يُصادف الإثنين 26 حزيران الجاري، اليوم العالمي للأمم المُتحدة لمساندة ضحايا التعذيب، الذي خُصص لاستذكار اليوم الذي دخلت فيه اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسيّة أو اللاإنسانيّة أو المُهينة، (وهي إحدى الأدوات الرئيسية في مكافحة التعذيب)، حيز النفاذ عام 1987. وللمفارقة، يَحل هذا اليوم على لبنان بنظامه القضائي والأمنيّ (الذي صادق على الاتفاقية عام 2000 إلى جانب بروتوكولها الاختياري عام 2008)، ثقيلاً وشاهدًا حيًّا على مئات جرائم التعذيب الوحشية، والتّي لطخ بها القضاء اللبناني سمعته، وأماط اللثام عن هشاشة مفهوم العدالة والحقوق لديه. وليس في هذا النبأ أي مُبالغة، فإن النظام القضائي والأمنيّ لا يزال يُصرّ على عصيانه لمختلف القوانين اللبنانيّة والعرفيّة الدوليّة، فبالتالي ليس غريبًا عنه عدم الالتزام بالحظر الدوليّ بما يتعلق بالتعذيب داخل أقبيّة السّجون، أو بالإبعاد القسريّ المُفتقر لأساس عمليّ، أو ارتكاب أفظع الجرائم وأنماط العنف لانتزاع الاعترافات أثناء التحقيق.
طاولة مُستديرة
وبمناسبة اليوم الدوليّ، أقامت كل من المفكرة القانونيّة، وHuman Rights Watch، والمركز اللبناني لحقوق الإنسان، طاولة مُستديرة صباح اليوم، في فندق روتانا – بيروت، لمناقشة القانون 65/2017 المُتعلق بمعاقب التعذيب، وآثاره على الضحايا وعائلاتهم، فضلاً عن ملاحظات حول عمليات التّرحيل القسريّة للاجئين والتّي تتدرج تحت مظلة هذا القانون. وهدفت الجلسة لمقارنة النصّ القانوني بواقع تطبيقه في لبنان، والحديث عن الضحايا التّي ارتكب فيهما الجهاز الأمنيّ والقضائي جرائم التعذيب من دون خشية من العقاب.
واُستهلت الجلسة النقاشية، بكلمة لمدير مركز سيدار للدراسات القانونيّة، المحامي محمد صبلوح، الذي قام بدوره بعرض الانتهاكات التّي سجلها النظاميين الأمنيّ والقضائي بحقّ نزلاء السّجون، مشيرًا لانتشار ثقافة "العنف في انتزاع التحقيقات"، وبتجاهل القانون 65/2017 (الذي اقرّه البرلمان اللبناني في أيلول عام 2017) لصالح هذه الثقافة. وتهميش المادة 47 المُعدلة (وقد استندت الأسباب الموجبة للتعديل على المعاهدات الدولية التي التزم بها لبنان، لجهة تفعيل حقوق الدفاع وكذلك إلى توصية لجنة مناهضة التعذيب في الأمم المتحدة للدولة اللبنانية) من أصول المُحاكمات الجزائيّة في التحقيقات الأوليّة، وخاصةً عند الأجهزة الأمنيّة التّي تتمنع قصدًا أو جهلاً عن تزويد الموقوفين بالمعلومات المُتعلقة بحقوقهم.
كذلك عدم الالتزام بُمهل التوقيف الاحتياطي (يومين قابلة للتمديد يومين آخرين).
التعذيب في السّجون
وبعدها استعرض المُحامي عدد من الدعاوى وحالات التعذيب التّي توكل عنها قانونيًّا، منها قضية اللاجئ بشار عبد سعود.. ليُشير لاحقًا لانتهاك السّلطات الأمنيّة للاتفاقية (المادة الثالثة) والقانون اللبناني المتعلقين بمناهضة التعذيب في حملات التّرحيل القسريّة للاجئين منذ مطلع نيسان لليوم. التّي حرمت طرد أي شخص أو إعادته أو تسليمه إلى دولة أخرى، إذا توافرت لديها أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب. كما لفت للعراقيل القضائية التّي تحول دون حق الضحية والموقف بالدفاع عن نفسه أو تدخل وكيله القانوني. مطالبًا بوضع حدّ لهذه الانتهاكات وإلزام الدولة بالاتفاقية ولو اضطر الأمر منع المساعدات عنها.
وبعدها تمّ عرض مقطع مُصور، تضمن شهادة لوالدة ضحية التعذيب وليد دياب، والذي تعرض لتعذيب وحشيّ في السّجون اللبنانيّة وهو لا يبلغ الثلاثة عشر عامًا، فيما قُتل مطلع عام 2021 على يدّ "أصدقاء" له. وربطت الوالدة المفجوعة جريمة قتله بارتدادات التعذيب والسجن عليه. وعلّق المحامي صبلوح في الفيديو على جريمة التعذيب الوحشيّة التّي طالت دياب، من صعق كهربائي، واجتثاث الأظافر وصولاً للضرب المُبرح والتّي تركت في نفس الضحية آثار نفسية سلبية، وحولته من طفل بريء لسجين مُعذب ومضطرب نفسيًا منبوذ اجتماعيًا بدل القيام بالتأهيل اللازم.
قرار اتهامي بحقّ العناصر المخالفة
ثمّ اعتلت المنصة المحامية والباحثة غيدا فرنجية. والتّي تشغل حالياً موقع مسؤولة قسم التقاضي الاستراتيجي في المفكرة القانونيّة. وتناولت في حديثها موضوعين: أولهما صدور القرار الاتهامي بحقّ العناصر التّي قامت بتعذيب الموقوف بشار عبد سعود، ذاكرةً أنه أول قرار اتهامي بحقّ مسؤولين منذ صدور القانون، بل وإنه أول رواية رسميّة صادرة عن جريمة تعذيب وحشيّة مثل التّي تعرض لها سعود. بعد عشرات القضايا التّي تنصل منها الأمن والقضاء تارةً بإنكار حدوث التعذيب وتارةً أخرى باعتباره حادثًا فرديًا، فضلاً عن تعزيز مبدأ القضاء الاستثنائي في التحقيقات المُتعلقة بالتعذيب، وترقية المتورطين بجرائم التعذيب. وثانيهما ملاحظات سريعة حول حملات التّرحيل للاجئين والتّي اتخذت طابعًا خطيرًا من حيث كونها جماعيّة وقسريّة ومستندة لقرار مجلس الدفاع الأعلى الذي أساسًا لم يُبح مثل المداهمات المستمرة لمساكن اللاجئين ومن ثم ترحيلهم من دون تقييم فعليّ.
وبعدها تكلم ممثل Human Rights Watch، رمزي قيس، الذي سلط الضوء على نقاط ثلاث وهو عمل HWR لتطبيق فعليّ لمناهضة التعذيب، ومخاوف المنظمة من عمليات الترحيل القسريّة والتّي تابعتها، وصولاً لمتابعة المنظمة لقضية الموقوف بشار عبد سعود. وطالب السّلطات بمباشرة العمل على تحقيق شفاف وحياديّ في جميع قضايا التعذيب. بعدها تمّ عرض أكاديمي للتفاوت بين القانون والتطبيق والثغرات المُبهمة في القانون اللبناني لمعاقبة التعذيب ومقارنته بالقانون الفرنسي. أهمها أن القانون اللبناني ينصّ على مرور الزمن على جريمة التعذيب من 3 إلى 10 سنوات وتبدأ المهلة عند خروج الضحية من السجن أو الاعتقال أو التوقيف المؤقت، بما يتعارض مع المعايير الدولية التي تنص على أنه لا ينبغي أن يكون هناك مرور زمن على جريمة التعذيب. بالإضافة إلى ذلك، فإن مواد القانون لا تعكس بشكل كافٍ الطبيعة الخطيرة لجريمة التعذيب.
بيان مشترك إلى السّلطات اللبنانيّة
وبنهاية الجلسة، وُزع بيان مشترك ضمّ توقيع كل من: المركز اللبنانيّ لحقوق الإنسان، والمفكرة القانونيّة، وبراود ليبانون، وجمعية الأيادي المُساعدة، وجمعية عدل ورحمة، ومركز الخيام لتأهيل ضحايا التعذيب، ومركز سيدار للدراسات القانونيّة، ومنّا لحقوق الإنسان، وهيومن رايتس وتش. عنوانه "لبنان: بعد 5 سنوات من إقرار قانون مُعاقبة التعذيب: لا يوجد تقدم ملموس في تطبيق القانون". طالب من خلاله الموقعين، السّلطات اللبنانيّة باتخاذ الإجراءات التّالية:
1- ضمان الالتزام بالمادة 47 من أصول المحاكمات الجزائية، لا سيما لناحية ضمان الاستعانة بمحام وعرض جميع الموقوفين للمعاينة الطبية أثناء استجوابهم الأوّلي من قبل الأجهزة الأمنية.
2- احترام مهل التوقيف الاحتياطي المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات الجزائية؛
3- إجراء تحقيقات فورية ومستقلة ونزيهة وفعالة في الشكاوى والإخباريات المتعلقة بالتعذيب، فضلًا عن المعاملة أو العقوبة القاسية واللاإنسانية والمهينة؛
4- إحالة جميع قضايا التعذيب إلى المحاكم العدلية المنصوص عليها في المادة 15 من قانون أصول المحاكمات الجزائية وضمان حق جميع الأطراف في محاكمة مستقلة وعادلة وشفافة؛
5- الكف فورًا عن الترحيل القسري للاجئين السوريين، والسماح للأشخاص المعرضين لخطر الترحيل بالحصول على المشورة القانونية، والتواصل مع ممثلين عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والاعتراض على قرارات الترحيل أمام القضاء؛
6- إقرار قانون يضمن استقلال القضاء وفق المعايير الدولية؛
7- تعديل قانون معاقبة التعذيب بما يتماشى مع التزامات لبنان الدولية واتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب؛
8- إصدار المراسيم الحكومية الضرورية للسماح للهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، بما في ذلك الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، بالوفاء بمهامها؛
9- تقديم التقرير الدوري الثاني للبنان إلى لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، والذي تأخر تقديمه منذ أيار 2021، وقبول طلب المقرر الخاص المعني بالتعذيب في الأمم المتحدة بزيارة لبنان والمعلقة منذ شباط 2017؛
10- الاعتراف باختصاص لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة في تلقي الشكاوى الفردية المقدمة من الضحايا والنظر فيها، على النحو المنصوص عليه في المادة 22 من اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب؛
11- نشر التقارير المحالة من قبل اللجنة الفرعية لمنع التعذيب التابعة للأمم المتحدة إلى لبنان.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها