في الوقت الذي تتباين فيه الإجابات في الأوساط الدبلوماسيّة والسّياسيّة، حيث تُرجّح بعض الآراء أنّ النهاية قريبة، وأنّه من الممكن التوصل إلى وقف إطلاق النار خلال الأسابيع القليلة المُقبلة، بالتعويل على الجديّة الأميركيّة المستحدثة (راجع "المدن"). يرى آخرون أن الأمر سيستغرق وقتًا أطول، وأنّ إسرائيل تأخذ القدرات العسكريّة لحزب الله بجديّة وتُسرف في محاولة تقليصها قبل البدء الجاد بالتفاوض. إلّا أن جلَّ الآراء على المستوى السّياسيّ اللّبنانيّ فضلًا عن غالبية الأوساط الدبلوماسيّة الدوليّة، لا تزال ترى أن المخرج للمأزق الحالي يصب مباشرةً عند القرار الأمميّ رقم 1701 كما هو، بصرف النظر عن الأحاديث الّتي تومئ بإمكانيّة تعديله أو الاستعاضة عنه بقرارٍ آخر.
فما هو القرار 1701؟ وهل لا يزال فعليًّا الصيغة الّتي قد تُنهي الحرب؟
القرار 1701
"القرار فيه قدرٌ من الالتباس"، يُكرّر رئيس جامعة القديس جاورجيوس، والوزير السّابق طارق متري، في حديثه إلى "المدن"، ما قاله سابقًا في وصف القرار 1701 (نصّ القرار)، حيث أن غالبية الآراء تصفه بالقرار الذي أدّى إلى وقفٍ لإطلاق النار بين لبنان وإسرائيل بعد 34 يومًا من الصراع، صيف العام 2006. إلّا أنّه في الواقع كان راميًّا إلى "وقف العمليات الحربيّة أو العدائيّة hostilities"، والّتي تختلف عن مبدأ وقف إطلاق النار، حيث يملك الأخير شروط الديمومة فيما الأوّل مؤقت ومؤسس للمرحلة الثانيّة، وفق ما يُشير متري.
إذ أن ظروف صدور القرار جاءت بعد مشاوراتٍ دبلوماسيّة مُكثّفة، حتّى حين صدوره عن مجلس الأمن الدوليّ، بتاريخ 11 آب العام 2006، والذي انتهت بموجبه الحرب بين إسرائيل وحزب الله، ذلك بالرغم من إصرار الجانب اللّبنانيّ والأطراف العربيّة في وقتها على وقف إطلاق النار فورًا يشمله القرار، لا الدعوة إليه وحسب. (يُذكر أن وقف إطلاق النار يعادل تمامًا وقف العمليات الحربيّة إما بشكلٍ نهائيّ وإما بشكل مؤقتٍ على سبيل الهدنة، وقد تتطور إلى هدنة دائمة، الّتي تكون من مقدمات السّلام كما يُشار إليها باللغة الدبلوماسيّة).
والقرار المُشتمل على 19 بندًا، دعا الحكومة اللبنانية إلى نشر قواتها المسلّحة في الجنوب بالتعاون مع قوات اليونيفيل، وذلك بالتزامن مع الانسحاب الإسرائيليّ إلى ما وراء الخط الأزرق (الفاصل بين لبنان وإسرائيل). وكذلك إلى إيجاد منطقةٍ بين الخطّ الأزرق ونهر الليطاني جنوبي لبنان، تكون خاليةً من أي عتادٍ حربيّ أو مسلحين، باستثناء ما هو تابع للقوّات المسلّحة اللّبنانيّة وقوّات اليونيفيل. كما دعا إلى تطبيق بنود اتفاق الطائف، والقرارين 1559 الصادر في العام 2004 (نصّ القرار)، و1680 الصادر في العام 2006 (نصّ القرار)، فضلًا عن وثيقة الوفاق الوطنيّ أو اتفاق الطائف الذي أُنجز في العام 1989 (نصّ الوثيقة). بما في ذلك حلّ الميليشيات ونزع سلاحها وعدم وجود قوات أجنبية إلا بموافقة الحكومة.
يُعلق متري بالقول: "ليس أمامنا سوى هذا القرار. ولا أعتقد أن مجلس الأمن قادر أو مستعد لتعديله أو إصدار قرارٍ جديد، وإن حدث ذلك فقد يكون وليد معجزة"، معتبرًا أن القرار 1701 وبكافة مندرجاته، والذي يُجمع عليه المستوى السّياسيّ اللّبنانيّ وعلى رأسه حزب الله، هو المخرج الدبلوماسيّ الوحيد لإنهاء الحرب الحالية.
المطلب الإسرائيليّ
وإن كان متري يعتبر أن باب التفاوض الجديّ لم يُفتح حتّى اللحظة بالرغم من كل الأحاديث الّتي تُفيد عن مساعٍ دبلوماسيّة، إلّا أنّه يستبعد وفي كل الأحوال صدور قرار آخر أو تعديل هذا القرار كما اقترحت بعض الأطراف. فماذا عن إمكانيّة تطبيقه؟ يقول متري: "تطبيقه مقرون بالتزام الطرفين به، إذ أنّه لا يُمكن فرضه بالقوّة. فهو منصوص بموجب الفصل السّادس لا السّابع، وقد قال الجانب اللّبنانيّ كلمته وأصرّ على التزامه به لوقف الحرب، لكن الجانب الإسرائيليّ حتّى اللحظة لم يعرض مطالبه". ويستطرد متري "أعتقد وبقراءة المواقف والتصريحات الصادرة عن الجانب الإسرائيليّ، فهو يُريد ضمانات إضافية، ويعتبره غير كافٍ".
"فتارةً نسمع عن عرض توقف التوغّل البريّ مقابل حصار جويّ وبحريّ، وطورًا نسمع عن تعديل مهام اليونيفيل واستبدالها بقوّات متعدّدة الجنسيات، وهذا برأيي محاولة إسرائيليّة صريحة للقول بأنّهم لا يثقون بالأمم المتحدّة ولا بالقوى العاملة تحت رايتها، ويريدون التنصل من الالتزام بالقرار 1701 وحده من دون أي تعديلات". يتوقف هنا متري، مُعلّقًا: "لكن كل هذا الكلام يبقى كلامًا لحين صدور موقف إسرائيليّ واضح".
علاقة "سامّة" بين 1701 و1559؟
مع المزاعم والتحليلات الّتي تربط قبول تلّ أبيب ومعها واشنطن بتطبيق القرار 1701 لإنهاء الحرب شريطة تطبيق القرار 1559، انتفض العديد من السّاسة والمُقربين من الحزب، ضدّ عودة الحديث عن القرار 1559؛ وإن كان من الطبيعيّ أن تنقسم الآراء بين المُهلّل والآخر المُفرط في النقد، أو البعض الذي آثر الالتزام بالصمت، تحول مناخ النقاش لاحقًا إلى ما يُشبه السّجال الضمنيّ.
فما صحّة المزاعم الّتي تربط الالتزام بالقرارين لحلّ الصراع؟ يقول متري: "لا أظنّ أن أحدًا طرح مثل هذا الطرح علانيّة، وأتكلم هنا على الصعيد الدبلوماسيّ، والحال أن السّجال المُحيط بالقرار 1559 هو سجالٌ لبنانيّ- لبنانيّ والقرار 1701 دعا إلى تطبيقه، وإذا التزم لبنان بالـ1701 فهو كافٍ". وجزم متري أن الأطراف اللّبنانيّة تستدرج سجالًا حول القرار كما هي عادة اللّبنانيين، واصفًا "السّجال" بالرياضة الوطنيّة اللّبنانيّة. واعتبر أنّه ليس الوقت المناسب لذلك، وسيأتي اليوم الذي يجلس فيه الأطراف ويناقشون ويرون مباشرة "الفيل في الغرفة" كموضوع سلاح الحزب والاستراتيجيّة الدفاعيّة وغيرها، بدلًا من طرح القرارات وأرقامها. بيّد أن لبنان الرسميّ قد تجاهل تطبيقه، وقد أقرّت الحكومات المتعاقبة منذ العام 2006 حتّى اللحظة واعترفت بـ"سلاح المقاومة"، وحقّ لبنان في مقاومة الاحتلال.
في هذه الحالة، ما العلاقة بين 1701 و1559 وهل الأخير شرطٌ لتحقق الأوّل؟ تسأل "المدن".
يُجيب متري بالقول: "ذُكر القرار 1559، أربع مرات في نصّ القرار 1701، أكان في الديباجة والفقرات 3، 8، 10. كل هذا لا يجعل من تطبيق الأوّل شرطًا لتطبيق الثاني، فالأول كما أسلفنا هو شأنٌ لبنانيّ أم الثاني فهو التزامٌ بين طرفين، وباعتقادي بإمكان إسرائيل أن ترفض التفاوض على وقف إطلاق النار ما لم يتمّ تطبيق القرار 1559، لكن لا شيء محسوماً، حتّى تُقرّر إسرائيل مطالبها علانيّةً".
ويُذكّر متري في هذا السّياق بالنقاشات الّتي جرت بعد حرب تموز العام 2006: "طرحت بعض الأوساط الدوليّة مطلب نشر قوات متعدّدة الجنسيات لفرض السّلام (لا لحفظه كما هو منصوص في ولاية اليونيفيل) بموجب الفقرة السّابعة وفق لوائح مجلس الأمن الدوليّ، وقد يطلب الإسرائيليّ مُجدّدًا ذلك".
مسار الحرب بيّد هوكشتاين؟
أما الحال فإنّه بين واقعٍ هشّ داخليًّا من جهة، ومحنة اللّبنانيين الدمويّة وغياب أي إرادة دوليّة جديّة لإنقاذهم، من جهةٍ ثانيّة، وضبابيّة الأفق السّياسيّ والدبلوماسيّ، من جهةٍ ثالثة، والتفوق العسكريّ الحصريّ الذي لا يتورع عن دفع البلاد إلى مصيرٍ سينيكيٍّ رهيب، من جهةٍ رابعة.. يبدو أن التعويل حاليًّا لرسم مسار واضح لهذه الحرب وصيغة الخروج منها، يبقى منوطًا بمؤدى المباحثات الّتي تُجريها الولايات المتحدّة حاليًّا، كما يُشير متري خاتمًا "فلننتظر عودة الموفد الرئاسيّ الأميركيّ آموس هوكشتاين من تلّ أبيب، لنرى إذا كان سيحمل وضوحًا أكبر في نقل المطالب الإسرائيليّة".
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها