"ستمكّن التكنولوجيا المعلّمين من تقديم دروسٍ مخصّصة لكلّ طالب وفق احتياجاته وقدراته، حتّى لو وصل عدد الطلّاب في قاعة الدراسة إلى 300".
بهذه الجملة يختصر الدكتور يورج دريجر، عضو المجلس التنفيذي في مؤسسة برتلسمان الألمانية، تأثير التكنولوجيا على التعليم. يضيف: "قطاع التعليم يعاني أساساً من مشكلة تلقّي الطلّاب الدروس بواسطة التلقين. وقد أصبح الأمر أكثر تعقيداً مع ازدياد أعداد الطلّاب في قاعة الدراسة واختلاف ثقافاتهم وخلفياتهم، إضافة إلى ارتفاع تكاليف التعليم باطّراد".
والحلّ؟ التكنولوجيا، كما يرى دريجر وغيره من المتحاورين في ندوةٍ بعنوان "الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي: هل هما القفزة العملاقة المقبلة في عالم التعليم"، ضمن "مؤتمر القمة العالمي للابتكار في التعليم" WISE الذي انعقد في العاصمة القطرية الدوحة، من 14 إلى 16 تشرين الثاني 2017.
تعليم خيالي؟
تصل نسبة الطلّاب الذين يملكون هواتف ذكية إلى 80%، وفق ياو جانج، مؤسِّسة شركة روبوتيرا RoboTerra لتقديم دروس في البرمجة والروبوتات عبر الإنترنت. وهذا ليس أمراً سلبياً، وفق تعبيرها، إذ يمكن الاستفادة من هذا الواقع لمساعدة الطلّاب في أمورٍ مثل فهم الدروس عبر شروحاتٍ إضافية، وإتمام واجباتهم الدراسية من بُعد وإرسالها إلى المدرّس، ومشاهدة الحصص الدراسية عبر الفيديو في الوقت الفعلي.
والذكاء الاصطناعي (الذي يعني قدرة الآلات على التعلّم والاستنتاج وتقديم الخيارات بناءً على ذلك) ليس بعيداً من دخول مجال التعليم. إذ قد يستخدمه المدرّسون لجعل الدروس متوائمة مع شخصية كلّ طالب على حدة.
تستطيع البرمجية التعليمية التي تعمل بالذكاء الاصطناعي أن تحفظ بيانات عن قدرات الطالب الذهنية، وسرعة استجابته، وتفضيلاته العلمية والشخصية والثقافية. ما يمكّن الآلة من تقديم الدرس وإجراء الامتحانات بحسب هذه القدرات، وفق دريجر، الذي يشير إلى أنّ هذه التكنولوجيا لن تستبدل العنصر البشري، إذ ستُخصّص لتعليم الطلّاب الدروس النظرية، في حين سيحصل المدرّس على مزيدٍ من الوقت للتواصل مع طلّابه.
بالإضافة إلى ذلك، يستطيع الذكاء الاصطناعي تطبيق هذه المهمات خلال تدريس مواد مختلفة، مثل الرياضيات والعلوم واللغة، وفق الدكتورة جيند فانج هو، المشاركة في الندوة أيضاً، وهي تدير منصّة للتعليم في الصين.
عقبات في الطريق
لا يعني هذا أنّنا بتنا قاب قوسين من دخول التعليم عصر الذكاء الاصطناعي. فهذه التكنولوجيا لا تزال في مراحل النموّ وتكلفتها مرتفعة، وليس بمقدور المؤسّسات التعليمية تحمّلها في الوقت الحالي.
لذلك، قد يكون الحلّ بمشاركة المؤسّسات التعليمية مع الشركات الكبرى التي تنتج هذا النوع من التكنولوجيا، للوصول إلى إنتاج حلولٍ تعليمية مقبولة التكلفة وفي وقتٍ أسرع، على حدّ تعبير دريجر، الذي يشرح أنّ هذه الشركات لديها التكنولوجيا، ولديها كثير من البيانات، ولديها الحافز لدخول أسواق ومجالات جديدة.
لكنّ، دخول لاعبين كبار يعني الهيمنة والاحتكار. ففي حين يُقال إنّ الإنترنت هي الأداة الأكثر "ديمقراطية" من حيث الانتشار، فإنّ قطاع الأعمال في هذه الشبكة العالمية تهيمن عليه بضع شركاتٍ مثل غوغل وفايسبوك وأمازون وغيرها.
ووفق جيند فانج هو، فإنّ هذا الاحتكار سيؤدّي إلى ضرب فكرة "دمقرطة" التعليم ورفع أسعاره من جديد. وهذه التقنيات لن تكون متاحةً للجميع في الوقت الحالي. فالوصول إلى التكنولوجيا والإلمام بها يختلف من بلدٍ إلى آخر، ومن منطقةٍ إلى أخرى. ويرى آخرون أنّ التعليم يقوم أساساً على التفاعل البشري بين الطلاب أنفسهم وبينهم وبين المدرسين، ولا يمكن استبدال الأخيرين بالآلة لأنّ التعليم ليس تدريساً فحسب، بل هو بناء للإنسان من قبل الإنسان.
ويقول فنسان أوليفيه، وهو مدرّس من فرنسا، لـ"المدن"، إنّ "التعليم يعني محاولة تعليم إنسان آخر أموراً لم يكن بمقدوره فعلها. صحيحٌ أنّ هناك فروقات بين الطلّاب من حيث الاستيعاب والقدرات، لكنّ كثيراً من التعليم يحصل من خلال التواصل. لهذا، لدينا صفوف دراسية يتلاقى فيها الطلّاب مع أقرانهم ويتفاعلون مع بعضهم البعض".
أمّا الأدوات التكنولوجية فلا تصلح للتعليم بحدّ ذاته، كما يرى أوليفيه، بل الأفضل استخدامها للعثور على موارد أخرى لتحسين التعليم، أو ربط المدرّسين ببعضهم لتبادل الخبرات، أو تسهيل عملية التواصل بين المؤسّسة التعليمية والطلّاب.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها