أما آن للفاجعة أن تتوقف

العرض التراجيدي مستمر، للاسبوع الثاني على التوالي، بلا جمهور.

تتكرر المشاهد وتتلاحق الصور، ومعها ترتفع الارقام الدالة على حجم الفاجعة التي اصابت ليبيا، والتي لا يزال يجري التعامل معها باعتبارها لعنة جديدة حلّت على الليبيين لتستكمل مساراً مأساوياً بدأ مع اسقاط معمر القذافي او مع ثورته على الملكية، ولم ينته بعد..مثله مثل المسارات المأساوية التي تمضي بها غالبية البلدان العربية الملعونة بتاريخها، وبالحاضر.

عن خلفيات ذلك العرض الموجع، قيل الكثير عن الطبيعة والعاصفة والسد والاهمال والفساد، وصولا الى العجز الظاهر حتى عن احصاء عدد القتلى والجرحى، والمفقودين، وهو أبسط عمل يفترض ان ينجز  بسرعة، ويتيح الانتقال الى المراحل التالية من المواجهة المريرة مع الكارثة الكبرى، التي لا يجوز وصفها بالكارثة الطبيعية، لأن الطبيعة تغضب، لكن الانسان العاقل مؤهل لتفادي غضبها، او على الاقل لتجنب الوقوع ضحية هذا الغضب.. بالاعتماد على بديهيات منطقية للاقامة والسكن والتنقل والتكاثر، والعيش بأمان نسبي على سطح الكوكب.

لم يخالف الليبيون أيا من هذه البديهيات، لكنهم دفعوا ثمناً إنسانياً باهظاً، أغرب ما فيه حتى الآن أنه لم يحصل على تصنيفه كواحدة من أسوأ الكوارث الانسانية في الزمن الراهن، لا من المجتمع الدولي ولا من قبل العالمين العربي والاسلامي، ولا من قبل بلدان جوار ليبيا..ولا حتى من الليبيين أنفسهم. الامر يبدو وكأنه عارض طبيعي، تفصيل صغير على هامش لوحة افريقية او عربية بائسة، يكاد يلامس حد اللامبالاة إزاء بلد يفتقر الى الحظ، او الفرصة في أن يكون في صدارة الاخبار ، وأن يحظى تالياً ، باستجابة خارجية توازي حاجته الماسة الى الاغاثة، أو تعادل الاستنفار  الذي  كان يتوقع ان يحصل، لو كان الفيضان انقلاباً عسكريا في ذلك البلد المعذب، الذي لم يتلق حتى الآن مقدار العطف الذي ناله المغرب في اعقاب زلزال الحوز الاخير ، او سوريا وتركيا في اعقاب زلزال شهر شباط فبراير الماضي، أو لبنان في اعقاب انفجار مرفأ بيروت.

 لكن كيف يمكن لليبيين أن يحظوا بمثل هذا الاهتمام، إذا كانوا هم انفسهم يقدمون مثالاً  عملياً جديداً على أن تكوينهم كشعبٍ واحدٍ هو مجرد خرافة، وعلى ان تصنيفهم كمجتمع موحد هو مجرد أسطورة.. وكلتاهما أخطر من فكرة غياب الدولة المركزية التي لم تبنَ في ليبيا طوال العشرية الماضية، ولن تبنى في العشرينات المقبلة، لأنها في الاصل كانت وهمية، رسمت حدودها الوطنية والاجتماعية على سراب.. مثلها مثل سبع دول عربية أخرى ليس لها وجود فعلي سوى على الخرائط المدرسية.

وفي ظل هذا الغياب الفاضح، يصبح الكلام عن مؤسسات الاغاثة والانقاذ والدفاع المدني، في ليبيا، كما في السودان واليمن وسوريا والعراق ولبنان، والصومال طبعا، مجرد خداع. كما يصبح الكلام عن الحاجة الملحة الى تشكيل هيئات عربية ودولية وجيوش جاهزة للتدخل الانساني السريع للقيام بمثل هذه المهمات الانسانية العاجلة، الناتجة فقط عن الكوارث الطبيعية المتفاقمة، وأرقام ضحاياها المتزايدة، تنظيراً أو تخريفاً.. أو ترفاً سابقاً لأوانه.

حتى الان، تحتل ليبيا مرتبة البلد الأقل حظاً ، من بين البلدان المنكوبة، التي لم تستجب لنداء الطبيعة وغضبها الشديد، مع انه شديد الوضوح والدقة: لا يمكن ان يستمر بلد من دون دولة ومن دون شعب ومن دون مجتمع. فات أوان الاتكال على العشيرة وفزعتها منذ زمن بعيد. غريزة البقاء التي يبدو انها معطوبة لدى سكان شرق ليبيا وغربها أيضاً، لم تعد قادرة على وقف هذا الانتحار الجماعي، وإنهاء ذلك العرض التراجيدي، الذي يتكرر في أكثر من بقعة عربية، معرضة لكوارث ناجمة عن تواطؤ البشر مع الطبيعة.