الأحد 2024/07/21

آخر تحديث: 08:09 (بيروت)

عذابات الهجرة السورية الى مصر

الأحد 2024/07/21
عذابات الهجرة السورية الى مصر
increase حجم الخط decrease

فُوجئ السوريون المقيمون في مصر، بسلسلة قرارات صادمة، وإجراءات بحقهم، وصفها الكثيرون منهم، بـ "التعسفية"، وذلك منذ مطلع الشهر الجاري، تحت عنوان، تقنين أوضاع الأجانب في هذا البلد.


وكانت الدولة المصرية قد أطلقت عدة نداءات، منذ صيف العام الماضي، طالبت فيها الأجانب المقيمين في مصر، بتقنين أوضاعهم. واستهدفت هذه النداءات، وفق منطوقها، من دخل بصورة غير شرعية للأراضي المصرية، أو من لم يقنن إقامته عليها، وفق القوانين المعمول بها من جانب السلطات. وكانت آخر مهلة ممنوحة للأجانب، لتقنين أوضاعهم، في 30 حزيران/يونيو الفائت. قبل أن تمددها الحكومة المصرية حتى 30 أيلول/سبتمبر.


لكن المفاجأة كانت، مع مطلع الشهر الجاري، أن القوانين والإجراءات المعمول بها بخصوص إقامات السوريين،  تم تغييرها، بين ليلة وضحاها، من دون سابق إنذار، أو إعلان رسمي. إذ تم وقف تجديد الإقامات السياحية، التي يحملها عشرات آلاف السوريين، والذين كانوا يلتزمون بتجديدها كل ستة أشهر، ودفع الرسوم الخاصة بها، من دون التورط بأي مخالفات.


(محمد، ن)، أخبرنا أنه في صبيحة 5 تموز/يوليو الفائت، فُوجئ أثناء مراجعته لإدارة الهجرة والجوازات، لتجديد إقامته السياحية، أن الموظف المسؤول طلب منه مغادرة البلاد، وتقديم طلب للحصول على تأشيرة لدخول مصر من القنصلية في البلد التي سيسافر إليها، ليدخل مجدداً، وحينها يمكن له الحصول على الإقامة السياحية. قال محمد: "منذ 12 عاماً، أجدّد الإقامة السياحية كل ستة شهور. ليس لدي أولاد في المدارس، وأنا متزوج حديثاً. لا أستطيع العودة لسوريا، لأنني مطلوب للخدمة العسكرية. ولا يمكن لي الذهاب إلى أي بلد آخر. فغالبية دول العالم، لا تسمح بدخول السوريين، كما تعلمون".


حالة "محمد"، تشكل نموذجاً لعشرات آلاف السوريين، خاصة من فئة الشباب، ممن لا أولاد لديهم في المدارس المصرية، ولا يستطيعون العودة لسوريا، لأنهم مطلوبون للخدمة العسكرية، التي تعني، في حالة الالتزام بها، البقاء لخمس أو ست سنوات، في خدمة قوات النظام، مع احتمال وضعهم في جبهات ساخنة، مما يعني تعريض حياتهم للخطر. يُضاف إلى هذه الفئة، شريحة أخرى مطلوبة لأسباب أمنية، متعلّقة بفترة التظاهر ضد النظام، بعيد ثورة العام 2011. وفئة ثالثة، لم يبق لها في سوريا لا قريب ولا حياة يمكن العودة إليها، إذ كل ما يخصهم أصبح في مصر، وتطورت حياتهم فيها، منذ أكثر من عقدٍ، من زمن.


(نادين، ر)، سورية تعيش في إحدى ضواحي القاهرة، أخبرتنا بحجم البلبلة التي يعيشونها جراء القرارات الأخيرة. "أخبرنا ضابط الجوازات أن لا مهلة بعد انتهاء الإقامة السياحية الخاصة بأخي. وهذا يخالف ما اعتدنا عليه، على مدار 12 سنة عشناها في مصر. إذ توجد مهلة 14 يوماً بعد انتهاء صلاحية كرت الإقامة، لتجديده. لكن بعد أيام فقط، أخبرنا قريب سوري، أن ضابطاً آخر في نفس دائرة الجوازات، أعلمه أن المهلة ما تزال قائمة، ولم تُلغَ. كل موظف يخبرك بمعلومة مختلفة عن الآخر".


ومن الأمثلة على اضطراب الإجراءات وفوضاها، قصة "نسرين، ج". وهي سورية متزوجة من مصري منذ 9 سنوات، ولديها ولدان، مصريا الجنسية. ذهبت لدائرة الهجرة والجوازات لتجديد إقامتها "الخماسية" –لخمس سنوات تُمنح للمتزوجين من مصريين-، ففوجئت بالموظف يطلب منها مغادرة الأراضي المصرية، وطلب تأشيرة من القنصلية بدمشق، ومن ثم العودة لاحقاً. بعد أيام، وبعد تواصل زوجها المتكرر، مع أكثر من موظف داخل الجوازات، سُمح لها بتجديد إقامتها.


(عادل، ع)، قال لنا: "لدي أخت مصرية الجنسية. وهناك في القانون المصري، نص يتيح منح الإقامة بكفالة القريب المصري، حتى الدرجة الثانية. لكنهم رفضوا السماح لي بتحويل إقامتي السياحية إلى إقامة بكفالة الأخت المصرية، رغم أن ذلك كان متاحاً لحالات عديدة أعرفها من السوريين، قبل 30 حزيران/يونيو الفائت".


وتمثّل حالة "عادل"، نموذجاً أيضاً لحالات كثيرة، رفضت دوائر الجوازات المصرية تغيير نوع إقامتهم، من سياحية إلى دراسية أو بكفالة قريب مصري، كزوج الأخت أو زوج الابنة مثلاً، بصورة تخالف ما كان سائداً ومعمولاً به، قبل مطلع الشهر الجاري. 


(أحمد، ر)، قال لنا إن الضابط المسؤول في دائرة الهجرة والجوازات التي راجعها، قال له إن التحويل من نوع إقامة إلى آخر، يتم فقط، في حالة التحويل إلى إقامة استثمارية، في الوقت الراهن. والإقامة الاستثمارية تتطلب ملاءة مالية لا يتمتع بها الغالبية العظمى من السوريين المستهدفين بالقرارات الأخيرة.


إحدى الإجراءات التي اعتبرها سوريون كثر، تحدثنا إليهم، أنها "تعسفية"، هي إلزام من لديهم أطفال، تحت سن المدرسة، بأن يدفعوا رسوم إقامات السنوات السابقة، بأثر رجعي. رغم أن السلطات المصرية كانت تعفيهم سابقاً من دفع أية رسوم على الأطفال دون سن السادسة. (طارق، ط)، قال لنا: "كنت أراجع الجوازات سنوياً منذ ولادة ابني هيثم. وفي كل سنة كان الموظف يؤكد لي أن ابني معفي من رسوم الإقامة لأنه تحت سن المدرسة. لأُفاجئ قبل أيام، حينما راجعت الجوازات لتجديد إقامات أفراد الأسرة، أنهم طالبوني برسوم إقامة ابني هيثم، عن السنوات الخمس الفائتة. قلت لهم، كنتم تخبروني أنني معفي. فقالوا إنها قرارات جديدة، وأن علي دفع 2100 جنيه مصري عن كل سنة، لم أدفع عنها سابقاً". 


ونتيجة لهذه القرارات والإجراءات التي فاجأت الغالبية العظمى من السوريين في مصر، لجأ الكثير منهم إلى خيار مفوضية شؤون اللاجئين، لاستخراج كرت لجوء، أو تجديده. وتسبب ذلك بازدحام غير مسبوق عند مقر المفوضية بحي الزمالك بالقاهرة. وينتظر بعض السوريين منذ منتصف الليل وحتى موعد بدء عمل المفوضية صباحاً، ليفاجؤوا برفض إدخال غالبيتهم، إذ لا يتم إدخال سوى بضع عشرات منهم، ويُشترط وجود رسالة دور يحصلون عليها عبر الاتصال تليفونياً. أما الحجز التليفوني فيشكّل معضلة أخرى لا تقل تعقيداً، إذ يضطر أحدهم للاتصال بصورة يومية لمُدَد قد تتجاوز الأسبوع، قبل أن يحصل على موعدٍ قد يكون بعد أسابيع. حتى أن كثيراً من السوريين حمّلوا على هواتفهم تطبيق الاتصال التلقائي، ليواصلوا محاولاتهم للحصول على رد من المفوضية، على مدار أيام الأسبوع من الـ 8 صباحاً وحتى الـ 3 ظهراً. وحتى من وُفّق منهم للحصول على دور قريب في المفوضية، ومُنِح الكرت الأصفر، كان تاريخ دور الحصول على الإقامة المرفقة بالكرت، بعد عامين. إذ معظم مواعيد الحصول على إقامة لجوء من مركز العباسية بالقاهرة، كانت في العام 2026، وفق شهادات عدد كبير من السوريين، الذين تحدثنا إليهم، أو ممن اطلعنا على تعليقاتهم في مجموعات خاصة بهم على موقع "فيسبوك". وفيما تؤكد ديباجة كرت اللجوء الأصفر، أن حامل الكرت يحظى بالحماية الدولية المؤقتة، تدور تساؤلات بين السوريين، هل هذه الحماية تشمل من لم يحصل على ختم الإقامة على الكرت؟ وسط عدم وجود أجوبة شافية بهذا الصدد.


(تيسير، ع)، أخبرنا أنه ذهب إلى دائرة الهجرة والجوازات لتجديد إقامته السياحية قبل أيام، ففوجئ بختم "تكليف سفر"، خلال 7 أيام، على جواز سفره. وهي حالة تكررت بكثرة في أوساط السوريين، وفق شهود عيان، ووفق شهادات على مواقع التواصل أيضاً. و"تكليف السفر"، يعني أن على المعني به، مغادرة الأراضي المصرية خلال 7 أيام فقط.


(نادر، ب)، خمسيني سوري، يعيش في إحدى ضواحي العاصمة المصرية، المكتظة بالسوريين، منذ العام 2012، تحدثنا إليه: "يقولون إننا كسوريين تسببنا بارتفاع الإيجارات وساهمنا بأزمة الكهرباء، وزدنا من الضغط على البنية التحتية في مصر. سأقول الحق، هذا البلد أهله طيبون، وقد عشنا بينهم، وكأننا بين أهلنا. وما زلنا. لكن هذا الحديث عن أعباء السوريين على الاقتصاد المصري، غريبة. إذ أن أغلبنا جئنا بمدخراتنا من سوريا، وصرفنا (شقى العمر) هنا في مصر، لنؤسس مشاريع صغيرة، ونشّطنا مناطق كانت غير مأهولة تقريباً بالسكان، وجعلناها مزدهرة بالخدمات والأنشطة الصناعية والتجارية. غالبيتنا العظمى، جئنا بكل ما نملك من سوريا، لنصرفه هنا، ونؤسس حياة جديدة، بعرق جبيننا، وكدّنا. ليقولوا لنا الآن، وبصورة مفاجئة، غادروا، لا نريدكم. إلى أين سنغادر؟ إلى سوريا التي لم يبق لنا فيها شيء منذ سنوات!".



ويتواجد على الأراضي المصرية، 1.5 مليون سوري، وفق المصادر الرسمية المصرية. منهم 154 ألفاً فقط، مسجلين في مفوضية اللاجئين. وتقدّر منظمة الهجرة الدولية قيمة الاستثمارات الصغيرة والمتوسطة للسوريين في مصر بنحو مليار دولار. فيما تذهب تقديرات أخرى إلى أكثر من هذا الرقم، خاصة إن أخذنا بعين الاعتبار الاستثمارات الكبيرة لعدد من رجال الأعمال والصناعيين السوريين، خاصة، المنحدرين من مدينة حلب.



increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها