الثلاثاء 2021/03/02

آخر تحديث: 15:52 (بيروت)

انهيار وعنف وكورونا: طرابلس أكبر "حزام بؤس" في لبنان

الثلاثاء 2021/03/02
انهيار وعنف وكورونا: طرابلس أكبر "حزام بؤس" في لبنان
الهوة صارت كبيرة بين أهالي طرابلس والدولة.. أو ما بقي منها (علي علّوش)
increase حجم الخط decrease

أكثر من عامٍ مرّ على تفشي فيروس كورونا في لبنان، مترافقًا مع أسوأ أزمة اقتصادية ومعيشية بتاريخنا الحديث، و"متوّجًا" بجريمة انفجار مرفأ بيروت في  4 آب 2020، مع استمرار الاستعصاء السياسي الذي ينذر كل يومٍ بما هو أسوأ، ويضعنا أمام أسئلة مصيرية لا نجد لها جوابًا، حول حاضرنا ومستقبلنا وكياننا.  

وتلك الشهور الثقيلة (والمستمرة)، قلبت حياة اللبنانيين رأسًا على عقب، فضاعفت المأساة التاريخية لبعض المدن والمناطق، لعلّ طرابلس أبرزها. 

فكيف أثّر ترافق الأزمات الصحية والاقتصادية والسياسية بشكل استثنائي على ثاني أكبر مدينة في لبنان؟  
يمكن القول أن طرابلس في الأيام النادرة التي لا تشهد فيها تحركات شعبية أو مواجهات "عنيفة" في الشارع، تكون بحالة هدنة ليس أكثر. خصوصًا أن كل المؤشرات تعكس حجم المخاطر المجتمعية التي تتربص المدينة. وهي مصحوبة مع إجحاف أمني وقضائي وسياسي متواصل، كان آخرها إلصاق تهمة الإرهاب بحقّ شباب من طرابلس، نزلوا إلى الشارع للمطالبة بأبسط حقوقهم، فيما بقي "محرّضون" ومشبوهون آخرون، لهم ارتباطاتهم وأجنداتهم السياسية، بمنأى عن أي ملاحقة أو اتهام.  

يأسف رئيس غرفة التجارة والصناعة توفيق دبوسي لما وصلت إليه الأوضاع في طرابلس، لأنها لم ترتح منذ العام 1975. وغابت عنها أي خطة استراتيجية لإنقاذها ولو بالحدّ الأدنى، وفق تعبيره.  

الهوة المتوسعة
بعد انتشار ظواهر السرقة والتوترات الأمنية والعنف اليومي المستشري، يربط دبوسي المخاطر المجتمعية التي تهدد طرابلس، بالوضع الاقتصادي غير الطبيعي، الذي دفع آلاف الأسر تحت خطّ الفقر المدقع، وقضى على مستقبل آلاف الشباب والشابات في هذه المدينة المهمة، حسب قوله لـ "المدن". 
وينطلق دبوسي من أرقامه. إذ تراجع تجديد انتساب المؤسسات لغرفة التجارة والصناعة في طرابلس بنسبة 89%. وهي تتراوح بين صغيرة ومتوسطة وكبيرة. ما يعني أن هذه المؤسسات إمّا أغلقت أبوابها أو علّقت عملها في طرابلس.  

ويعتبر رئيس الغرفة أن لبنان يخطو نحو الانهيار الكبير، و"الحلول تصبح أكثر تعقيدًا. وما شهدته طرابلس من أحداث أخيرًا ليست إلا تعبير عن غياب الدولة وعدم رعاياتها لأدنى مصالح الناس الذين انفجروا غضبًا وحرمانًا". 
ويرى دبوسي أن الهوة صارت كبيرة بين أهالي طرابلس والدولة (أو ما بقي منها)، لأنها "لم تعطِ اهتمامًا لموقع طرابلس الكبرى الاستراتيجي، ولم تعمل على كيفية إشراكها بالاستثمارات الإقليمية والدولية، من بوابة مرفئها ومطارها ومعرضها ومصفاتها.. ومعظمها معطلة".  

الحرمان الشديد
على مستوى آخر، يذهب الخبير الاقتصادي والأستاذ المحاضر في جامعة البلمند سامر حجار، إلى طبيعة طرابلس الاقتصادية، التي تتسم بالهشاشة، وتعكس مدى تأثرها بجائحة كورونا التي ترافقت مع سلسلة كبيرة من الأزمات. 
ويلفت حجار أن اقتصاد طرابلس بعد 1990، صار يعتمد بشكل كبير على التجارة بقطاع التجزئة، وعلى الخدمات السياحية المتمثلة بانتشار واسع للمطاعم والمقاهي، ما يجعل مستوى تأثر طرابلس بالأزمات الأخيرة استثنائيًا، لا سيما أنها كانت تعاني قبل ذلك من تهميش كبير، على مختلف المستويات، الانمائية والاقتصادية والمجتمعية والتعليمية.  

ويُذكّر الأكاديمي أن في طرابلس قبل الأزمة الأخيرة، أي قبل 17 تشرين الأول 2019، كان نحو 40% من سكانها يعانون من حرمان شديد، والبطالة كانت تطال 45% من شباب وشابات طرابلس، كما أن 52% من سكانها لا يحصلون على الخدمات الطبية ولا يستطيعون دخول المستشفيات. ويتساءل حجار: فما بالنا بعد أن سرّحت المؤسسات الآلاف من عمالها وصار نحو 70% من أهالي المدينة يعيشون فقرًا مدقعًا؟  

ويشير حجار إلى أنه بين نهاية 2019 وصيف 2020، أغلقت أكثر من 350 مؤسسة في طرابلس أبوابها، من بينها نحو 250 مؤسسة في محيط شوارع المنلا – نديم الجسر – عزمي، وهي كانت تشكل الشريان الأساسي لقطاع التجزئة في المدينة؛ كما أن مئات الشباب في طرابلس كانوا يعملون في بيروت، لكنهم خسروا فرصهم بعد انفجار 4 آب، و"هذا ما يدفعنا للقول أن الوضع كارثي"، وفق حجار.  

البطالة وفقدان التعليم والاكتظاظ
والسبب الآخر لاستثنائية تأثير الأزمة على طرابلس، هو أن أكثر من نصف الأيدي العاملة فيها هم من المياومين، الذين يتقاضون أجورًا يومية لا تتجاوز أحيانًا 25 ألف ليرة. أي أن المدخول اليومي لبعض الأسر صار أقل من 3 دولار. أما الذين يعملون في طرابلس لدى الدوائر الرسمية، فهؤلاء أصبحت رواتبهم غير ملائمة للجهود التي يقدموها، بفعل خسارة أكثر من 80% من قدرتهم الشرائية، وفق حجار.  

مقابل ذلك، توسعت في طرابلس ظاهرة التسرب المدرسي. ويشير الأكاديمي أن الأزمة دفعت مئات الأسر في الأحياء الشعبية إلى الاستغناء عن تعليم أبنائهم، لعجزهم عن تأمين مستلزمات التعليم عن بُعد، من كهرباء وانترنت ومساحة مأهولة للطلاب، فـ"صار العلم ببعض مناطق طرابلس ترفًا، ومحصورًا فقط بأبناء العائلات الذين يتمتعون بقدرات مالية معينة".  

والنقطة الأبرز التي أوصلت طرابلس لهذا الدرك، هو أن طبيعتها الديمغرافية، غير مساعدة حسب الأكاديمي، بظل اكتظاظها السكني وتوافد آلاف اللاجئين إليها إلى جانب سكان الأرياف والأطراف المحيطة؛ ما يجعل أزمة الفقر أكثر تعقيدًا وتحتاج لحلولٍ غير تقليدية، "لكن الأمر يبدو شبه مستحيل، بظل غياب قانون الحماية الاجتماعية وعدم توحيد داتا العائلات".  

عمليًا، عاشت طرابلس أكثر من 15 عامًا من دون تنمية، إلى جانب ثلاث سنوات من المعارك بين جبل محسن وباب التبانة، انتهت بالخطة الأمنية في 2014، وما تخللها وتبعها من توترات أمنية، قبل أن تصل للانهيارات المتتالية منذ نهاية 2019.
تداعيات هذا الواقع، والذي تجلّى أيضًا بلجوء بعض العائلات في طرابلس للهجرة غير الشرعية على متن عبّارات الموت، جعل من المدينة، وفق حجار، "حزام بؤس كبير على ساحل لبنان، لا ندرى متى يحين موعد انفجاره".  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها