروف معيشية قاهرة عبر سياساته التدميرية لكلّ القطاعات، ها هو اليوم يصعّد ويصدر قراراً برفع رسوم تسجيل الجامعة اللبنانية بما لا يتناسب مع الوضع المعيشي ولا مع المداخيل. نحن الطلاب نرفض القرارات المجحفة بحقنا في التعليم والتي تسعى لتحويله الى امتياز".
فيما أعتبر مراقبون أن هذه الزيادات ليست تعجيزيّة مقابل ارتفاع سعر الدولار الأميركي مقارنة بالليرة اللبنانيّة، وقد تكون جرعة مُنعشة للجامعة المأزومة اقتصاديًا، وبالرغم من أن هذا القرار يحمل إيجابيات تقترن بإنعاش ميزانيّة الجامعة (في حال لم يتمّ نهبها) والتّي تُعاني اليوم من خلّل وقصور جسيمين. فتنبثق مخاوف من أن هذا القرار ينطوي على نيّة السّلطة وإدارة الجامعة والمعنيين بملف الجامعة الحيويّ، بالتوجه الشامل للدولرة، من دون الانتباه إلى مصير الطبقات المفقرة التّي لا تملك القدرة على مجاراة هذا الواقع. وبذلك تكون محاولة واضحة لتسليع آخر مصادر التعليم المجاني في لبنان وتحويله امتيازاً طبقياً، كباقي القطاعات.
ولا ينسى طلاب الكادر التعليميّ المشهديّة المؤسفة للامتحانات الفصليّة الأخيرة منذ قرابة الشهر، حيث أجرى الطلاب في فرع الجامعة اللّبنانيّة في طرابلس (الهيكلية) امتحاناتهم في الممرات وأروقة الجامعة لا في الصفوف، بسبب انقطاع الكهرباء المُزمن، وما يرافقه من انعدام تهوئة وتكييف وإنارة.
الجامعة اللّبنانيّة
أما بما يختص بالسّجال الذي كان قائمًا بين الهيئات التعليميّة والتّوظيفية على خلفية دفع بدلات الانتاجيّة والتناقضات الرسميّة التّي أفرزت نوعًا من التّشرذم بين صفوف الكادر البشريّ في الجامعة، والتّي تناولت موضوعه "المدن" سابقًا، (راجع "المدن"). فإن السّجال الذي تفاقم وأدّى إلى إضرابات وتوقيفات، قد توقف بُعيد إقرار مجلس الوزراء خلال الجلسة التّي عُقدت أواخر الشهر الفائت، إعطاء كافة العاملين في الجامعة اللبنانيّة بكافة مسمياتهم الوظيفيّة بما فيهم المدربون بدوامٍ كامل، بدل الانتاجيّة من الاعتمادات المتوفرة لدى الجامعة اللّبنانيّة.
ولما كانت الجامعة اللّبنانيّة اليوم، تجسيد حيّ للأزمة الاقتصاديّة، وعينة مُصغرة عن الفشل العميم في مختلف مفاصل الدولة، لا يبدو أن الحل يتوقف فقط على ضخّ موارد ماليّة مؤقتة (مصدرها الرسوم الجديدة) بل هناك حاجة مُلّحة لتدارك الأزمة وفهمها وبالتّالي وضع سياسات من شأنها وقف النزيف الطلابي والتعليمي. فلا تقفل الجامعة التي شكّل انشاؤها نقلة نوعية على الصعيد الوطني والاجتماعي والتربوي في لبنان، وفي الوقت نفسه، لا يضطر بعض الطلاب لترك الجامعة للانخراط في سوق العمل، ولا يهاجر اساتذتها أو يبحثون عن وظائف من خارج اختصاصاتهم تحفظ لهم بعضاً من كرامة العيش.
.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها