الجمعة 2024/10/18

آخر تحديث: 16:32 (بيروت)

الشقاق الأهلي ينافس التضامن الإنساني: الخوف الكبير من الفتنة

الجمعة 2024/10/18
الشقاق الأهلي ينافس التضامن الإنساني: الخوف الكبير من الفتنة
الأفق مسدود سياسيًّا وعسكريًّا (Getty)
increase حجم الخط decrease
بُعيد توسع رقعة الاستهداف الإسرائيليّ الّتي طالت مناطق لبنانيّة قصدها نازحو الحرب، من الجنوب والضاحية الجنوبيّة لبيروت والبقاع (بدرجةٍ أقل)، تتزايد الهواجس والمخاوف الشعبيّة والسّياسيّة، من تكرار هذه الاستهدافات. 

ومنذ نحو الأسبوع، خرج رئيس الوزراء الإسرائيليّ، بنيامين نتنياهو، في خطابٍ مصوّر موّجه إلى الشعب اللّبنانيّ. وخَلُص في كلامه إلى وضع اللّبنانيين أمام معادلةٍ واحدة: "إذا لم تحرّروا بلادكم من حزب الله، فإن ذلك سيقودكم إلى حربِ أوسع وأطول وأكثر تدميرًا مع إسرائيل، على غرار غزّة". أي بمعنى آخر، لدى اللبنانيين خيار بين الحرب الأهليّة أو الغزو الإسرائيليّ.

تفتيت التوازن الهشّ
والحال أنّه بين تجاذبات وحسابات القوى السّياسيّة، المتوالفة والمتناحرة، من جهة، ومحنة اللّبنانيين الدمويّة وغياب أي إرادة دوليّة لاستنقاذهم، من جهةٍ ثانيّة، والعدوان المستمر والتهديد الوجوديّ، من جهةٍ ثالثة، والتفوق العسكريّ الحصريّ الذي لا يتورع عن دفع البلاد إلى مصيرٍ رهيب، من جهةٍ رابعة... يعمل اللّبنانيون جاهدين على لملمة بعضهم البعض أمام كل هذه التحولات، وطيّ صفحةٍ فُتحت من أربعين عامًا ولا تزال تداعياتها المؤذية حتّى اليوم.

إلّا أن الواقعة السّوداويّة، أنّه وفي فضاءٍ محموم سياسيًّا وعسكريًّا واجتماعيًّا، وجد هؤلاء أنفسهم اليوم يتهادون إلى سيناريو حاولوا تأجيله. سيناريو الشقاق الأهليّ الأفظع، الذي بدأت بوادره تتمظهر تدريجيًّا، باستدراجٍ خارجيّ خبيث وواقعٍ داخليّ هشّ.

واليوم، وتحت ضغط النار، يبرز في البلاد الكثيرون الذين يُشيرون بإصبعهم مباشرةً نحو مسؤولية حزب الله وتهوره في جرّ لبنان إلى حرب، من غير إشراك أو استشارة أو رضى سائر الجماعات اللّبنانيّة تحت مبدأ "تقرير المصير"، وإزاء المحاولات الإسرائيليّة الدؤوبة لفتح "دفاتر الثأر" الطائفيّة القديمة، هل يتحقق هذا السّيناريو؟ وبالمقابل هل من المُمكن تطويقه وانتشال لبنان من دوامته التاريخيّة المغلقة؟ وما هي الحلّول الّتي تقترحها الأطراف لتطويق أجواء التشرذم الأهليّ؟

حربٌ نفسيّة؟
يقول النائب غسان عطالله لـ "المدن" إن "موضوع النازحين هو موضوع إنسانيّ وأخلاقيّ، ومن حقّ كل لبناني أكان مقيمًا أو نازحًا التماس السّلامة في مكانٍ آمن". ويضيف "العدو يحاول إثارة النعرات الطائفيّة بين اللّبنانيين أنفسهم، ومحاولة تصوير أن كل الأراضي اللبنانيّة باتت مستهدفة، وكأن لم يعد هناك أي مدنيّ في لبنان"، مضيفًا: "من جهة يجب أن نُقدّر خوف المواطنين ونبرّره، إلّا أنّه يجب الانتباه لكون ما يفعله العدو هو لعبة نفسيّة قيمتها من قيمة الحرب. لأنّه يعلم أنّه إذا تمكن من ضرب بيئة المقاومة، ومن ثمّ ضرب البيئة الّتي تحتضنها اليوم فهو يدفع نحو مشروع تهجير الشيعة اللّبنانيين، والواضح أن هذا مشروع كبير".

ولا يُنكر عطالله، أنّه من الصعوبة اليوم طمأنة السكّان والمقيمين، مؤكدًا أن الوضع في العام 2006 كان أفضل من اليوم، قائلًا: "من العام 2006 وحتّى العام 2022 تمّ "تحطيم الحالة التضامنيّة"، أكان بسبب التراكمات وعجز الدولة فضلًا عن الأخطاء الاستراتجيّة وصولًا لكوننا أمام عدوٍ "ذكي" يُتقن المقامرة على الانقسامات والخلافات والحسابات". معتبرًا أن الحلّ اليوم يكمن في "خلق حالة تضامن وطنيّة، وقرار جامع وحاسم، وهذا لا يأتي سوى بانتخاب رئيس للجمهوريّة وتشكيل حكومة أصيلة ووضع كل مسؤول عند مسؤوليته والكفّ عن شراء الوقت، وتعزيز القوّات المُسلّحة الشرعيّة في لبنان لحفظ أمن وسلامة المقيمين والنازحين".

خوف الناس المُبرّر
من جهةٍ أخرى، يعتبر النائب بلال عبدالله أن الحلّ الجذريّ الوحيد اليوم يكمن في إبعاد احتماليّة استهداف البلدات ذات الطابع الخاصّ والبعيدة عن أجواء الحرب، وذلك يكمن بدايةً في الطلب من الأشخاص المُعرضين للاستهداف بعدم التواجد في مناطق المدنيين المقيمين والنازحين، لا بالإقامة ولا بالزيارة. ويستطرد عبدالله بالقول: "اليوم تقع الأولويّة في حماية المدنيين وعدم الخضوع للفتنة الإسرائيليّة، وإن كنت أعتقد أن هناك وعيًّا عند اللّبنانيّين واستبعد سيناريو شقاق أهليّ، إلّا أن الحذر واجب، ومن حقّ المقيمين والنازحين الخوف، وعلى المعنيين تحمل مسؤوليتهم، وتنفيذ تدابير أمنيّة لحماية المواطنين ودرء سيناريو الحرب الأهليّة".

بدوره، يؤكد النائب ابراهيم منيمنة على أن خوف المواطنين مبرّر، وهو بالمرتبة الأولى يعود إلى الضغط الاجتماعيّ وعدم قدرة النسيج الاجتماعيّ والبنيّة التحتيّة للمدن على استيعاب حالة النزوح الكثيفة فضلًا عن الاستهدافات. وأشار منيمنة "كان هناك بالسابق نوع من التشنج والانقسام المجتمعيّ وكان هناك تخوين متبادل، لكن اليوم يُشهد لأهل المدن والمجتمعات المضيفة باستقبال أهلنا النازحين، وهناك تجاوز مشهود لهذه الإشكاليات السّابقة". ويُضيف: "بالطبع ثمة هواجس بأن الإسرائيليّ قد يستهدف أي شخص، أو يستغل أعذار لخلق أهداف له بتواجد عناصر من حزب الله بين المدنيين. ولذا، يشعر المواطنون بالخوف، ومن حقّهم أن يخافوا، والأهمية اليوم تكمن في استنقاذ الوضع وكبح تفاقمه، فأي مظاهر قد تكون مستفزة أو ظهور مُسلّح أو تعديات على الممتلكات الخاصة يجب أن يُعالج، قبل أن تتفاقم الحوادث الفرديّة وتتحول إلى ظاهرةٍ عامة".

ويُضيف منيمنة: "الخوف أن يتمّ استثمار هذا الموضوع، لذلك يجب أن يكون الخطاب السّياسيّ منصبًا باتجاه التضامن وحذرًا من التحريض، لأنّه -وإن لم يتمّ ذلك- قد ينعكس ذلك على الجميع بشكلٍ سلبيّ". ويُقرّ منيمنة أن الفترة هذه صعبة على الجميع، والضغوط كبيرة، والأفق مسدود سياسيًّا وعسكريًّا. لذلك يجب استيعاب الوضع لأنّه قد يطول، ولأن أي خيار آخر قد يكون مُدمراً للبلد. ويُشير منيمنة: "لذلك نحن نحاول أن نُعالج الخروقات الأمنيّة والتعديات والمظاهر المستفزة ومحاولات خلق الشقاق، من خلال الأجهزة الأمنيّة لضبط الموضوع بأكبر قدرٍ ممكن. وأتصور أن الوضع تحت السيطرة بالرغم من وجود بعض الحالات الفرديّة".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها