الظلامية التي توسم بها في العادة مختلف الحركات الاسلامية السلفية، من قبل رافعي مشاعل"التنوير" المزعومين، ليست تهمة ظالمة دائماً، ولا هي شبهة سياسية إعتباطية. فقد أثبتت تلك الحركات، في معظمها على الاقل، أنها عدوة النور والضوء، والكهرباء بشتى إستخداماتها..
تنظيم"الدولة الاسلامية في العراق وبلاد الشام" المكنى ب"داعش" هو المثال الفاقع على ذلك الانتماء للظلمة والعتمة، عدا عن الالتزام بالإرهاب والوحشية. فهو ما ظهر في أرض عراقية أو سورية إلا وجرّدها من الانوار ومصادرها المتعددة، وفرض على سكانها العيش في سواد تام. وهذا بالضبط ما فعله قبل يومين، عندما قرر فجأة، قبل يومين، أن يصب جام غضبه على خط الغاز العربي في وسط سوريا، الى الشرق من العاصمة دمشق، ويعمد الى تفجيره ما تسبب في قطع الكهرباء عن معظم المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الاسد لمدة يومين متتاليين، قبل ان تعود التغذية الى طبيعتها، أي نحو أربع الى ست ساعات من كل 24 ساعة.
ولكي لا يخطىء أحد في العنوان، فقد سارع التنظيم الى إعلان مسؤوليته عن العملية عبر حسابه الخاص على تلغرام، ووكالة أعماق الناطقة بإسمه، مع شرح مفصل، أكده النظام نفسه الذي أكد أنه تمكن من تصليح الاعطال في محطة دير علي والابراج القريبة منها، ونشر صوراً لعمال الصيانة وهم يقومون بأعمالهم.
وكما سبقت الاشارة، فإن "داعش" ترك بصماته السوداء على مختلف مصادر الكهرباء والطاقة في أكثر من موقع عراقي او سوري على مدى السنوات القليلة الماضية، في ما يبدو أنه تكتيك أمني خاص به، حيث كان يمهد لأي هجوم بإغراق المنطقة المستهدفة بالعتمة..بإستثناء الهجمات الانغماسية(الانتحارية) التي لم يكن منفذوها يميزون على الارجح بين الليل والنهار.
وهكذا، أعلن داعش، في توقيت مفاجىء ومريب، حقده الشديد على خط الغاز العربي، الذي أعيد فتح ملفاته في الاسابيع القليلة الماضية، بهدف إخراج لبنان من العتمة الكهربائية..ووجه كما يبدو ضربة متعددة المرامي، تستهدف من جهة قطع الطريق على أي تواصل نفطي مصري بالمشرق العربي، والشرق الاردني، وتستهدف أيضاً حرمان نظام الأسد من حقوق مرور الغاز في الاراضي السورية، وتستهدف أخيراً تعذيب اللبنانيين وإحباط آمالهم بالخروج قريبا الى النور. وربما إشتبه التنظيم كذلك، كما إشتبه كثيرون في أن الغاز العربي مصدره إسرائيلي وليس مصرياً، أو لعله أراد أن يلقن الاميركيين درساً، لأنهم تساهلوا مع تشغيل ذلك الخط وتجاوزوا عقوباتهم على النظام السوري.
وحسب التجربة، من المؤكد أن داعش لا يعرف المزاح. والارجح أنه سيكرر ضرب خط الغاز العربي، ولن يتورع عن اللجؤ الى ما هو أسوأ من القيام بعملية نظيفة لم تسفر عن سفك الدماء، بخلاف تقاليد التنظيم وأساليب عمله المتطرفة.. التي لن تقبل بأقل من قطع خط الغاز نهائياً ووقف المفاوضات والتفاهمات التي أفضت الى تجديد البحث في إعادة تشغيله بعد نحو عشر سنوات على وضعه خارج الخدمة.
التنظيم لا يمزح، ولا يفاوض أيضاً. وهي حقيقة ثابتة لا بد ان الدول الخمس او الست المعنية بإعادة تشغيل خط الغاز العربي تعرفها جيداً. وإذا كان هو الذي أراد بعمليته الاخيرة قبل يومين تعطيل البحث بالخط، فإن على لبنان أن ينسى ذلك الخيار، العربي_الاميركي_الاسرائيلي، لتشغيل معامله الكهربائية، ويبحث عن بدائل عملية سريعة. أما إذا كان النظام السوري هو الذي يقف وراء تلك العملية، فإن على لبنان ايضاً أن يدقق جيداً في أكلاف إستيراد الغاز العربي، وفي مطالب دمشق التي تنتظر منذ عشر سنوات مثل هذه الفرصة الذهبية، لكي تفاوض على فك الحصار المفروض عليها..حتى ولو إقتضى الأمر تمديد الظلام اللبناني لبعض الوقت.
داعش لن يفاوض ولن يساوم ولن يخدم أحداً. لكن سواه سيفعل بكل تأكيد.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها