تصريح زاخاروفا وردت الإشارة إليه في سياق مقالة نشرتها صحيفة "kommersant" ، إحدى كبريات الصحف السياسية الروسية ، قبل يوم من الإنتخابات ، بعنوان "ليس لدى بشار الأسد إنتخابات أخرى". وتنقل الصحيفة عن العقيد فاتح حسون ، أحد القادة العسكريين للمعارضة ، قوله بأن أي شخص غير قريب من حزب البعث ليس لديه حظوظ للفوز في الإنتخابات . ويقول حسون بأن السوريين "اعتادوا على أن تعتبر أسرة الأسد سوريا مزرعتها ، وهي تختار المزارعين والحراس والتجار ، وكذلك من يأكل الثمار". وكيف يفكر أهل درعا بالإنتخابات ، يقول حسون للصحيفة ، بأن درعا التي كانت مهد الإنتفاضة السورية في العام 2011 ، تتأرجح في الأشهر الأخيرة على "حافة إنفجار جديد" .
السوريون الموجودون خارج البلاد لم يشاركوا في الإنتخابات ، وكان هذا أحد الأسباب ، التي جعلت البلدان الغربية تعتبر الإنتخابات غير شرعية ، إذ بنتيجة الحرب أصبح ربع سكان سوريا خارجها . إضافة إلى ذلك يعتبر الغرب أن إجراء الإنتخابات هو بمثابة إعلان من قبل دمشق عن رفض الإصلاحات السياسية ، خاصة على خلفية جمود عمل اللجنة الدستورية ، التي انطلقت في خريف العام المنصرم . وكان من المفترض أن اللجنة سوف تعمل بإشراف الأمم المتحدة على الإصلاح الدستوري ، الذي على أساسه سوف تجري إنتخابات نيابية ومن ثم رئاسية .
وتقول الصحيفة بأن تجربة عمل اللجنة الدستورية ، تثير المخاوف من أن المعارضة والسلطة لن تتمكنا من إيجاد حل وسط بشأن مستقبل سوريا قبل الإنتخابات الرئاسية في العام 2021 ، والتي ، كما يبدو ، سيشارك فيها بشار الأسد مجدداً . وهذا ما يشير إليه كلام وزير الخارجية السوري وليد المعلم الشهر المنصرم ، من أن الأسد سوف يبقى في السلطة "طالما أن السوريين يريدون له أن يبقى " . وهذا يعني بقاء العقوبات الغربية على دمشق ، وغياب الأموال اللازمة لاستعادة نهوض الإقتصاد السوري بعد الحرب مع القضايا الأخرى ، التي تواجه السلطات السورية .
وتنقل الصحيفة عن العضو السابق في وفد الحكومة السورية إلى المفاوضات في جنيف أسامة الدانورة قوله بأن "سوريا بحاجة للإنتخابات أكثر من أي وقت مضى . بعض البلدان ، التي تدعم الإرهابيين واحتلال سوريا المباشر، يراودها الأمل بتحويلها إلى دولة فاشلة" . وهذا الموقف تؤيده موسكو ، التي تعتبر الإنتخابات دليلاً على العمل الطبيعي لجميع مؤسسات السلطة ، كما يشير كلام ماريا زاخاروفا المشار إليه .
لكن المعارضة لا تتفق مع هذا الطرح للمسألة . وتنقل الصحيفة عن عضو اللجنة المصغرة للجنة الدستورية من قبل المعارضة صفوان عكوش قوله ، بأن "إجراء الإنتخابات في ظروف العزلة الدولية ، وتحت تهديد السلاح والضغط من جانب الأجهزة الأمنية ، ليس له من هدف سوى خلق الإنطباع بأن كل شيئ يسير كما العادة ، وليس من ضرورة لتغيير أي شيئ " . وأكد على أن الإنتخابات تجري عكس موقف مجلس الأمن الدولي ، الذي يقول بالإصلاحات السياسية وإجراء إنتخابات يستطيع المشاركة فيها ممثلو المعارضة أيضاً .
من جهته ، ينقل موقع وكالة أنباء مغمورة "Inforos" عن البروفسور في قسم الشرق المعاصر في "الجامعة الروسية للعلوم الإنسانية" يلينا ميلكوميان قولها ، بأنه لا يمكن تقويم الإنتخابات البرلمانية السورية التي جرت من جانب واحد . فمن جهة ، أجرى الأسد هذه الإنتخابات من أجل استقرار حكمه ، من أجل تأكيد شرعيته ، من أجل الإثبات بأن المؤسسات الرسمية أخذت تعمل ، وهذا ضمانة للإستقرار والتقدم . ومن جهة أخرى ، ولأن هذه الإنتخابات أثارت نقداً واسعا لها من جانب المعارضة ومن جانب بلدان غربية عديدة، فهذا سيترك تأثيره السلبي على الوضع في سوريا . هذا يعني أن الإستثمارات لن تأتي إلى سوريا ، ولن تتلقى المساعدة في إعادة الإعمار. فالإنتخابات إذاً، هي إجراء مجتزأ يعجز حالياً عن تقديم النتيجة المرتجاة لسوريا .
وترى ميلكوميان أن المصالحة السياسية في سوريا دخلت في مأزق الآن . فاللجنة الدستورية لم تتمكن من إنتاج صيغة ما ترضي الجميع . وتعتقد الكاتبة أن مثل هذا الموقف المتشدد للحكومة السورية وبشار الأسد ، الذي لا يريد تقديم أية تنازلات ، ويعتبر أن بوسعه الإحتفاظ بالسلطة دون إدخال أي تغييرات جوهرية ، بوسعه أن يترك لاحقاً أثراً سلبياً .
الكاتب السياسي الروسي من أصل فلسطيني رامي الشاعر، الذي دأب على نشر مقالاته في صحيفة الفاشيين الروس "zavtra" ، استبق الإنتخابات السورية ونشر في 15 الشهر الجاري مقالة بعنوان "على من ينبغي للشعب السوري أن يراهن" . يقول الكاتب بأنه يتكون انطباع بأن القيادة السورية ليست عازمة على اتخاذ أية خطوات عملية تشير إلى استعدادها لتحمل المسؤولية عن الوضع في البلاد . الآن ، وبينما أدت أحداث معروفة لتدهور الوضع الإقتصادي في سوريا ، وتراجع مستوى حياة الشعب السوري ، وبينما ينتظر الجميع التغيرات، وبالدرجة الأولى ، خطوات فعلية للإنتقال السلمي للسلطة ، ومحاربة الفقر والجوع والحرمان ومعاناة الغالبية الساحقة من السوريين ، يعلن الرئيس السوري بشار الأسد عن إجراء إنتخابات نيابية في 19 تموز/يوليو .
ويتساءل الكاتب عما يمكن أن تحمله للشعب السوري الإنتخابات ، التي من المؤكد أنها ستجري وفق السيناريو ، الذي كان في غضون 50 سنة المنصرمة ؟ أية تغييرات في النظام يمكن أن تطرأ نتيجة مثل هذه الإنتخابات ، إذا كان النظام لا يبقى على حاله ، وكذلك النهج السياسي للقيادة ، وآلية تحقيق هذه النهج في الواقع ، وإذا كانت الوجوه عينها تنشط على المسرح السياسي ؟ ألا يشير هذا الواقع إلى التجاهل التام للجهود المبذولة للتطبيق العملي لقرار مجلس الأمن الدولي 2254 ؟ ألا يشير ذلك إلى تجاهل الإرادة السياسبة ل"مجموعة أستانة" ، التي تمكنت من التوصل الى إتفاقية وقف إطلاق النار على كافة الأراضي السورية بغية تنفيذ بنود القرار 2254 ؟
للصراحة ، هذه الإنتخابات لن تغير شيئاً في حياة الشعب السوري ، برأي الشاعر . فغالبية السوريين لم تعد تصدق النظام الحاكم ، ولا نهجه المتبع ، ولا آلية اتخاذ القرارات . فكيف يمكن للشعب أن يصدق قيادته ، حين تُقيل رئيس الوزراء ، الذي ترأس الحكومة أربع سنوات ، وفق تهم غير مفهومة له ؟ كيف يمكن للشعب أن يصدق القيادة ، حين يقدم رئيس الوزراء على الإنتحار بإطلاق ثلاث رصاصات على رأسه؟
وبقول الكاتب ، بأن الشعب السوري ليس الوحيد الذي لا يصدق سلطات البلاد ، بل لا يصدقها أيضاً المجتمع الدولي ، الذي يتعامل مع ذلك مع النظام السوري كممثل وحيد شرعي للشعب السوري ، مؤكدا بذلك ضرورة الحفاظ على سيادة سوريا ووحدة أراضيها ، ومتفادياً الفوضى ، التي تهدد المنطقة في حال أصبحت سوريا دولة مفلسة.
وبعد أن يشمل الكاتب تساؤلاته الإتهامية هذه للنظام ، يقول بأن حال المعارضة ليس أفضل بكثير من حال النظام . ويعبر عن قناعته ، بأن السعودية وتركيا ، اللتين توجهان المعارضة ، كان من شأنهما أن تحترما إرادة الشعب السوري ، في ما لو التزمت المعارضة موقفاً مبدئيا ، وعبرت في المقام الأول عن مواطنيها.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها