حتى سنتين خلتا، كان القانون اللبناني يكافئ المغتصب بالعفو عنه في حال تزوّج من الضحية، عوضاً عن تلقّي عقوبة السجن. وكان على الضحية أن تتحمّل وزر جريمة اغتصابها، وأن تستحيل سجينة لدى مغتصبها، وضحية متوفرة له على الدوام. ويلبسها المجتمع عاره ويدفعها إلى الزواج من مغتصبها، بقوة القانون وانحيازه. ووفق عدد من الروايات التي كنّا نسمعها، فإن بعضاً من الشبان كانوا يعمدون إلى اغتصاب الفتاة المرغوبة كي يتمكّنوا من الزواج بها، إذ يسقط رفض الفتاة ورفض الأهل تزويج ابنتهم من أيّ كان بعد سقوط غشاء البكارة. والأسوأ أنّ هذه الممارسات كانت مدعومة بالمادة 522 من قانون العقوبات، التي، وإن ألغيت من النصوص بضغط من الجمعيّات، ما زال العمل جارياً لإلغائها من الممارسة، خصوصاً في بعض الأماكن التي يسود فيها مفهوم الشرف بشكل رجعي ولا إنساني.
ضغوط منتجة
بعد حوالى سنتين على إلغاء المادة 522 من قانون العقوبات، باقتراح قانون من النائب السابق إيلي كيروز مدعوماً بضغط مارسته جمعيات المجتمع المدني، وبحملة إعلانية أطلقتها منظمة "أبعاد" تحت شعار "الأبيض ما بيغطي الاغتصاب"، فازت الحملة بجائزة أفضل حملة تغيير على مستوى العالم، ضمن فئة الحملات الخاصة بأهداف التنمية المستدامةThe UN SDG Awards. إذ ساهمت الحملة بتسليط الضوء على الأذى والضرر الذي ألحقته المادة 522 بضحايا جرائم الاغتصاب. كما لفتت نظر المشرعينّ، والإعلاميّين، وبقية المواطنين، إلى وجود هذه المادة في قانون العقوبات اللبناني، وإلى ضرورة إلغائها. وتمكّنت الحملة من الوصول إلى المرحلة النهائية والفوز، بعد أن تمّ اختيارها من أصل 2000 حملة تمثّل 142 دولة على مستوى العالم تعمل على قضايا مدنية مختلفة.
في كلمتها التي ألقتها احتفالاً بالجائزة التي تسلمتها الأسبوع الماضي في بون-ألمانيا، اعتبرت المديرة التنفيذية لمنظمة "أبعاد" غيدا عناني، أنّ الحملة كانت رادعاً أساسيّاً في وجه المغتصب في لبنان، والأهم أنها كانت أساساً للتوقف عن لوم الناجية من الاغتصاب، وتحويل النقاش إلى وجهته الأساسية التي تؤكّد على أنّ الاغتصاب هو فعل جرمي وعلى المجرم أن يُعاقب. وشدّدت على إنّ "الهدف من الحملات التي تقوم بها منظمات نسائية ونسوية في عالمنا العربي، هو أولاً التغيير في العقليات والسلوكيات ومن ثمّ التغيير في القوانين لما فيه من عدالة لكافة النساء المقيمات في أوطاننا.
مفاعيل الاغتصاب موجودة
رغم إلغاء المادة 522، ما زالت القوانين اللبنانية تشرّع الاغتصاب، بأشكال مختلفة، إنطلاقاً من كون القانون اللبناني يسمح بتزويج الطفلات، اللواتي لا تعرفن أصلاً ما هو الزواج، واللواتي لم تنمو أجسادهنّ بعد، وبالتالي اغتصابهنّ من دون معاقبة الفاعل، ومن دون اكتراث المشرّع لخطر التزويج المبكر على صحة الطفلة وتعريض حياتها للخطر. وهو ما أكّدته في أكثر من مناسبة شهادات طبية، ونتائج إحصاءات، وكذلك شهادات نساء عانين من التزويج المبكر. هذا فضلاً عن أنّ القانون لا يجرّم الاغتصاب الزوجي، ولا وجود لقوانين تحمي المرأة وتسهل عليها ملاحقة المعتدي ومحاكمته.
في حديث إلى "المدن" يقول النائب السابق إيلي كيروز، الذي صاغ القانون الخاص بإلغاء المادة 522 وقدّمه إلى مجلس النواب، أنّ المجلس النيابي لم يُلغِ المادة 522 بالكامل وإنما بشكل جزئي، وأنّ مفاعيلها ما زالت تطبّق على جرم مجامعة القاصر بين سن 15 و18 عاماً، وكذلك على المادة 518 من قانون العقوبات المتعلّقة بإغواء فتاة بوعد الزواج. لذلك يحتاج الموضوع إلى مزيد من الجهد والعمل، وفق كيروز، مشدّداً على ضرورة العمل على كامل الفصل المتعلق بالعنف الواقع على المرأة في قانون العقوبات. وعن تزويج الطفلات، يشير كيروز إلى تقدّمه باقتراح قانون لمنع تزويج الطفلات والقاصرات، "وما زلنا نناضل في المجلس النيابي للوصول إلى نتيجة". ورداً على سؤال حول عرقلة إقرار قوانين يفترض أن تكون من البديهيّات، لم يوافق كيروز الرأي، معتبراً " أنها ليست من البديهيات، وهي من اختصاص الأحوال الشخصية التي تختلف بحسب الطوائف والخلفيات الفكرية والثقافية".
بدورها تشير نادين جوني، منسّقة حملات المناصرة في "أبعاد"، إنّ أهمية إلغاء المادة 522 تكمن في منح الفتيات القوة القانونية لحمايتهنّ من التزوج بالمغتصب. لكنّها تلفت إلى أنّ المنظمة ما زالت تقوم بدور توعوي، "فهناك نساء لا يدركن أنّ من حقهنّ التبليغ في حال تعرّضن لاغتصاب. وهناك أناس ما زالوا يعتقدون، رغم تغير القانون، أنّ الحل بتزويج المغتصبة من المغتصب لأنّها لن تجد من يرضى بالزواج بها". وتعمل المؤسّسة الآن عبر حملات إعلانية جديدة للضغط باتجاه تعديل القوانين لتشديد العقوبات في جرائم الاعتداءات الجنسية.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها