الثلاثاء 2024/06/25

آخر تحديث: 06:50 (بيروت)

سنة على تمرد بريغوجين:خفايا وأسرار

الثلاثاء 2024/06/25
سنة على تمرد بريغوجين:خفايا وأسرار
increase حجم الخط decrease

في 24 حزيران/يونيو السنة الماضية كان العالم، وليس روسيا وحدها، يحبس أنفاسه في متابعة تطورات زحف مجموعة المرتزقة "فاغنر "مسيرة العدالة" نحو موسكو. وكان قائد الزحف المدرع يفغيني بريغوجين يرفق المسيرة بالتعليقات التوضيحية عن هدف الزحف وحدوده، إذ حرص على التأكيد بأنه يقصد موسكو لمحاكمة قادة وزارة الدفاع والأركان الروسية. وكان بريغوجين يتهم القيادة العسكرية الروسية ووزارة الدفاع بعرقلة إمداد المجموعة بالذخيرة والصواريخ في المعركة التي كانت تخوضها لاحتلال مدينة باخموت الأوكرانية. ولم يكن الرجل ذو الماضي الإجرامي، خريج شوارع بطرسبورغ ومعسكرات الإعتقال، يقتصد في توجيه أقزع الشتائم لوزير الدفاع ورئيس الأركان، واتهامهما بالوقوف وراء الحرب في أوكرانيا. 

بعد وساطة ديكتاتور بيلوروسيا ألكسندر لوكاشنكو وآخرين، أوقف بريغوجين زحفه على موسكو، بعد أن قطع مئات الكيلومترات، وبقي على مسافة 200 كلم من المدينة، مبرراً ذلك بحجب سفك الدماء. لم يعترض طريق "مسيرة العدالة" أي عائق، وأشاعت السلطات الروسية حينها أن سلوكها هذا كان في إطار الجهود لاستيعاب الحدث، وعدم السماح بتطوره إلى الأسوأ. لكن البعض رأى أن هذا السلوك لم يصدر عن حكمة السلطة وترويها، بل كان يعبر عن إرتباكها وعدم توقعها لمثل هذا التطور للأحداث. فردة الفعل الهادئة المتروية لا تقتضي حفر الخنادق والإستعداد لتفجير الجسور، كما يحدث عادة في مواجهة غزو بري معادي. 

موقع الخدمة الروسية في "الحرة" الأميركية نشر في 24 الجاري نصاً تحدث فيه إلى صحافي من الخدمة الروسية في BBC عن اسباب تمرد بريغوجين ومسيرته إلى موسكو وعواقبه. وعنون الموقع نصه بالقول أن عواقب تمرد بريغوجين سوف يستغرق تجاوزها وقتاً طويلاً. 

قدم الموقع للنص بالإشارة إلى أن تمرد بريغوجين الذي استمر ليوم واحد، إنتهى فجأة كما بدأ، تاركاً المراقبين في حيرة من أمرهم. وبعد مرور سنة على الحدث لا يزال هناك، وكما في السابق، الكثير من الأسئلة. أشار الموقع إلى أن الصحافي الذي تحدث إليه Ilya Barabanov، كان قد أصدر مع زميل صحافي آخر كتاباً عن تاريخ مجموعة "فاغنر" بعنوان "مهنتنا ــــ القتل". 

أوجز الصحافي أسباب التمرد المتعلقة باتهامات بريغوجين لوزارة الدفاع وقيادة الأركان بالتقصير في مد مجموعته بما تحتاجه من ذخائر والتسبب بارتفاع حجم خسائرها البشرية. وقال بأن بريغوجين كان يؤكد بأن الغزو الروسي لأوكرانيا وقع بسبب خداع وزارة الدفاع للرئيس بوتين. وكان يعلن بأن أوكرانيا لم تبدأ الحرب، والعمليات القتالية كان يحتاجها الوزير شويغو للحصول على رتبة مارشال. ويذكر أن شويغو كان قد وقع قبل التمرد بفترة قصيرة مرسوماً ألزم بموجبه "مجموعات المتطوعين" إبرام عقد مع وزارة الدفاع. لكن بريغوجين صرح حينها أنه "لن يوقع أي عقد مع شويغو". ويعتقد الصحافي أن  الرجل بقي حتى النهاية على أمل أن يتمكن من الاتفاق على بعض الشروط الجديدة لوجود تشكيله  العسكري، وأن يتمكن من الحفاظ على سيطرته عليه، وان يُسمح له بالمشاركة في بعض العمليات الأفريقية أو أي مشاريع أخرى. ووقوف بوتين إلى جانب وزارة الدفاع في قرارها بشأن التشكيلات العسكرية، جعله يعتبر الأمر وكأنه عملية سطو على مجموعته. وكان التمرد المحاولة اليائسة الأخيرة لأنقاذ تشكيله، ومحاولة إنتزاع شروط مقبولة لاستمراره في الوجود. لكن من الواضح أنه كان مخطئاً في توقعاته هذه. وبعد أن وصف بوتين سلوكه بأنه "خيانة"، أصبح من الواضح أن مصير بريغوجين سيكون مأساوياً، إذ كان بوتين قد صرح أكثر من مرة بأن الخيانة هي الأمر الوحيد غير المستعد للصفح عنه. 

يرفض الصحافي وصف سلوك السلطات الروسية حيال التمرد بأنه كان متروياً ولم يكن يتسم بالقسوة، بل يرى أن الحدث كان مفاجأة كبيرة بالنسبة لها. وظهرت بأنها غير مهيأة إطلاقاً لمثل هذه التجربة، ووصف التمرد بأنه "خيانة" الذي صرح به بوتين بعد ساعات من إنطلاق "مسيرة العدالة"، لا يشير إلى الليونة في رد فعل هذه السلطات. ويرى أن المحاولات "الغريبة" لأقفال الطرقات وتفجير الجسور وحفر الخنادق، وقرار تسليم الحرس الوطني آليات ثقيلة كانت تشير إلى أنه لم يكن في نية أحد أن يتساهل مع التمرد، بل لم يكن لدى السلطات اي إمكانية ليكون ردها أكثر تشدداً. 

يرى Barabanov أن وساطة الديكتاتور البيلوروسي لوكاشنكو لم تكن العامل الحاسم في توقف "مسيرة العدالة" على بعد 200 كلم من موسكو، بل يعتبر أن الحاكم السابق لمنطقة تولا الروسية القريبة من موسكو Alexey Dyumin لعب الدور الأبرز في رجوع المسيرة عن موسكو، وإن كان هذا الدور قد بقي الأقل تغطية إعلامية. و Dyumin هذا كان حارس بوتين الشخصي قبل أن يشغل منصب حاكم منطقة تولا. وفي أيار/مايو الماضي أصبح مساعداً لبوتين وسكرتير مجلس الدولة. وينقل الصحافي عن مواقع إعلامية روسية أخرى معارضة أن الرجل كان على شراكة أعمال مع بريغوجين، وكان يؤيده بشكل غير رسمي في إنتقاد وزارة الدفاع. 

رأى الصحافي علاقة غير مباشرة بين تمرد بريغوجين والمناقلات التي جرت في وزارة الدفاع منذ الصيف الماضي، وحتى مغادرة سيرغي شويغو منصبه وزيراً للدفاع والإعتقالات الأخيرة لكبار الجنرالات الروس. ويستنتج أن لهذا التمرد "كماً كبيراً" من العواقب طويلة الأمد. كما رأى أن المناقلات تلك والإعتقالات تشير إلى رغبة الكرملين في تحجيم صورة العسكريين "قليلاً"، حتى لاتتبادر يوماً ما إلى ذهن أحد فكرة تمردات مماثلة ومؤامرات. ويقول أن المجتمع الروسي سيبقى طويلاً مضطراً للتعامل مع عواقب تمرد بريغوجين وأنشطته. 

توقف الصحافي مطولاً، كما القليل من المواقع الإعلامية الروسية ومعظم المواقع العالمية، عند مصير مجموعة فاغنر وثروة بريغوجين بمناسبة السنوية الأولى للتمرد الذي وصفه البعض بأنه الحدث الوحيد في التاريخ الروسي. اشارت هذه المواقع إلى تولي وزارة الدفاع قيادة ما تبقى من مجموعات فاغنر في كل من سوريا وليبيا وبوركينا فاسو، وبقاء المجموعة على سابق عهدها من الهيكلية والانشطة في جمهورية إفريقيا الوسطى. 

موقع الخدمة الروسية في "صوت أميركا" تشر نصاً إستعرض آراء خبراء في "التمرد غير المكتمل". قدم الموقع للنص بالقول أن  الكثير من أهداف ودوافع المتآمرين في "إنتفاضة بريغوجين" التي هزت أجهزة الدولة الروسية، يبقى مبهماً بعد مرور سنة. 

اشار الموقع إلى أن بوتين إعترف بعد تمرد بريغوجين بعدم شرعية مجموعة فاغنر، والتي لم تكن لتتمكن من أن تتشكل من دون أمر منه. كما أكد بعد التمرد أيضاً أن إمبراطورية بريغوجين بأكملها كانت تمول من الخزينة الروسية. 

نقل الموقع عن السياسي المعارض والضابط السابق في المخابرات الروسية Gennady Gudkov قوله أن تمرد بريغوجين يعكس في المقام الأول صراع المجموعات على الحفاظ على مواقعها وتعزيزها.

قال السياسي إن الكثير من خفايا ما جرى لا نعرفه، لكن الكثير يشير إلى أن مجموعة فاغنر ليست فقط كانت متورطة في المؤامرة، بل كانت متورطة أيضاً، بشكل أو بآخر، مؤسسات أخرى مثل جهاز الأمن الفدرالي. 

يرى السياسي أن التمرد ونهايته يشير إلى أنه كان فشلاً ذريعاً للنظام الروسي، ولذلك قرر بوتين أن "ينسى"، او بالاصح ان يسكت على الموضوع ويطمر رأسه في الرمال. والإعلام بدوره يتكتم على هذا الموضوع، ولا أحد يذكر بريغوجين، ولم يفكروا حتى في إجراء أي تحليل لقضية فريدة من نوعها في التاريخ الروسي، "وكأن شيئا لم يحدث".






 



increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها