الجمعة 2016/09/16

آخر تحديث: 01:48 (بيروت)

مقاومة الاحتلال في الجنوب: لغز قوات الفجر

الجمعة 2016/09/16
مقاومة الاحتلال في الجنوب: لغز قوات الفجر
لم تصدر أثناء الاحتلال الإسرائيلي مدينة صيدا بيانات باسم قوات الفجر
increase حجم الخط decrease

عامان وثمانية أشهر عمر الاحتلال الإسرائيلي مدينة صيدا (حزيران 1982– شباط 1985). وقد آذت ضربات المقاومة الوطنية اللبنانية قوات الاحتلال، إنطلاقاً من 16 أيلول 1982، وأنزلت بها خسائر فادحة، أفضت إلى إنسحاب ذليل. لم يكن الوطنيون اللبنانيون وحدهم في الميدان، شاركهم إسلاميون. إنهم مقاومو قوات الفجر الذين سقط من بينهم شهداء على أرض عاصمة الجنوب خلال تنفيذهم عمليات عسكرية ضد جيش الاحتلال.

معطى ديني، كان  وراء تشكيل فصيل سني مقاوم. استحضار واقعة خيبر، حين قاتل المسلمون اليهود، والتبشير بأن "جيش محمد سوف يعود"، كانا يستأهلان قيامة البنادق بوجه الإسرائيليين. وهذا ما حصل "في سبيل الله قمنا ولنعد للدين مجده". مع ذلك لا يسقط البعد الوطني التحرري وطرد الاحتلال من أجندة هؤلاء المقاومين الإسلاميين، وهو ما يؤكده لـ"المدن" أبو أحمد أحد مقاومي قوات الفجر، قائلاً: "واجب ديني على كل إنسان تستباح أرضه أن يقاوم من أجل تحريرها، فكيف إذ كان هذا الاحتلال صهيونياً ويغتصب فلسطين؟".

سيرتان
سرديتان تدوران حول ولادة قوات الفجر. الجماعة الإسلامية تؤكد أنها من أسس قوات الفجر. ويشدد عضو المكتب السياسي في الجماعة بسام حمود، في حديث إلى "المدن"، على ذلك قائلاً: "قوات الفجر هي الجناح المقاوم للجماعة الإسلامية، انطلقت بعد الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982.. إذ شكل الاحتلال بحد ذاته وجرائمه من قتل وتدمير وإذلال واعتقال الشرارة الأولى لإنطلاق قوات الفجر من شباب الجماعة الاسلامية وعلى رأسهم آنذاك القائد العسكري للجماعة الشهيد جمال الحبال".

يشرح حمود ان أولى المهمات الجهادية التي قام بها شباب قوات الفجر هي تجميع أكبر كمية ممكنة من الأسلحة والذخائر التي خلفتها الأحزاب في تلك الفترة وتخزينها إلى حين إعداد مستلزمات العمل المقاوم. وكانت تلك الأسلحة هي العصب الرئيس في الفترة الأولى لإنطلاق مقاومة قوات الفجر".

ينقض منشقون عن الجماعة الإسلامية رواية تنظيمهم الأم. من بين هؤلاء الأمين العام لتيار الفجر عبد الله الترياقي المقرب راهنا من حزب الله. وهو من موقعه كأحد مؤسسي قوات الفجر ينفي نفياً قاطعاً علاقة الجماعة بالأمر، معتصماً دائما بالقول: "لم يكن في يوم من الأيام أي علاقة للجماعة بقوات الفجر".

آخرون يعرفون عنها "مقاومو الفجر هم مجموعة من الشباب المؤمن الذي تربى في كنف الجماعة الإسلامية، وبعد الإجتياح الإسرائيلي مدينة صيدا رفضت قيادة الجماعة الإسلامية إعطاء الإذن لهم بالشروع بتنفيذ عمليات عسكرية ضد قوات الاحتلال، عندها اتخذ الشهيد جمال الحبال (مؤسس قوات الفجر) ومن معه من المجاهدين قراراً بتنفيذ عمليات ضد الإسرائيليين خلافاً لقرار الجماعة ومنشقاً (أي الحبال) عنها".

يظهر الانقسام جلياً مع احياء ذكرى شهداء قوات الفجر. تيار الفجر يرفع صور الشهداء ولافتات مذيلة بتوقيع المقاومة الإسلامية – قوات الفجر، بينما ترفع الجماعة صورهم ولافتات تذيلها (قوات الفجر- الجناح المقاوم للجماعة الإسلامية). مرة وحيدة نجح الشيخ الراحل فتحي يكن في إصلاح ذات البين، موحداً الطرفين في نشاط واحد "فدم الشهادة لا يجير".

إشكالية التشكيل هي قرار من الجماعة أم هي خيار من مجموعة خرجت عنها، لا تقلل من دور مقاوم لعبته قوات الفجر وأسهم في رفع وتيرة الفعل الوطني المقاوم ضد الاحتلال الذي بادرتإاليه  قوى وطنية يسارية وبخاصة قوى شيوعية هي في الموقع النقيض للفكرالديني. يوضح أبو أحمد أن عمليات عدة نفذت وأوقعت الرعب في صفوف جنود الاحتلال، لافتاً إلى أن "قوات الفجر استهدفت بالأسلحة الرشاشة والقنابل اليدوية عشرات الدوريات والمواقع الإسرائيلية والميليشيات العميلة. وقد شاركت شخصياً في العديد منها، واصبت إصابة طفيفة في إحداها". أما ضرب قوافل العدو فتم بواسطة عبوات بدائية قمنا بتصنيعها من البنزين والمسامير والتنر ومواد سامة وكربير وإسمنت، يتم ربطها بسلك كهربائي موصول ببطارية سيارات. خلطة سحرية أذاقت القوات اليهودية المرارات والذل والموت". ويؤكد أن "قوات الفجر ضمّت في صفوفها إخوة من الشيعة، ولاسيما من عائلتي حيدر والبغدادي".

ما بعد إستشهاد المؤسس
في 27 كانون الأول عام 1983 اغتالت إسرائيل مؤسس قوات الفجر الشهيد جمال الحبال مع إثنين من إخوانه، هما محمود زهرة ومحمد علي الشريف، بعدما افشت عناصر ميليشيات عميلة للاحتلال عن مكان وجودهم في منزل بمنطقة القياعة بصيدا. الهدف الإسرائيلي كان اعتقالهم، لكن المقاومين الثلاثة حولوها إلى مواجهة عنيفة استمرت لساعات قُتل خلالها ضابط إسرائيلي وجرح سبعة جنود من لواء غولاني، فيما استشهد الثلاثة بعد نفاذ ذخيرتهم. بعدها، شن الإسرائيليون حملة اعتقالات واسعة طالت عشرات الشبان الصيداويين. يصف حمود هذه المواجهة بـ"ملحمة البطولة التي سطرها مقاومو الفجر. وهي من أهم العمليات التي نفذت في صيدا ضد الصهاينة".

الموقف الوطني لمرجعيات صيداوية رفضت واقع الاحتلال شكل مظلة للمقاومين بمختلف انتماءاتهم السياسية والفكرية. أمر يجزمه حمود: "موقف رجالات المدينة وعلمائها وقادتها الإسلاميين والوطنيين الذي تجسد في الاعتصام الكبير الذي دعا إليه مفتي صيدا الراحل محمد سليم جلال الدين عقب استشهاد الإخوة الثلاثة هو أكبر دعم للمقاومة بشكل عام ولقوات الفجر بشكل خاص، عندما أعلن في الاعتصام أن الشهداء الثلاثة هم شهداء صيدا وكل الوطن".

حتى لحظة استشهاده كان الحبال بشخصيّته القيادية قد نجح في تجنيد مقاومين أكملوا مع رفاقه المؤسسين مسيرة مقاومة الاحتلال وميليشيات سعد حداد. ومع ذلك يجزم مقاومون وطنيون وإسلاميون من تلك المرحلة بأن استشهاد مؤسس الفجر أثر لاحقاً على فعالياتها وعملها المقاوم.

مع الآخرين
التمحيص في أرشيف الصحف عن مرحلة احتلال صيدا وعمليات المقاومة فيها، لا يقود بالضرورة إلى وجود بيانات صادرة باسم قوات الفجر، وإن وجدت فقد تكون بيانات محدودة جداً، أو موقعة باسم المقاومة الإسلامية- الوطنية. وأغلب الظن أن التسمية لم يفصح عنها بشكل دقيق وواضح إلا بعد الإنسحاب الإسرائيلي من صيدا. وفي الأمر ما يكون متصلاً بضرورات متعلقة بظروف المقاومة.

وعن تواصل الفجر مع مقاومات أخرى في المدينة يقول حمود: "العمل المقاوم في تلك الفترة كان يغلب عليه الطابع السري. وكان من الصعوبة بمكان أن يكون متاحاً للجميع. لذلك، كان العمود الفقري والسواد الأعظم من مقاومي قوات الفجر هم أبناء الجماعة وأبناء المساجد وبالتعاون مع بعض أبناء المدينة الوطنيين الذين كان لهم دور بارز في رفد المقاومة ودعمها. وكانت العلاقة السياسية مع كل قوى المقاومة، الإسلامية منها والوطنية، جيدة. فمشروع مقاومة المحتل كان كفيلاً بجمع الأضاد فكرياً وعقائدياً لتحرير الوطن من الاحتلال ".

ولا يمكن هنا نسيان دعوة الشيخ محرم عارفي، الذي حوّل مسجده في صيدا القديمة منبراً للتحريض على المحتل والدعوة إلى مقاومته، معتمدا على آيات قرآنية تدعو إلى الجهاد واجباً مقدساً لحماية المسليمن. وقد زج الاحتلال بالشيخ العارفي في معتقل أنصار.

وينفي حمود محدودية تجربة قوات الفجر أو اقتصارها على صيدا بخلاف جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية التي قاتلت على كامل الأراضي اللبنانية المحتلة، قائلاً: "لم تقتصر تجربة قوات الفجر على مدينة صيدا، بل حقيقة القول إن صيدا كانت المنطلق، أما المقاومة فقد كانت في كل الميادين وضمن الأراضي المحتلة من البقاع الغربي إلى الجنوب المحتل وحتى تخوم مزارع شبعا المحتلة.. وحتى في عدوان تموز 2006 كان لقوات الفجر بصمات وجولات وصولات.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها