الخميس 2024/05/30

آخر تحديث: 20:52 (بيروت)

البيروتي

الخميس 2024/05/30
البيروتي
أحمد قعبور وإيمان بكداش في لقطة من فيديو كليب "أختي أميرة"
increase حجم الخط decrease



تحار في أحمد قعبور. بالجاكيت والقميص بلا ربطة عنق، والنظارات الطبية والعينين الحزينتين دوماً، يختلط عليك أمره، هل هو الفنان ذو التاريخ المديد، أم جارك الذي تلتقي به صباحاً على الدرج وتتبادلان "صباح الخير" قبل أن تذهب إلى يومك، ويذهب هو ليجلس في مكان ما غامض، بحري على الأرجح، مع صديقته الأزلية، بيروت، يتشاركان ركوة قهوة، ويثرثران.

صوت أحمد العذب كبرنا معه وكبر معنا. أغانيه ذاكرتنا عن الجنوب وفلسطين واليسار والعروبة. لكن أغانيه، أولاً وأخيراً، هي تلك التي عن بيروت ولها. أعني، كم حلا تعبير مثل "إن كبرت بتساع الدنيي وإن زغرت بوسة على خدك". أي حب مرهف ورقيق وأصلي. كم حلا كلام "علّوا البيارق" ولحنها وبهجة أصوات من فيها، الأغنية التي تصلح نشيداً لعزيزتنا، لكورنيشها وأزقتها وناسها.

أحمد فنان لبناني وعربي هائل وواحد من أهم صناع ذاكرتنا، نحن أبناء الحرب الأهلية وضحايا التخبطات الفكرية من اليسار إلى العروبة إلى آخره. وأحمد هو نفسه جارنا الطيب الذي نلتقيه صباحاً ذاهباً إلى موعده مع حبيبته. لكن أحمد، قبل ذلك وبعده، بيروتي. رجل عادي لا ننتبه إليه في الغالب، يضع يده في جيبه ويذوب في أرصفة الحمرا. يليق به الجلوس على كرسي مقهاها ليحكي عنها ومعها. يعرفها بالفطرة. بيروته. رسمت شخصيته وهدوءه ورقته وكبر قلبه. رسمت موهبته حتى امحت تلك الخطوط الفاصلة بينها وبينه، فصار امتداداً لأثرها وصارت إلهاماً لشعره ولحنه وتتمة لهما.
نحب بيروت، كلنا. وهو حبّ جمٌّ يجرفنا إلى ما يشبه البلاهة في التعبير عنه. كلٌّ يحبها لأسبابه، ولا ننتبه إلى أن علاقتنا بها، صورتها في وجداننا، كان لأحمد الكثير فيها، في تشكيلها وصياغتها بهذا القدر الهائل من الحنين وأصالة المشهد.

البيروتي العذب هذا، وبينما البلد يموج بالرداءة والعنف على عادته، نشر فيديو كليب أغنيته الجديدة، "أختي أميرة"، كأنها آتية ليس من كوكب آخر، بل من بيروت أخرى. أغنية وضع فيها أحمد كل ما لديه من ود وعذوبة ورقة. ذاب فيها كما يذوب في بيروت. وفي الكليب واحد من بيوتنا، وقطة شقراء، وأميرة (إيمان بكداش) الخلّابة ترقص وتشرب القهوة وتبتسم، وأحمد يغني لأخته. يقول "شو بتحب تحمل قلب فاتن حمامة". هل أحلى؟

من بيروت أخرى الأغنية، كذلك أحمد قعبور، له بيروته التي هي ذاتها بيروتنا، أو ما نشتهيها أن تكون. وهو، ونحن معه، غارقون في حبها هذه المدينة، حتى إذا غنى بهذه الحميمية لأخته، ظننا، وظن معنا، أنه يغني لبيروت.

وأحمد قعبور ما زال يكتب ويلحن ويغني، فبيروت، الأميرة، بخير إذن. أما هذه السطور فهي ليست مقالاً في الأصل، بل بوسة على خدّ أحمد.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب