الجمعة 2024/07/19

آخر تحديث: 06:54 (بيروت)

اردوغان-الاسد:تطبيع ب"خفي حنين"

الجمعة 2024/07/19
اردوغان-الاسد:تطبيع ب"خفي حنين"
increase حجم الخط decrease
لا يمكن لأحد مجادلة تركيا في سعيها لمتطلبات أمنها القومي، فذلك من الأولويات لدى
الدول، ومن موجبات السيادة. وسواء تعلق الامر بالحوار مع النظام السوري أم بسواه،
فذلك خيار تركي محض، يتوجب تفهمه وعدم مناقشة دوافعه من قبل أي طرف آخر غير
الأتراك أنفسهم.
لكن الابتعاد عن الجدل حول القرار والدوافع، لا يعني التخلي عن حق تحليل النتائج
المتوقعة، فلذلك أثر مباشر على ملايين الناس من غير الاتراك، سواء كانوا من اللاجئين
السوريين في تركيا أم السوريين في بلادهم، وأبرزهم بالطبع السوريون من سكان الشمال
المعارض للنظام.
يقوم الحوار الذي دعت إليه أنقرة مرات من خلال الرئيس أردوغان، على أساس لقاء
مباشر مع رئيس النظام السوري لتطبيع العلاقات وتحقيق السلام العادل في سورية،
وهي عناوين عامة وجدها رئيس النظام السوري غير كافية كي تمثل مضمونا مناسبا
للاستجابة للدعوة التركية، وهو على ما يبدو موقف أراد منه الأسد إظهار (التمنع) لا
الرفض، ربما لاستغلال الرغبة التركية العلنية لمنح نفسه صورة الزعيم (الشرعي) الذي
يفرض شروطه للحوار مع الآخرين، وهو سلوكك متوقع، لكنه غير صادق، حيث من
المقرر ان تبدأ قريبا اجتماعات سورية تركية في بغداد لوضع تفاهمات بشان المناطق
الحدودية حسب صحيفة الوطن السورية.
من المؤكد أن يستغل الأسد اندفاع أنقرة لتسوية سياسية مع دمشق ليحقق عدة فوائد في
وقت واحد، فهو سيحاول ابتزاز تركيا، بشأن كل ما استثمرته في المجال الأمني منذ أكثر
من عقد في الشمال السوري، ويطلب مقدما فتح المعابر التي تكسر عمليا العقوبات الدولية
على النظام، ويسعى لاستخدام الخبرة والحضور التركي للقضاء على معارضي النظام في
الشمال، كما انه سيقدم بكل ذلك إشارات إلى أكثر من طرف بأنه قد استعاد قوته، وانه
صار جاهزا لتطبيع العلاقات، ويشمل ذلك دولا عربية كما يشمل إسرائيل، بعد تسريبات
إعلامية بان خطط الحرب الشاملة المحتملة مع حزب الله في لبنان، تشمل غزو الأراضي
السورية انطلاقا من الجولان المحتل، واحتمال الوصول إلى أطراف دمشق.
وليس متوقعا أن يجني الأسد مثل هذه الفوائد لمجرد أن الانفتاح التركي قد أوحى له بها،
فهو ومفاوضوه سيصطدمون في كل مرحلة باستحقاقات خطيرة ومعقدة تسبب بها قمع
النظام ذاته خلال مراحل الحرب، وستمثل بحد ذاتها ثقلا جسيما قد يكون أخطر على النظام
وضعه الحالي، ومن بين ذلك مثلا، عودة ملايين اللاجئين، واستيعاب عناصر فصائل
المعارضة المسلحة، والتعامل مع الاستحقاقات القانونية الخاصة بسورية على الصعيد
الدولي، ومن بينها مثلا قرار مجلس الأمن 2254 لعام 2015 الذي لا يمكن التغاضي عنه
إلا بقرار جديد يلغيه، بمعنى أن أي إعادة انتاج للنظام ستظل غير شرعية ومخالفة للقانون
الدولي.
وعلى ذكر القانون الدولي، فقد استخدم الأسد هذه العبارة بشكل متكرر خلال حديثه
للصحافيين يوم الاثنين، معتبرا أنها أساس حواره المحتمل مع الرئيس اردوغان، فإن كان
الأمر كذلك، وما دام الأسد على هذا القدر من الاهتمام بالقانون الدولي، فالأولى أن يطبق
هو القانون الدولي ويلتزم بقرارات مجلس الأمن الداعية لحكم انتقالي توفر البيئة الآمنة
لصياغة دستور جديد وإجراء انتخابات بإشراف الأمم المتحدة، ناهيك طبعا عن القوانين
الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، وجميعها تعرضت وما زالت لانتهاكات خطيرة في
سورية.
على الجانب التركي، ليس متوقعا أن تحصل انقرة على مرادها من أي مشاورات مع
النظام في دمشق، فالأخير لن يتخلى عن ورقته الكردية، بل أنه لا يستطيع التحكم بها
أصلا، لأنها جزء من لعبة إقليمية ودولية أكبر، وهو لن يستقبل اللاجئين حتى لو على مدى
زمني مناسب، وإن فعل فسيتعامل معهم بوحشية كافية كما يفعل دائما، لجعل الآخرين
يحجمون عن العودة، وهو كذلك، لن يكون بمقدوره الخروج من الجلباب الإيراني الذي
توغل في داخل النسيج الاجتماعي والأمني، وإيران بطبيعة الحال لن يسعدها أي دور
تركي في التسوية بسورية، والأهم من كل ذلك، أن نظام الأسد لن يستطيع التخلي عن
طبيعته الإجرامية، فذلك لن يحصل بقرار، ولا بضغط، فهو جزء من جوهر هذا النظام
وبنيته، وقد تضاعفت جرعة السوء في هذا النظام خلال سنوات الحرب، وصارت توقعات
أن يتعامل بعدالة أو بموضوعية مع الملفات السورية المختلفة سواء مع تركيا أو سواها،
ضرب من المستحيل لا الصعب ولا المعقد. ولذلك فقد تتحقق حوارات تركية سورية في
بغداد، وربما يلتقي المسؤولون على مستوى أرفع، لكن الوصول إلى نتائج سريعة ومناسبة
ترضي الهواجس الأمنية لتركيا، فذلك امر مستبعد في المدى المنظور، وهو ما سينهي
سريعا المحاولات التركية للتطبيع مع الأسد كانت تتوقع نتائج عاجلة تتناسب مع مناخ
حدودي وداخلي متوتر وضاغط.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها