في هذا الاطار، تشرح الخبيرة في قضايا المساواة بين الجنسين عبير شبارو لـ"المدن" أن الكوتا، كما هو متعارف عليها عالمياً، تدبير موقّت لتخصيص نسبة معيّنة من التمثيل للمرأة. ويجب الإشارة إلى أن النسبة المطروحة التي قد تتراوح بين 20 إلى 30 في المئة من تمثيل النساء في الدوائر الانتخابية، تمثّل الحد الأدنى للمشاركة، ولا تحصرها فقط بالنّسبة.
في معظم الأحيان، يوضع الحدّ الأدنى للكوتا على أساس 30 إلى 33 في المئة، لتشكّل الثلث، أي ما يعرف بالثلث المؤثّر. فتسمح هذه النسبة بطرح أو إبطال قرار. رغم ذلك، لا مانع من أن ينخفض الرّقم إلى 25 في المئة، طالما يحفظ حقّ المرأة في المشاركة.
وتوضّح شبارو أن الحدّ الأدنى يجب تأمينه، في حال أُقرّ القانون، مشدّدة على أنّه تدبير استثنائي يمكن التخلّي عنه في المستقبل. ما يعني أنّ الكوتا وسيلة لتمثيل المرأة بالطريقة التي تستحق في مراكز القرار، ولا يحصر ذلك في المجلس النيابي فقط، إنّما تتوسّع الرقعة لتشمل مؤسّسات الدولة والإدارات العامّة.
وغني عن القول إن النساء تمثلن نصف المجتمع. لذا لا بدّ من تأمين التمثيل العادل لهن، علماً أنّهن تمثّلن فئات المجتمع كلّها ولا تمثّلن النساء وهدهن.
كوتا طائفية ونسائية
مبدأ الكوتا ليس جديداً على النظام اللبناني، فهو يعتبر معياراً أساسياً في التمثيل السياسي الطائفي في لبنان. فالمقاعد الانتخابية في المجلس النيابي وفي لوائح المرشحين، توزّع على أساس طائفي "عادل"، كي يتمثل الجميع بقواه وجماعاته الطائفية.
وانطلاقاً من هذا المبدأ، أوضحت المديرة العامّة لمنظّمة المرأة العربية الدكتورة فاديا كيوان أنّ الكوتا النسائية تلجمها أو تخنقها الكوتا الطائفية، ويجب تقديم مشروع قانون يحفظ الاثنتين. فعلى سبيل المثال، يجب تأمين 15 مقعداً للنساء على أساس التوزيع الطائفي، في الدوائر التي تضم أكثر من مقعد للطائفة نفسها، فتحصل المرأة على مقعد منها. في بيروت الثانية مثلاً، يتوفّر أكثر من مقعد سنّي، فيجب أن يكون واحد منها من نصيب امرأة على الأقل.
وقوبل هذا المشروع، كما المشاريع الأخرى، بالرّفض والتجاهل، بلا أي سبب وجيه أو حجّة مقنعة من اللجان المعنية، معتبرين أن هذا القانون ليس مهمّاً في الوقت الحالي.
رفض المجلس
وفيما يظن البعض أن مجلس النواب تجاهل مشروع قانون الكوتا، تؤكّد النائب عناية عزالدين، الموقّعة على هذا القانون، أن اللجان المشتركة والمجلس أبديا موقفاً صريحاً من هذا الموضوع: رفض مناقشته.
فبينما كانت تناقش مواد قانون الانتخابات المعدّة للتعديل، استبعد النائب إيلي الفرزلي الأمر ليقول أن ذلك يشكّل إرباكاً الآن. وفيما ركزت عزالدين على الكوتا النسائية، أجّلت المناقشة وقفز المتناقشون إلى المادّة 11، علماً أن مادة الكوتا كانت الثانية.
ولما طرح القانون، استنكر نائب القوّات اللبنانية جورج عدوان، فوافقه النائب عن حركة أمل حسن خليل، وصوتت الأكثرية ضد المشروع، ما دفع عزالدين إلى الانسحاب من اجتماع اللجنة المشتركة.
ومع إصرار عزالدين على ضرورة مناقشة القانون المستجد في مجلس النوّاب، حين انعقاد جلسة الهيئة العامّة لتقديم المشاريع المعجلّة المكرّرة، تمّ تجاوز الأمر على عجل، وكانت حجّة عدوان أنّ التصويت عليه فات أوانه و"غير دستوري"، فصُرف النظر المشروع، ولم يبحث حتى اليوم و"وئد" وفقاً لعز الدين.
وأردفت عزالدين قائلة لـ"المدن" إنّ الأحزاب تفضّل "توزير" المرأة على ترشيحها إلى المجلس النيابي. ففي المركز الوزاري، يستطيعون إزاحتها جانباً والاستغناء عنها عند أي مفترق. أمّا في حال ترشيحها ونجاحها في العمل النيابي، فتكون قد استحقّت شرعتيها من الناس. وهذا صك ثقة من الشعب اللبناني.
وكان جواب أحد النواب لعبير شبارو حين سألته عن سبب رفضه طرح الكوتا: "شو بدّك تشيلينا حتى نجيب نسوان؟".
مقارنة بالدول العربية
يعتبر لبنان من الدول العربية المتأخرّة جداً في تشريع قانون الكوتا النسائية. ومن الدول العربية التي عملت بالقانون: العراق، البحرين، مصر، الأردن، والمغرب.
وحسب كيوان، تخطى فوز النساء في الانتخابات العراقية الأخيرة، نسبة المقاعد المخصصة لهن في الكوتا التي كانت 20 في المئة. والعراق أقر الكوتا منذ العام 2004، وظهرت ثمارها في انتخابات 2021. أمّا في الأردن فأصبح من الممكن الاستغناء عن الكوتا، لأن فوز النساء بمقاعد نيابية تجاوز نطاقها. وضربت كيوان مثلاً آخر: دولة البحرين التي استطاعت بالكوتا إيصال امرأة إلى رئاسة مجلس النوّاب، فبعد محاولتها مرّات ثلاث، كانت "الثالثة ثابتة".
أمّا في لبنان، فمنذ انتفضت النساء عام 1952 لانتزاع حقّهن بالتصويت والترشيح، فلم يصل إلى المجلس النيابي سوى 14 نائبة. وهذا رقم كارثي مقارنة بالدول العربية الأخرى.
سياسة التعريض الشخصي
عوامل عدّة أدت إلى انكفاء المرأة عن العمل السياسي في لبنان. فأخصائية بناء التحالفات النسوية في هيئة الأمم المتّحدة لارا سعادة، ذكرت أبرز العوامل، وهي ثلاثة:
الأول، هو أن الدستور لا يكفي وحده لإيصال النساء إلى مراكز القرار. فالدستور لا يؤثر بقوة في خيارات الشعب اللبناني بالتصويت لصالح النساء. فالناس لا يثقون بإيصالها، متأثرين بالأعراف والتقاليد المتوارثة جيلاً بعد جيل.
أمّا العامل الثاني فيتعلّق بالعنف السياسي ضد المرأة داخل المجلس. فالعنف اللفضي والتعريض الشخصي هما سمة الجدال الدائم في المجلس، لا المسائل والموضوعات السياسية. وهذا يدفع النساء إلى التراجع عن المشاركة في الحياة السياسية.
وهناك العامل الأخير والأهم، ويتعلّق بالمسألة المادية حسب سعادة. فنسبة النساء المستقلات مادياً ضئيلة جدّاً، مقارنة بالرجال. لذا لا تستطع النساء التسويق لأنفسهنّ بالشّكل المطلوب، خصوصاً أن الحملات الانتخابية تتطلّب مصاريف مالية عالية.
هل يقرّ القانون؟
مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية، تستبعد النائبة عناية عزالدين إعادة طرح القانون في الجلسات المقبلة، مشيرة إلى استبعاد القانون حتى عن انتخابات سنة 2026. أما فاديا كيوان فطرحت حلّين أساسيين: الأوّل يتعلّق بمبدأ الكوتا الطوعية، أي أن تعمل الأحزاب على ترشيح النساء على لوائحها، إضافة إلى تجيير الأصوات لهنّ، والتسويق لهنّ بالطريقة العادلة.
والحل الثاني يكمن في تخصيص عدد معيّن من مقاعد المجلس النيابي للنساء، فيصبح التنافس على هذه المقاعد بين النساء. ولكن في رأي كيوان، من الصعب اعتماد هذا الحل في لبنان، بسبب المناوشات السياسية. فإن اتفقوا، يتّفقون على التفريط بدور المرأة بدلاً من دعمها.
وعمّا إذا كان سبب خشية طرح قوانين حسّاسة مثل حق المرأة في منح جنسيتها اللبنانية لأولادها من أب غير لبناني، فأكّدت عزالدين أن السبب الوحيد والأساسي هو خوف الرجال من خسارة سلطتهم ونفوذهم.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها