علاقات روسيا بالحركة الأولمبية الدولية كانت دائماً صعبة في ظل البلشفية المستمرة في حكم روسيا بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي، وإن بقيادة الأجهزة وليس الحزب البلشفي. بعدما كانت روسيا القيصرية قد شاركت في دورات الألعاب الأولمبية كافة، بعد إحيائها أواخر القرن التاسع عشر، لم تبدأ روسيا البلشفية مشاركتها سوى في العام 1952. واستضافت الألعاب الأولمبية الصيفية العام 1980 في ظل مقاطعة غربية واسعة، إحتجاجاً على غزو أفغانستان. وردّ البلاشفة على المقاطعة الغربية لأولمبياد موسكو، بمقاطعة أولومبياد لوس أنجلوس العام 1984، وإقامة رديف للألعاب الأولممبية تحت إسم "ألعاب الصداقة" الدولية. لكن روسيا البلشفية لم تعد لتنظيم هذه الألعاب مرة ثانية، وعادت وشاركت للمرة الأخيرة تحت إسم الإتحاد السوفياتي في دورة ألعاب 1988 في عاصمة كوريا الجنوبية سيول.
روسيا التي منعتها اللجنة الأولمبية الدولية من المشاركة في الألعاب الأولمبية بعد غزو أوكرانيا العام 2022، عادت لتعلن تنظيم "ألعاب الصداقة" الدولية في هذه السنة بعد إنتهاء الألعاب الأولمبية لذوي الإحتياجات الخاصة في باريس. وبعدما أعلنت أن 70 دولة من إقريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية ستشارك في هذه الألعاب، عادت لتعلن، قبل أيام من إنطلاق أولمبياد باريس، تأجيل هذه الألعاب حتى العام 2025 أو 2026. وبرر رئيس لجنة التربية البدنية والرياضة في البرلمان الروسي (الدوما) Dmitry Svishchev هذا التأجيل بزحمة الأحداث الرياضية التي شهدتها روسيا هذه السنة، بما فيها الألعاب الرياضية لمجموعة دول البريكس، حسب موقع Lenta
الروسي الإخباري في 20 آذار/مارس المنصرم.
أشار الموقع حينها إلى أن الرئيس الفرنسي إقترح على السلطات الروسية إعلان وقف إطلاق النار طيلة مدة الأولمبياد. وردت عليه الناطقة بإسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، بالمطالبة بوقف إمدادات الأسلحة إلى أوكرانيا "التي تقتل بها المدنيينط، وكذلك "وقف تمويل الإرهاب".
واعتبر الموقع أن "ألعاب الصداقة" الدولية يفترض أن تشكل البديل عن أولمبياد فرنسا بالنسبة للرياضيين الروس الذين لم يتمكنوا من المشاركة فيها. ونقل عن المسؤلين الرياضيين الروس، وَعدَههم بأن هذه الألعاب، والتي لم يكن قد أُعلن تأجيلها بعد، سيشارك فيها أكثر من 5 آلاف رياضي من غالبية الدول الإفريقية وبعض بلدان أميركا اللاتينية، إضافة إلى الرياضيين الروس والصينيين. وقال أن الرئيس بوتين أصدر تعليماته بإعتبار الفائزين بميداليات هذه الألعاب فائزين بالألعاب الأولمبية، وأن يحصلوا على المكافآت المالية عينها. ونقل عن مساعد الرئيس الروسي Igor Levitin، قوله بأن الفائز الأجنبي في هذه الألعاب يحصل على المكافأة المالية نفسها في الألعاب الأولمبية. ونقل عن لاعب جمباز روسي قوله بأن "ألعاب الصداقة" قد تكون بالنسبة إليه أهم من الألعاب الأولمبية.
تجدر الإشارة إلى أن روسيا بوتين، التي تعتقد أنها وجدت البديل للألعاب الأولمبية، وقد استُبعدت من المشاركة في الدورات الأولمبية الأخيرة، قد سُحبت منها 43 ميدالية أولمبية بعد العام 2016، وذلك بسبب تعاطي الرياضيين الروس المنشطات. هذا في حين لم تُسحب ميدالية أولمبية من روسيا البلشفية، سوى مرة واحدة، وليس بسبب تعاطي المنشطات، بل لأسباب تقنية.
الألعاب الأولمبية التي تجري في باريس الآن، يشارك فيها الرياضيون الروس بأسمائهم الشخصي، كرياضيين محايدين. وكانت الهيئة التنفيذية في اللجنة الأولمبية الدولية قد وضعت 10 شروط لمشاركة الرياضيين الروس والبيلاروس، وأعلنت في آذار/مارس المنصرم أن 55 رياضياً روسياً يلبون الشروط التي وضعتها.
وكانت الطبعة الروسية من موقع Forbes الأميركي، قد عدّدت في 8 كانون الأول/ديسمبر2023، وبالتفصيل، شروط اللجنة الأولمبية الدولية. أول هذه الشروط يرفض أن يشارك في أولمبياد فرنسا، الرياضيون الروس الذين يؤيدون "العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا" (حرب روسيا على أوكرانيا)، ومعهم المنتسبون إلى النادي الرياضي التابع للجيش الروسي والمنتسبون إلى النادي التابع للأجهزة الأمنية. ثاني الشروط، يمنع الرياضيين الروس من المشاركة في ألعاب الفرق الرياضية، أي يحظر مشاركة فرق رياضية روسية. والشرط الرابع يقضي بإشتراك الرياضيين الروس بصفة "رياضي محايد منفرد". سادس الشروط، يحظر دعوة الرياضيين الروس عبر اللجنة الأولمبية الروسية، بل تتم دعوتهم شخصياً عبر اللجان الأولمبية الدولية التي تشرف على نوع الرياضة التي يمارسها اللاعب الروسي. والشرط السابع، يحظر رفع العلم الروسي أو أي رمز روسي، ولدى منح ميدالية لأي لاعب روسي، يُرفع العلم الأولمبي. في الشرط الثامن، أجّلت اللجنة الأولمبية إتخاذ قرار بشأن مشاركة الرياضيين الروس في حفلتي افتتاح واختتام أولمبياد باريس. كما حظرت عليهم المشاركة في أي إحتفال بديل بالمناسبتين يقام في المدينة أو جوارها. وفي الشرط التاسع أشارت اللجنة إلى أنها تمتنع عن ذكر مجموع الميداليات التي حصل عليها الروس، على غرار ما يشار عادة إلى عدد الميداليات التي حصلت عليها كل دولة.
لم يشارك في أولمبياد فرنسا، كل الرياضيين الروس الخمسة والخمسين الذين يستوفون شروط اللجنة الأولمبية الدولية هذه، ومنهم من غادر روسيا (حوالى 350 رياضياً) إحتجاجاً على غزو أوكرانيا. أما الذين بقوا في روسيا، فبعضهم رفض تقبل هذه الشروط، أو تعرض لضغوط كبيرة من قبل الإتحادات الرياضية الروسية التي لوحت بإدراج من يتجرأ على المشاركة في لائحة "فريق العملاء الأجانب"، حسب الأسبوعية المولدوفية zdg.md في 29 تموز/يوليو الجاري. ونتيجة لذلك، لم يشارك في أولمبياد فرنسا سوى 15 رياضياً روسياً، إضافة إلى 26 شاركوا تحت أعلام دول أجنبية. ويشارك من بيلاروسيا 17 رياضياً من أصل 24 تمت دعوتهم.
تضيف الأسبوعية، نقلاً عن صحيفة Novaya الروسية المعارضة الصادرة في أوروبا، أن في العام 2016، وبسبب سلسلة من فضائح المنشطات والتلاعب بالعينات في دورة الألعاب الأولمبية في سوتشي، فُرضت قيود على المنتخب الروسي للمرة الأولى. ونتيجة لذلك، حُظر 107 رياضيين روس من المشاركة في الألعاب الأولمبية الصيفية في ريو دي جانيرو العام 2016، للإشتباه في تعاطيهم المنشطات. وفي العام 2017، وبعد عقوبات اللجنة الأولمبية الدولية، ومن ثم عقوبات الوكالة الدولية لمكافحة المنشطات، فقد الرياضيون الروس إمكانية المشاركة تحت العلم الروسي. وفي الدورات الأولمبية الثلاث التالية، حل العلم الأولمبي محل العلم الروسي.
معاقبة روسيا على إستخدام المنشطات بقيت سارية المفعول حتى العام 2022. وفي العام 2023، فُرضت على روسيا عقوبات جديدة بسبب غزو أوكرانيا وضم المنظمات الرياضية في المناطق الأوكرانية المحتلة إلى اللجنة الأولمبية الروسية. ومنذ السنة الماضية، أُبعد المنتخب الروسي من جديد عن المباريات الرياضية، ولم يعد في وسعه تشكيل فريقه الخاص، حتى تحت علم محايد. واللجنة الأولمبية الدولية وحدها تملك حق دعوة الرياضيين الروس بصفتهم "رياضيين محايدين منفردين" إلى الألعاب الأولمبية الحالية والمقبلة، ومدة العقوبات ليست محددة.
روسيا المعاقبة اولمبياً، منذ دورات عديدة، لا توفر جهداً في إنتقاد الألعاب الأولمبية الحالية والتهجم على منظميها. فقد نقل موقع قناة التلفزة الروسية ren.tv عن الناطقة بإسم الخارجية الروسية، عدم تقبلها إعتذار اللجنة المنظمة للأولمبياد الفرنسي عن العرض المستوحى من لوحة العشاء السري (وتبين لاحقاً أن
اللوحة المعنية هي "مأدبة الآلهة")، والذي استفز مشاعر المؤمنين المسيحيين حول العالم. وقالت بأن المنظمين "صادقون كلياً في جهالتهم وذوقهم السيئ، وفي تصورهم المريض عن العالم وديكتاتورية الليبرالية". وأشار الموقع إلى الصحافي الإيطالي Angelo Giuliano الذي طلب اللجوء إلى روسيا، ووصف فرنسا بأنها "دمية".
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها