قالت الناطقة بإسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا في 17 من الشهر الجاري أن موسكو قلقة لتدهور الوضع في لبنان. ورأت أنه منذ تكليف سعد الحريري في تشرين الأول/أوكتوبر العام الماضي، لم تتمكن القوى السياسية اللبنانية من التوصل إلى التوافق حول أسماء الوزراء في التشكيلة الوزارية. وقالت بأن ما يدعو إلى القلق هو أن الوضع الإجتماعي الإقتصادي الصعب في البلاد لم يزد إلا سوءاً خلال هذا الوقت. وقالت زاخاروفا بأن روسيا تدعو إلى حل جميع المسائل الملحة على أجندة السياسة الداخلية اللبنانية من قبل اللبنانيين أنفسهم في الإطار القانوني، وعبر الحوار للتوصل إلى توافق وطني عام دون تدخل خارجي. وأضافت "نحن نعتبر أن محاولات بعض القوى الخارجية تحفيز العمليات السياسية الداخلية البحتة من خلال التهديد باستخدام العقوبات تأتي بنتائج عكسية". وعبرت زاخاروفا عن الأمل في التوصل قريباً إلى التوافق على رئيس حكومة جديد بنتيجة إستشارات الرئيس ميشال عون مع البرلمان اللبناني.
وأضافت نوفوستي التي نقلت كلام زاخاروفا بأن لبنان يعاني منذ خريف العام 2019 أزمات إقتصادية وسياسية عميقة. واستقالت حكومتان خلال هذه الفترة: حكومة سعد الحريري على خلفية الإحتجاجات وحكومة حسان دياب بعد الإنفجار في مرفأ بيروت. وذكرت الوكالة بتكليف مصطفى أديب وإستقالته، ثم عودة الحريري "مرة أخرى" إلى موقع رئاسة الحكومة، والذي أعلن فور تكليفه عن إستعداده لتشكيل حكومة "على وجه السرعة" من أجل الإستفادة من المبادرة الفرنسية والحصول على الدعم، لكنه قدم إستقالته في 15 من الجاري "دون أن يشكل حكومة".
خلال الأشهر التسعة التي مرت على تكليف الحريري تشكيل الحكومة، بقيت موسكو تردد نقطتين ثابتتين في موقفها: دعم الحريري في تشكيل الحكومة بسرعة، والوقوف ضد أي تدخل خارجي في عملية التشكيل. وحين بدأ الفرنسيون يلوحون بفرض عقوبات على مسؤولين لبنانيين، أضافت موسكو نقطة ثالثة إلى السابقتين: التنديد بمثل هذه العقوبات وإعتبارها "تأتي بنتائج عكسية". وقبل تصريح زاخاروفا المذكور، كان الممثل الخاص للرئيس الروسي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ونائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف قد صرح في حديثه الهاتفي مع جبران باسيل في 13 من الجاري بأنه "تم التأكيد من الجانب الروسي على أنه ليس مقبولاً التدخل الخارجي في الشؤون اللبنانية الداخلية ومردوده عكسي ، ولا سيما التهديدات باستخدام عقوبات من بعض العواصم الغربية تقوض مبادئ الوحدة والسلامة الإقليمية وسيادة الدولة في الجمهورية اللبنانية".
وقالت نوفوستي إثر كلام بوغدانوف بأن رئيس دبلوماسية الإتحاد الأوروبي سبق أن صرح بأن نظام عقوبات الإتحاد الأوروبي على لبنان قد يقر آخر الشهر الجاري. وذكرت بكلامه السابق بعد زيارته بيروت بأنه يبدو له أن الأوروبيين معنيون في البحث عن تسوية النزاع أكثر من السياسيين اللبنانيين أنفسهم.
القلق الروسي من تفاقم الإنهيار اللبناني لا جديد يحمله، فما أن اندلعت إنتفاضة خريف العام 2019 حتى سارعت صحيفة الكرملين "vz" بعد ايام إلى تحديد الموقف منها بنشر نص عنونته بالقول "صراع جديد في الشرق الأوسط يهدد مصالح روسيا". ونقلت يومها عن خبير ترداده ما يقوله الأسديون وآخرون من السوريين بأن "لبنان دولة مصطنعة"، وأن وجود علم وممثليات دبلوماسية في الخارج ومقعد في الأمم المتحدة "لا يعني شيئاً". ووافق معه آخر بالقول بأن ظهور لبنان كان نتيجة سياسة فرنسا، وهو الدولة الوحيدة التي استمرت في الوجود من بين الدول الخمس التي أنشأتها فرنسا في سوريا آنذاك.
جوار لبنان لسوريا هو مصدر القلق الرئيسي لروسيا وخوفها على إستثمارها السوري الرئيسي في الشرق الأوسط. فقد نقلت الصحيفة يومها عن خبير ثالث تذكيره بوجود قاعدة بحرية حربية في طرطوس، وقال بأن اي إضطراب في لبنان سيترك أثره على الوضع السياسي الداخلي في سوريا، و"إذا ما اشتعلت (الحرب) مجدداً في لبنان، فلن يكون هذا لصالح سوريا وروسيا".
لكن ليس الإستثمار السوري وحده الذي يشكل نقطة الإرتكاز الأساسية للوجود الروسي في الشرق الأوسط، بل لبنان أيضاً هو نقطة إرتكاز أخرى لهذا الوجود تفسر، جزئياً، الحركة الدبلوماسية والإتصالات الروسية الناشطة أخيراً بإتجاه لبنان. والنفط اللبناني الموعود وإتفاقات الشركات الروسية بشانه مع الدولة اللبنانية ليس في آخر قائمة المصالح التي تفسر هذا النشاط الدبلوماسي الروسي، بل يتصدرها. فقد كتب موقع "News.ru" حين إندلعت إنتفاضة اللبنانيين 2019 نصاً بعنوان"إحتجاجات لبنان تهدد روسيا بخسائر". قال الموقع بأن روسيا تنظر بقلق إلى الأحداث في لبنان، فقد سبق أن وقع البلدان مذكرة تفاهم متبادل وتعاون في مجال النفط، ومنذ ذلك الحين والشراكة بينهما تتطور وتتعمق. ونقل الموقع حينها عن مصادر دبلوماسية في لبنان قولها بأن بيروت "مهتمة جدا" بتطوير التعاون الإقتصادي بين الطرفين وبمشاركة البيزنس الروسي في المشاريع اللبنانية الكبيرة.
وللوقوف على الموقف الروسي الرسمي من التطورات الأخيرة للإستعصاء اللبناني تواصلت "المدن" مع مصدر في موسكو وثيق الصلة بمؤسسات صناعة قرارات السياسات الخارجية الروسية. قال المصدر بان روسيا كانت تقف مع سعد الحريري لأنه كان المكلف بتشكيل الحكومة، لكنها الآن تقف مع من يتفق عليه اللبنايون لتشكيل الحكومة. فالأهم لروسيا ليس من يشكل الحكومة، بل الأهم هو الحفاظ على سيادة لبنان واستقلاليته ووحدة أراضيه. وهذه مهمة تقع على عاتق اللبنانيين وحدهم من دون أي تدخل خارجي في شؤون لبنان الداخلية.
وحين سئل المصدر عن موقف روسيا من الأحاديث التي تدور عن سعي الولايات المتحدة وفرنسا لوضع لبنان تحت اشراف الأمم المتحدة في القضايا الانسانية، قال المصدر بان روسيا لن توافق على وضع لبنان تحت إشراف الأمم المتحدة، وخاصة وضعه تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. ولن تتوانى موسكو عن استخدام حق النقض الفيتو فيما اذا طرحت المسألة في مجلس الأمن الدولي.
وقال المصدر بان روسيا تخشى في هذه الحالة ان تعلو أصوات تطالب بوضع سوريا تحت اشراف الأمم المتحدة، بل والصراع الفلسطيني الاسرائيلي تحت هذا الاشراف أيضا. فالوضع في سوريا برأيه أكثر تدهورا من الوضع في لبنان اقتصاديا ومعيشيا، وخاصة سياسيا. إذ في لبنان لا تزال القوى السياسية تتحاور مع بعضها، وثمة برلمان ومؤسسات حكومية لا تزال تعمل ولو بالحد الأدنى. وهذا كله لا يتوافر في سوريا. فالبرلمان والمؤسسات الحكومية هي تحت سيطرة النظام، ولا وجود للأطراف المعارضة فيها
وأضاف المصدر أن لروسيا تجربة لن تسمح بتكرارها عندما استخدم قرار مجلس الامن بخصوص ليبيا بالتفسير من قبل الولايات المتحدة و حلفائها في تدمير ليبيا. لذلك روسيا لن تسمح ان تتكرر هذه التجربة، وهناك قرارات صدرت من قبل الامم المتحدة بخصوص الازمة السورية واللبنانيه يجب تطبيقها, و روسيا تطمح لتعاون الولايات المتحدة للسير في حل الازمة السورية و اللبنانية على اساس قرارات الأمم المتحدة و مجلس الامن الدولي.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها