يعتقد المجتمع الدولي اليوم أنه حقق انجازاً ضخماً بوضع الأزمة السورية على طريق الحل النهائي، بعدما أصدر مجلس الأمن، بياناً رئاسياً "مفاجئاً"، أقر فيه ما قال إنها خطة للحل السياسي في سورية، اعتبرت الخطوة الأولى من نوعها منذ نحو عامين، في السعي إلى إنهاء الكارثة الإنسانية التي ولدتها الحرب الدائرة في سورية. تؤكدها المساعي الدبلوماسية الروسية الجارية. التحرك الأخير، ليس كسابقاته، خاصة وأنه أسفر عن اتفاق بين وزيري الخارجية الروسي والأمريكي. اتخذ طابعاً عملياً مع وصول ثلاثة زعماء عرب إلى موسكو: الرئيس المصري، والعاهل الأردني، وولي عهد أبو ظبي، ما شكل أهم حراك دبلوماسي على مستوى القمة، للتباحث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بشأن الملف السوري، سيسهم في إيجاد حل سياسي يشمل جميع الأطراف، ويضمن الاستقرار لهذا البلد الذي عانى الكثير، هذا حسب الدبلوماسية الروسية.
بلا ريب، يعتبر هذا التحرك الأكثر جدية، بعدما فوضت أمريكا الروس بحل الأزمة التي قاربت خمس سنوات من دون أن تحرز أي تقدم يذكر. يستمد نجاحه من استبعاد السوريين منه، لأنه إذا كان هناك من سيعمل على عرقلته، فالسوريون أنفسهم، لأنه لا مصلحة لهم فيه، فروسيا التي أُسند إليها دوراً محورياً، غير موثوق بها، بعدما سجلت اربع فيتوات في مجلس الأمن، وعومت النظام السوري على مدار سنوات الثورة، وزودته بالسلاح والخبراء. بكل جلاء أسهمت في تأزيم الأزمة، بوقوفها إلى جانب النظام، وما لعبها دوراً رئيساً في الحل إلا على سبيل الاجهاز على معارضة السوريين لنظام لم يوفر وسيلة لقتلهم وتجويعهم ونهبهم وتشريدهم لم يقدم عليها.
حجة اوباما المتكررة في الانسحاب من معالجة الأزمة السورية، وعدم التدخل فيها، هو المبدأ الذي عمل عليه طوال مدة رئاسته وهو إخراج أمريكا من حروبها الخاسرة (أفغانستان والعراق)، وعدم الدخول في حروب جديدة، حتى أنه لا يريد توريط أمريكا وحدها بالحرب ضد "داعش"، وإنما سيحتل حيزاً رئيسا في التحاف ضد الارهاب. بالتالي لا يرغب أن يكون منقذ سورية من الطغيان، مصالح أمريكا تراجعت في المنطقة... لأوباما الحق في ذلك وليس للعرب مناشدة أمريكا، ولو كانت الدولة الأعظم، فالدواعي الأخلاقية لا تحكم سياسات الدول. لاسيما وأن سورية بدت أشبه بكمين عسكري للإيقاع بأمريكا بحجج أخلاقية وسياسية واستراتيجية... ما يكلفها خسائر في الأرواح والأموال والوقت والموارد. لذلك بدا قرار أوباما في منتهى الحكمة لمؤيدي عدم التدخل. غير أن اوباما في الواقع لم يكن بعيداً عن الأزمة السورية، سواء حين هدد بالخطوط الحمراء، ثم تراجع عنها، وتعهده المراوغ بألا يكون للأسد دور في مستقبل سورية، ثم تدريب المقاتلين وعدم حمايتهم، ومنع السلاح عن المعارضة، وإيقاف تقدم الفصائل الاسلامية المسلحة، وتوجيه التحذيرات إلى تركيا والسعودية بعدم دعم للمعارضة.... أخيراً تفويض روسيا بحل الأزمة السورية... أمريكا لم تكف عن التدخل منذ بداية الأزمة إلى الآن، حتى حين كلفت روسيا بالحل، ما يشير إلى وصايتها الفعلية على الأزمة سواء بتعقيد الحل أو وضع العقبات لتأجيله.
للشعوب ذاكرة، لا ينسى العرب المواقف الأمريكية من أي محاولة للتحرر، العرب تحت سن الرشد حسبما تعتقد أمريكا، فلم توفر وسيلة لإجهاض أي نهضة عربية شاملة، لو أن الوحدة بين سورية ومصر لم تنفصم، ترى هل كان لهذا الانحطاط والتدهور الحاصلين أن يكونا الوجه المعتم للعالم العربي اليوم؟ إذا كان السوريون قد حملوا ذكرى طيبة لروسيا لوقوفها معهم سواء كان لمصالحها، أم لاعتبارات نضالية، فقد ساروا على هدي أيديولوجيتها، ما أتاح لهم التقهقر على وقع انهيارها. بعد تحرر الروس من شمولية الدولة، لم يطل الوقت عندما نفضت روسيا عنها الحرية وتحولت الى عدوة للحريات، وكان أسوأ تطبيقاتها الجديدة على السوريين الذين كرهوها كما يجب أن تكون الكراهية لمجرم ساعد على قتلهم بجميع الوسائل. وإذا كان السوريون قد وقفوا إلى جانب الثورة الإيرانية ضد حكم الشاه، فلأنها كانت ثورة عادلة، فكافأتهم بتسليط حزب الله عليهم، وتبرير قمع ثورتهم بالدفاع عن المراقد المقدسة، وشق المجتمع السوري إلى طوائف متناحرة عبر التجييش المذهبي.
تنحو أيران إلى اسباغ الراية الشيعية على دمشق كعامل فرقة تفصل الشيعة عن مجتمعها، الدمشقيون خاصة لا يجهلون البتة ان الشيعة كانوا دائماً جزء لا يتجزأ منها، وأكثر من أسهم في التكافل الاجتماعي. تعمل إيران على فصلهم عن سوريتهم، وتحويلهم إلى أجهزة تدمير للوئام الأهلي، وتدعم هذا الشقاق بالميليشيات المسلحة القادمة من إيران التي يحلو لمسلحيها ممارسة طقوسهم الدينية الاستفزازية بنشر الأغاني والاشعار الداعية إلى الثأر لآل البيت، وقتل السنة، تُبث عبر مكبرات الصوت التي تجوب الاحياء الدمشقية.
روسيا وإيران، الأولى مكلفة من أمريكا بإيجاد حل للأزمة السورية رغم أنها سبب استمرارها، وإيران مكلفة أيضاً بالمساهمة بالحل على أنها جزء منه لا سببه. في هذه الحالة، لن يكون الحل إلا ضد وحدة السوريين. من حسن الحظ، الذي لا يصادف سورية إلا نادراً، ان المساعي الديبلوماسية لا تطرح خطة واضحة للحل السياسي، بقدر ما هي مستحيلة، على الرغم من بيان مجلس الأمن، وخطة ديميستورا، والجهود الروسية، والمبادرة الإيرانية، والانسحاب الأمريكي الكاذب. الأمل معقود على السوريين أنفسهم، ولا ننسى العرب، سورية ليس معركة السوريين وحدهم. إنها معركة العرب التي بدأت، بعدما تأجلت طويلاً.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها