قمة مجموعة دول البريكس السنوية التي تفتتح أعمالها في 22 الجاري في مدينة قازان الروسية، تتيح لإيران فرصة التواصل مع دول أخرى تشاركها التبرم من هيمنة الغرب على مقادير العالم. إيران، جديدة العضوية في هذه المجموعة وتشارك للمرة الأولى في قمتها، لا تقاس حجماً وقدرات مع معظم دول المجموعة، وخصوصاً مع الصين وروسيا، اللتين تتصدران السعي في مجابهة هيمنة الغرب. لكنها، من جانب آخر، تتصدر المجموعة الآن في حجم مشاعر القلق الذي تثيره مع أذرعها في العالم، على أمن المنطقة ومخزوناتها من النفط والغاز وطرق التجارة الدولية التي تعبرها.
تأتي روسيا في رأس قائمة الدول الأعضاء في مجموعة بريكس الذين تسعى إيران لتوثيق العلاقة معها. واللقاء المتوقع بين الرئيسين الإيراني والروسي على هامش القمة، هو الثاني خلال أيام بعد اللقاء الأول للرجلين في تركمانيا في 11 الجاري. ومن بين مواقع إعلامية كثيرة، علق موقع الخدمة الروسية في إذاعة فرنسا الدولية RFI على اللقاء بالإشارة إلى أن الرئيسين أعلنا في لقائهما الأول عن مواقف متماثلة لكل من موسكو وطهران على الساحة الدولية. وقال الموقع بأن لقاء بوتين وبيزشكيان عقد على خلفية تفاقم الصراع العسكري في الشرق الأوسط والغزو الروسي لأوكرانيا المتواصل منذ سنتين ونصف السنة. وقد توطدت الشراكة بين موسكو وطهران إثر الغزو الروسي لأوكرانيا، وتُتهم إيران بتزويد روسيا بمسيّرات "شهيد" والصواريخ الباليستية، وهو ما تنفيه طهران.
الخبراء غالباً ما يصفون شراكة موسكو وطهران بأنها إضطرارية تأتي على خلفية عزلة البلدين على الساحة الدولية. ونقل الموقع عن خدمة الكرملين الصحافية قول بوتين في افتتاح اللقاء مع بيزشكيان بأن العلاقات مع إيران تمثل أولوية بالنسبة لروسيا، "وهي تتطور بنجاح كبير". وأضاف بأن تقييمات البلدين للأحداث الجارية في العالم غالباً ما تكون متقاربة جداً، "بل ومتطابقة".
كما نقل الموقع عن وكالة إرنا الإخبارية الإيرانية تصريح بيزشكيان بأن العلاقات بين إيران وروسيا، هي علاقات صادقة واستراتيجية، وموقف البلدين في العالم "أقرب بكثير إلى بعضهما البعض، مما إلى مواقف بلدان أخرى". وعن مساعد الرئيس الروسي يوري أوشاكوف نقل عنه الموقع قوله إن للقاء بوتين وبيزشكيان "أهمية كبيرة لبحث القضايا الثنائية "، وكذلك لبحث التأزم الحاد بالوضع في الشرق الأوسط.
أشار الموقع إلى لقاء الرئيسين الحالي على هامش قمة مجموعة البريكس، وقال إنه من المتوقع أن يوقع الطرفان على اتفاقية التعاون الاستراتيجي (الاتفاقية التي يعد لها الطرفان منذ سنوات، وفي كل مرة يتم تأجيل التوقيع عليها لإجراء تعديلات على النص من قبل أحد الطرفين). ويقول الموقع بأن موسكو وقعت الصيف المنصرم على اتفاقية مماثلة مع كوريا الشمالية، تعهد فيها الطرفان بتقديم المساعدة لبعضهما البعض في حال هجوم طرف ثالث على أحدهما.
وبمناسبة زيارة بوتين لتركمانيا، وعلى عادتها لدى كل زيارة له إلى دولة أجنبية، أصدرت الخارجية الأوكرانية بياناً دعت فيه جميع الدول "التي تحترم الإنسان والقانون الدولي" للامتناع عن إقامة فعاليات يشارك فيها بوتين "الذي أشعل في أوروبا حرباً على نطاق غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية"، ويداه غارقتان بالدم حتى المرفقين.
موقع الخدمة الروسية في دويتشه فيله DW نشر في 10 الجاري نصاً بمناسبة اللقاء الأول بين الرئيسين الروسي والإيراني، تساءل فيه ما إن كان بوتين سينخرط في الحرب إلى جانب إيران. نقل الموقع عن المستشرق الإختصاصي المعروف بالشؤون الإيرانية Nikita Smagin قوله بأن موسكو ليست مستعدة لتقديم المساعدة لإيران، خصوصاً إذا كانت تؤدي إلى صدام مع إسرائيل والولايات المتحدة، فالمشاركة العسكرية المباشرة مستبعدة كلياً. ويقول المستشرق في مقابلة مع الموقع الألماني إن تقديم روسيا السلاح لإيران، خصوصاً أجهزة الدفاع الجوي، أمر ممكن نظرياً. لكن المدة التي يتطلبها التدرب على استخدام مثل هذه الأنظمة قد تطول لثلاثة أشهر، قد تتعرض إيران خلالها لهجمات عديدة. ولذلك لا يرى المستشرق فائدة ترجى من التوقيع على الشراكة الاستراتيجية بين الطرفين.
الخبيرة في معهد واشنطن للسياسة الشرق أوسطية Anna Borshevskaya تتفق مع المستشرق بشأن عدم رغبة بوتين في الانخراط بالحرب إلى جانب إيران ضد إسرائيل. وقالت في مقابلة مع الموقع بأنه لا يجدر بإيران أن تتوقع دعماً كاملاً من جانب بوتين، فهو لا يريد إنفاق موارد كبيرة في الشرق الأوسط. بوسعه تقديم الدعم حيث هذا ممكن وضروري، لكنه لن يجازف بالانخراط في صراع مفتوح. ورأت أن إضعاف إيران يصب لصالح بوتين. إذ أنه لا يريد أن يكون أحد أقوى منه، بما في ذلك بالشرق الأوسط، وخصوصاً في سوريا.
ورأت الخبيرة أن بوتين، وعلى مدى سنوات، خلق لنفسه صورة صانع السلام في المنطقة، وتمكن من إقامة علاقات مع العديد من اللاعبين في الشرق الأوسط. وعادة ما يكون هؤلاء في صراع فيما بينهم. لكن بعد 7 تشرين الأول/أوكتوبر كشف بوتين عن وجهه الحقيقي ووقف إلى جانب القوى المعادية للولايات المتحدة في المنطقة، إيران وأذرعها ونظام الأسد. واعتبرت Borshevskaya أن لقاء بوتين وبيزشكيان في تركمانيا، هو مجرد روتين دبلوماسي من المستبعد أن يغير شيئاً مبدئياً في العلاقات بين البلدين. لكنها نصحت بمتابعة اللقاء الراهن بين الرئيسين الروسي والإيراني على هامش قمة دول البريكس.
المستشرق Nikita Smagin آنف الذكر، والذي ينشر نصوصه عادة في موقع Carnegie موسكو الذي يصدر الآن في برلين تحت إسم Carnegie Politika، نشر في 8 الجاري نصاً بعنوان "الشريك الإيراني في ورطة. كيف سترد روسيا؟". إستهل المستشرق نصه بالقول إن المجابهة المتواصلة بين إيران وإسرائيل أخذت تمس بصورة متزايدة المصالح الروسية في الشرق الأوسط، وتهدد المشاريع المشتركة مع طهران في مختلف المجالات. لكن موسكو تفضل، على الأغلب، التأقلم مع الوضع المتغير، أكثر من التدخل في ما يجري بالوسائل العسكرية. ويضيف بأن الجانب الروسي لا يستطيع، بل لا يريد أن ينقذ إيران في مجابهتها الحالية مع إسرائيل والولايات المتحدة.
أضاف المستشرق بأنه ليس ما يشير في المستقبل المنظور إلى احتمال انخراط روسيا العسكري في ما يجري بالشرق الأوسط. فموسكو منهمكة في الحرب الأوكرانية، وليس لديها الوقت لحروب أخرى. أما أن تحارب من أجل المصالح الإيرانية، فلم تكن لديها مثل هذه الرغبة في يوم من الأيام.
يرى المستشرق في سياق إسهابه عن ما يمكن أن يجر روسيا إلى الانخراط في الوضع الملتهب في الشرق الأوسط، دفاعاً عن مصالحها التي يمكن أن يمسها هذا الوضع، لكن ليس دفاعاً عن إيران. ويقول بأن المشاكل الإيرانية يمكن أن تصب في مصلحة الميزانية الروسية. فأسعار النفط العالمية، وكما هو متوقع، تتجه للارتفاع بسبب الوضع الملتهب في الشرق الأوسط، ويتوقع المحللون ان يبلغ سعر البرميل 100$ خلال الشهر الجاري. وإذا ما نفذت إسرائيل تهديداتها بقصف محطات توزيع الوقود، فقد يؤدي ذلك إلى أن تتخلص روسيا من منافسها الرئيسي في الصراع على التخفيضات في أسعار النفط في السوق الصينية.
ينتهي Smagin إلى التأكيد بأنه ليس هناك أي ضرورة بالنسبة لروسيا لإنقاذ إيران، خصوصاً إذ كان الثمن المجابهة المباشرة مع إسرائيل أو الولايات المتحدة.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها