السبت 2024/10/12

آخر تحديث: 09:43 (بيروت)

ترامب روسيّ.. كامالا هاريس إيرانية

السبت 2024/10/12
ترامب روسيّ.. كامالا هاريس إيرانية
لعلها المرة الأولى في تاريخ الانتخابات الأميركية التي تتنافس فيها موسكو وطهران (Getty)
increase حجم الخط decrease

كان مفاجئاً، يوم الأربعاء الفائت، قولُ المرشّحة الديموقراطية كامالا هاريس إن إيران هي التهديد الأكبر للولايات المتحدة. بررت هاريس ذلك بأن إيران لديها دماء أميركية على يديها، وتعهّدت بأن يكون أحد أهم أولوياتها منعها من أن تصبح قوة نووية. وكان محاورها في شبكة CBS قد سألها عن أكبر عدو للولايات المتحدة، فلم تقل إنها الصين جرياً على التوجه الأميركي الذي أرساه الرئيس الأسبق باراك أوباما، ولم تقل إنها روسيا ربطاً بغزوها أوكرانيا.

لكن لا يُنظر عموماً بجدية إلى تصريح هاريس، ولا يُستنتج منه أن توجهات حزبها قد تغيّرت. فالقناعة الشائعة هي أنه مجرد تصريح انتخابي، يُراد به إرضاء أنصار إسرائيل في الولايات المتحدة، خصوصاً مع استغلال منافسها ترامب عداءه لإيران والتركيز عليه في مهرجاناته الانتخابية. بل لقد واتته الفرصة مع تحذير المخابرات الأميركية قبل أيام من محاولات اغتيال إيرانية قد تستهدفه. الأمر الذي لا يُستبعد أن يضفي شكوكاً مماثلة على محاولتَي الاغتيال اللتين تعرض لهما من قبل.

وكانت حملة ترامب قد شكت قبل شهرين من تعرّضها لاختراق معلوماتي كبير، نَسَبتْه إلى قراصنة إيرانيين، أدى إلى تسريب وثائق داخلية حساسة. وهو ما سيحدث في الجهة المقابلة أيضاً. إذ ستعلن مجموعة مايكروسوفت في السابع عشر من الشهر الماضي عن استهداف روسي لحملة هاريس، من خلال بثّ مقاطع فيديو تتضمن نظريات مؤامرة. إلا أن الأضواء بقيت مسلطة أكثر على حملة ترامب، حيث يربط البعض استهدافه من قبل طهران بالثأر لمقتل قاسم سليماني، رغم أن فرضية الثأر لا تكفي لسبر العداء المتبادل بينهما. فترامب انسحب من الاتفاق النووي ليعيد العقوبات الأميركية على طهران، بما للعقوبات من تأثير على مجمل نشاطها الاقتصادي. وهو، بعد الرد الإيراني الأخير على مقتل نصرالله وهنية، كان صريحاً في دعم ردّ إسرائيلي يستهدف المشروع النووي الإيراني، بل قال إن على إسرائيل أن تقصف أولاً ثم بعد القصف يمكن الحديث في تبعاته.

بخلاف العداء مع إيران، تبدو علاقة ترامب ببوتين في أفضل أحوالها. وقد كشف كتاب سيصدر للصحفي بوب وودورد عن معلومتين تؤكدان ذلك. فبحسب الصحافي، الذي فجّر فيما مضى فضيحة ووترغيت، أرسل ترامب في بداية الجائحة فحوص كوفيد-19 إلى بوتين، وقد تكتّم الاثنان على الأمر. الأكثر دلالة، حسب الكتاب الذي سيصدر بعد يومين، أن الرئيس السابق تواصل مع بوتين 7 مرات منذ نهاية ولايته الرئاسية مطلع عام 2021، رغم أن بلده تدعم أوكرانيا عسكرياً في مواجهة روسيا، ما يجعله في موقع مَن يخالف سياسة بلده الرسمية. يتوّج ذلك تقرير صحافي، نشرته "نيويورك تايمز" قبل أسبوع، يكشف أن الرئيس السابق ترامب طلب نصيحة الرئيس الروسي بوتين بشأن طلبات أسلحة كانت أوكرانيا قدّمتها للولايات المتحدة، في أول اجتماع جمع بينهما في السابع من تموز/يوليو 2017.

المثير للدهشة أن تسريب تلك الأسرار لم يؤثّر في حظوظ ترامب الانتخابية، حسب استطلاعات الرأي المنشورة حتى الآن. الأرقام تشير إلى تقدّم هاريس عليه في الاقتراع الشعبي، إذ تحصل على 49% من الأصوات مقابل 46% له، بينما تتقدّم حظوظه بنسبة ضئيلة في أصوات المجمّع الانتخابي الذي يحسم النتيجة، وهذا ما يجعل المنافسة حامية جداً، فالأيام المتبقية هي من أجل كسب أصوات الناخبين الكبار في الولايات المتأرجحة حيث توزُّع الأصوات متقارب.

كون الحرب في أوكرانيا صارت من الأخبار الاعتيادية ربما يفسّر عدم تأثير التسريبات المتعلقة بروسيا على حظوظ ترامب، فضلاً عن تململ شرائح واسعة من تبعاتها على الاقتصاد الأميركي. يُذكر أن هاريس وعدت باستمرار السياسة الحالية لجهة استمرار تقديم الدعم لأوكرانيا، في حين قدّم ترامب وعداً غامضاً بإنهائها بسرعة، بعد العديد من التأكيدات على أنها ما كانت لتحدث لو أنه في البيت الأبيض! في كل الأحوال، من المؤكد أن الشأن الإيراني صار أكثر سخونة منذ سنة، على خلفية الحرب في غزة ثم في لبنان، وربما على خلفية تقدّم المشروع النووي الإيراني، ولو أن التقارير الأميركية المعلنة لا تجزم بحدوث نقلة نووية حاسمة.

جرياً على عادته في المبالغة، استغل ترامب سخونة الأحداث، وأطلق في مناسبة مرور سنة على هجوم حماس تصريحاً ينصّ على أن الانتخابات الأميركية المقبلة هي أهم يوم في تاريخ إسرائيل. وهو بذلك يريد القول إن انتخابه سيكون لصالح إسرائيل، على الضد من وصفه انتخاب هاريس بالتهديد الوجودي لإسرائيل. ويريد التأكيد على تبنّيه أهداف نتنياهو من الحرب، في حين ظهر إلى العلن الخلاف بين الأخير وبايدن، ومهما نأت هاريس بنفسها عن رئيسها، فمن المفهوم أنها تشاطره النظرة ذاتها إلى الحرب الحالية. وفي حال فوزها، قد تضغط على نتنياهو أكثر مما يتحاشى بايدن فعله حالياً لأسباب انتخابية.

يتوقف ترامب عند دعمه القوي لإسرائيل، أما تصريحات هاريس فتتبنى حل الدولتين. والمهم في هذا السياق أن خططها لا تتضمن العداء لإيران، باستثناء تصريحها الوارد في مستهل المقال، والذي ربما يفقد جزءاً معتبراً من جديته مع رفض هاريس، في المقابلة ذاتها، الجزم بأنها ستستخدم القوة العسكرية إذا ظهر دليل على بناء إيران سلاحاً نووياً. ومن المتوقع أن هاريس، إذا استأنفت سياسة سلفيْها الديموقراطيَيْن، ستكون مستعدة لإعادة الاتفاق النووي، متضمنة النفوذ الإقليمي الذي قبضته طهران كثمن أيام أوباما. بينما لا يطرح ترامب فرضية العودة إلى اتفاق سبق أن انسحب منه، ويدعم حرباً إسرائيلية صار في طليعة أهدافها تحجيم النفوذ الإيراني في الجوار. 

لعلها المرة الأولى في تاريخ الانتخابات الأميركية التي تتنافس فيها موسكو وطهران. وعلى هذا، يكتسب تصريح بوتين يوم أمس الجمعة مغزى غير اعتيادي، إذ قال إن العلاقات مع طهران أولوية بالنسبة لبلده. وأضاف: "نعمل معاً بشكل نشط في الساحة الدولية، ووجهات نظرنا تجاه ما يشهده العالم متقاربة جداً معظم الأحيان". تصريحات بوتين أتت بعد لقائه الرئيس الإيراني على هامش قمة إقليمية في تركمانستان، ويبدو فيها كأنه ينفي وجود تباين بين مواقف الحليفين، تبدأ من تفضيل كلّ منهما مرشّحاً للرئاسة الأميركية، لتصل إلى جبهة الجولان حيث يُفهم إخلاء القوات الروسية مواقعها في الجانب السوري من الجولان بمثابة انسحاب أمام توغلات إسرائيلية محتملة. الخبر السيء أن طرفاً منهما سيكسب بفوز مرشّحه الأميركي المفضَّل، والخبر الجيد أنهما لن يكسبا معاً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها