قبل 11 يوماً نشرت "المدن" عن اشتباكات في بلدة الطفيل، بين عصابة مسلحين تابعة للمدعو حسن دقّو وبعض عائلات البلدة. وقبلها في شهر كانون الثاني الماضي، أيضاً عن ما يفعله حسن دقّو في البلدة. بل وفي تشرين الثاني الماضي، نشرت "المدن" تحقيقاً موسعاً عن الطفيل وأعمال دقّو فيها.
اليوم، عادت الطفيل وحسن دقّو إلى الواجهة، بعد تفجّر قضية تهريب الكبتاغون إلى السعودية.
أُسقطت قضية الرمان "الملغوم بالمخدرات" المصدّر إلى السعودية، تهم "الإتجار بالمخدرات" والتعامل بها، على مروّجين في منطقة بعلبك الهرمل من دون تردد. فالمنطقة العصية على قرارات منع زراعة الحشيشة وتصنيعها لسنوات طويلة، أمّنت حصانة لـ"طفار" من كبار المروّجين وصغارهم، الذين وجدوا في تداخل حدود لبنان مع سوريا، ومساحاتها الجردية غير الخاضعة للمراقبة الأمنية، ما يعزز تجاراتهم الممنوعة على أنواعها، بعد أن دخلت فيها استثمارات سورية - لبنانية مشتركة، استخدمت الأراضي اللبنانية في صناعة المخدرات وتصديرها، حتى بات نفوذ بعض تجار المخدرات، يفوق "المرجعية السياسية" التي تحتضن المجتمع البعلبكي.
المصانع والمنافسة
توغل "الاستثمارات السورية" في تجارة المخدرات إلى داخل الأراضي اللبنانية، بدأ منذ ما قبل معركة الجرود. وقد توجت مرحلة من نسج العلاقات وتعزيزها مع مروّجين لبنانيين من مناطق دار الواسعة وبريتال والكنيسة، حيث ينعم "الطفار" أيضاً بحرية زراعة الحشيشة كغطاء أخضر لتجارة المخدرات.
خلال هذه المرحلة انتقلت "معامل المخدرات" إلى الجرود الجبلية الفاصلة بين لبنان وسوريا، وثبتت في مناطق لا يسهل تغطيتها أمنياً، ليتركز القسم الأكبر منها وفقاً لتقارير أمنية في منطقتي بريتال والهرمل القريبة من الحدود.
لم تظهر المعامل التي صادرتها الضابطة العدلية عن حاجة الصناعة إلى معدات معقدة. وهي تجهيزات كلفتها غير باهظة، بل تشبه إلى حد بعيد معدات تصنيع السكاكر او حبوب الشوكولا والإسبيرين وغيرها، يجري تعديلها ميكانيكياً لصناعة الكبتاغون. ويسهل نقل بعضها من مكان إلى آخر.
ووفقاً لتقارير أمنية حول المعامل المضبوطة، فإن معظمها يتركز في منطقة بعلبك الهرمل، حيث ضبطت كميات كبيرة من الكبتاغون وحشيشة الكيف. لتتصدر بريتال اللائحة، تليها مناطق الهرمل، إيعات بوداي، حور تعلا ودير الأحمر ودورس والشراونة.
خلق هذا الإنفلاش في صناعة المخدرات في منطقة بعلبك- الهرمل تنافساً بين التجار، تطور أحياناً إلى عمليات أمنية، استدعت تنفيذ مداهمات في أكثر من بلدة بقاعية، معظمها ارتكز إلى وشايات "أعداء الكار"، ليتحول الموضوع جزءاً من الجدل السياسي الذي أثير، وخصوصاً عندما تم ضبط معمل وحيد لصناعة المخدرات في منطقة دير الأحمر التابعة سياسياً لنفوذ القوات اللبنانية.
إلا أنه على رغم تطوير مروجي المخدرات اللبنانيين معرفتهم بكيفية صناعتها، بقيت تنقصهم الخبرة المكتسبة لدى التجار السوريين في تهريب البضائع، وتأمين الأسواق الخارجية لها. فهذه، وفقاً للمعنيين، راكمها التجار السوريون نتيجة لباع طويل من الممارسة، أمنت لهم المعرفة في كيفية استهداف الأسواق الخليجية وخصوصاً السعودية، حيث تباع حبة الكبتاغون حالياً بـ26 دولاراً، فيما ثمنها في لبنان بحدود الدولارين وفي باقي بلدان الخليج 15 دولاراً.
حسن دقّو أقوى من القضاء
وهكذا انقسمت أدوار مراحل إنتاج المخدرات وترويجها. ليتقدم اللبنانيون بزراعة الحشيشة وصناعة باقي أنواع المخدرات، ويبقى التجار السوريون متحكمين بتصديرها.. إلى أن ظهر على الساحة حسن دقو. الرجل الذي صنف رقم واحد لبنانيا في الإتجار بالمخدرات، لا يتجاوز عمره 42 سنة. حقق ثروة كبيرة، سمحت له بشراء 600 سهم من عقارات "الطفيل" الـ27، محكماً سيطرته على البلدة، التي بتداخل أراضيها مع منطقة عسال الورد السورية، أمنت تفلّت تجارته الممنوعة من كل الضوابط الحدودية.
يتحدث مصدر قضائي عن النفوذ الاستثنائي العابر للحدود الذي يتمتع به الرجل. فإثر توقيفه في شهر تشرين الثاني 2020، بدعوى خطف، رفعتها ضده عائلة إبن بلدة الطفيل منصور شاهين، مارس على القضاء اللبناني ولا سيما النيابة العامة الاستئنافية في البقاع شتى أنواع الضغوط، ولم يبق وفقاً للمصادر لا رجل سياسة ولا مسؤول جهاز أمني ولا قضائي نافذ، في لبنان أو في سوريا، إلا وضغط على النائب العام منيف بركات لإطلاقه. ووصل بعضها إلى حد تهديد سلامة بركات وعائلته، بعد تلقيه تهديدات من زوجة دقو المحامية سحر محسن، العاملة على شرعنة مفاصل صفقات زوجها غير القانونية. صمد بركات، إلا أن الهيئة الاتهامية لم تفعل، فأخلت سبيل دقّو، فور وصول الملف إليها، ليعود الأخير إلى ممارسة سطوته وكأن شيئاً لم يحصل.
"شراء" بلدة الطفيل
كل المعلومات المتداولة عن دقو، والتي تتمظهر في أدائه الميليشياوي بالتنقل بين أبناء بلدته الطفيل، بعد نيله الجنسية اللبنانية سنة 2019 بطريقة "مشبوهة"، تثبتها صور التقطت لموكبه الذي يضم 12 سيارة "مفيّمة" بداخلها مسلحون، اثنتان منها اشتراهما من وزير الداخلية السابق نهاد المشنوق، الذي تؤكد المصادر تدخله لدى القضاء للإفراج عن دقّو، على رغم تأكيد المشنوق على اقتصار العلاقة بينهما على صفقة بيع السيارات.
عصابة دقو روّعت أهل الطفيل خلال فترة قصيرة، ليفرض عليهم الجلوس على طاولة تفاوض، حاول خلالها إلزامهم بالتخلي عن الأراضي التي امتهنوا زراعتها أباً عن جد، إلى أن وقع في قبضة فرع المعلومات بتهمة الإتجار بالمخدرات.
بين حزب الله و"المستقبل"
في بداية ظهوره الميليشياوي ببلدة الطفيل، نسب نفوذ دقو إلى حزب الله والنظام السوري، إلا انه ما لبث أن أظهر أيضاً قربه من تيار المستقبل، الذي شارك في لجنة حل خلافاته مع الأهالي، والتي جاءت معظم قراراتها متواطئة مع دقّو، فانقلب عليها الأهالي عندما وقع أخيراً بقبضة فرع المعلومات.
النفوذ الإستثنائي الذي يتمتع به دقو، قد يدفع إلى التوغل في الاستنتاجات، وصولاً إلى إتهام السلطات الرسمية بتحقيق منفعة شخصية له، من خلال تأمين الطريق وتعبيدها إلى الطفيل التي انتظرها الأهالي عقود، ولم تتحقق إلا مع وضع دقّو يده على ممتلكات البلدة.
فمنذ استحداث هذه الطريق لم ينعم بها أهالي الطفيل سوى في مغادرة البلدة التي صارت تحت سطوته الكلية. ويقول الأهالي أن دقّو ثبّت بالطفيل هنغارات نال رخصتها من وزير الداخلية محمد فهمي. ومن يقترب من هذه الهنغارات عرضة لإطلاق نار مباشر. ولذلك، لا يعرف الأهالي وجهة استخدامها. علماً أن دقو ليس وحيداً في سطوته، حسب المعلومات، وخلفه شبكة من تجار المخدرات السوريين، بعضهم ممن يملكون أيضاً الجنسيتين اللبنانية والسورية، يساعدونه في معظم الأعمال المخلة بالأمن.
شحنة ماليزيا.. والاعتقال
أوقف دقو بداية شهر نيسان بتهمة الإتجار المخدرات. وحسب المعلومات، فإن توقيفه جاء على خلفية ضبط شحنة مخدرات انتقلت إلى ماليزيا كإجراء تمويهي يؤمن وصولها لاحقاً إلى السعودية. وتشير الترجيحات إلى أن توقيفه جاء نتيجة لوشايات اتقنها دقو بحق أعدائه في الكار، بمحاولة لإخلاء الساحة لتجارته المتوسعة، إلى أن وقع هو في شر أعماله.
توقيف دقو يضع مروجي المخدرات في بعلبك بحالة ترقب. وخصوصاً بعد حالة الامتعاض التي أثارتها قضية شحنة الرمان الملغوم المرسلة إلى السعودية. وهم بانتظار رد الفعل الأولي الذي قد تظهره السلطة الشرعية في المنطقة، حفاظاً على ماء وجه لبنان تجاه السلطات السعودية، بعد أن جاء اتهامها مباشراً وواضحاً لحزب الله، بخلق البيئة المناسبة وتأمين كافة التسهيلات لوصول المخدرات إلى أراضيها.
مخابرات الجيش
يأتي ذلك في وقت تبذل مخابرات الجيش منذ تغيير قيادتها في البقاع قبل أربعة أشهر، جهوداً كبيرة لبسط سلطة الشرعية وهيبتها على الخارجين على القانون في هذه المنطقة. وقد نفذت القيادة -وفقاً للمعلومات- إحدى عشرة عملية لملاحقة مصنّعي المخدرات وتجارها. ومع أنها فككت العديد من معامل إنتاج المخدرات، إلا أن عملياتها لم تسفر عن توقيف رؤوس كبيرة من مروجيها. علما أن آخر العمليات الأمنية المنفذة في منطقة البقاع، لاحقت مطلوباً بـ20 مذكرة توقيف، يدعى عماد م. وقد ضبطت لديه أربع شاحنات من المعدات، و5 طن من الحشيشة و59 برميلاً من البودرة البيضاء، حملت في شاحنات الجيش ونقلت فوراً إلى مكب رعيت في شرقي زحلة حيث جرى تلفها فوراً بسبب تخمة أماكن المصادرة بالكميات المضبوطة سابقاً.
سلطة الأمر الواقع
إلا أن تجارة المخدرات كما زراعة الحشيشة وملاحقتها تحتاج وفقا لمصادر قضائية إلى قرار سياسي، وإرادة أمنية جازمة، تتخطى الممانعة التي أظهرها المروجون المستقوون ببيئتهم لسنوات طويلة، وتؤمن تجاوز الصعوبات التي تواجه عملية التلف.
يروي مصدر قضائي أن ضابطاً متقاعداً في الجيش تقدم بشكوى قضائية بحق مروّجين، وضعوا أيديهم على قطعة أرض يملكها في منطقة القصر بالهرمل، وزرعوها بالحشيشة. وحسب المعلومات، فإن النيابة العامة أعطت الإشارة بتلف الحشيشة في الأرض فوراً، وقد أبدى صاحب الأرض استعداداً لدفع كلفة هذه العملية، إلا أن الأجهزة الأمنية لم تنجح في إقناع ولو صاحب جرار زراعي واحد في منطقة البقاع باستئجاره مع جراره لتنفيذ الإشارة.
قد لا تكون سوى رواية سطحية لسلطة الأمر الواقع الحاكمة في المنطقة، والتي ساهمت بتغاضيها عن الكثير من الارتكابات، بذريعة حماية ظهرها من "الإرهاب" المترصد لبيئتها، في تفشي ظاهرة استثنائية من ارتكابات لم تعد حدود لبنان تتسع لها، بل باتت تهدد بإغراق كل لبنان في رمال السمعة السيئة، بعدما فجّر الرمان "الملغوم" المرسل إلى السعودية القلوب المليانة في الخليج العربي عموماً.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها