بعد هذه الكلفة الهائلة من الدمار والقتل وتوالي ارتفاع أعداد الشهداء والمعتقلين والمفقودين، يبدو هذا السؤال مؤرقاً. فقدت سوريا زهرة شبانها، واستبيحت أعراض نسائها، ولم يوفر أطفالها من الرعب والتشويه والموت. السؤال مشروع، خصوصاً أن الحرب تبدو بلا نهاية، بعدما أسهمت في هذه اللانهاية تدخلات حولت سوريا إلى ساحة للقوى الإقليمية والدولية الكبرى والصغرى، وطغيان الجماعات المسلحة الأصولية على المشهد السوري المعارض، طبعاً كان تضخيمها مبالغاً فيه، استثمره الإعلام، إضافة إلى أن تحركاتها على الأرض ونتائج تلك التحركات، باتت أكثر من مدوية، تفوق الجعجعة الإعلامية. ففي الإعدامات الميدانية، وأكل قلب الجندي، وإعدام الولد المتهم بالكفر... دلائل صاعقة على أن الشريعة ستستخدم للقتل، مثلما يستخدم النظام الوطن، لإحداث أكبر قدر من القتل بالبراميل المتفجرة وغيرها.
ما يؤكد على السؤال نفسه وإن بصيغة أخرى، ما الذي حلّ بالثورة أو الانتفاضة والاحتجاجات، وأين موقعها في المشهد السوري الذي تتجاذبه دعوات التفاوض في جنيف 2 بموعد خاضع للتحولات الآنية، يقترب ويبتعد، على وقع التقدم والتراجع على الأرض، والاشتراطات التعجيزية للروس والإيرانيين، واللامبالاة الأميركية، ودخول حزب الله المعركة تحت دعوات مذهبية، وبتغطية من شعارات مقاومة؟ هذا المشهد الأخير، ستتلوه مشاهد أخرى أخيرة، تقوم على إعدادها دول لا تعرف حتى الآن ما الذي تفعله، إذا كانت تدافع عن سوريا التي كانت، فهذه تمزقت. المواقف قابلة للتبدل من يوم لآخر حسب المصالح، دونما أي إحساس بالمسؤولية نحو السوريين الذين يعيشون تحت وطأة القصف والنزوح والموت اليومي، معاناتهم لا تؤخذ في الحسبان.
ضاعت البوصلة التي جهدت غالبية الأطراف في تضييعها، وبات ما ثار من أجله السوريون، آخر ما تفكر فيه الأطراف الفاعلة وغير الفاعلة، وكأن الثورة تلاشت في أجندات الخصوم، وباتت عرضة للمساومات والتنازلات بصرف النظر عن أصحابها. بعد أكثر من سنتين على اندلاع الثورة، يمكن القول إن الثورة التي نجحت في زعزعة النظام، لم تنل منه، بالرغم من وقوف غالبية بلدان العالم معها، من خلال مواقف دعائية لا عملية. كان من نتائجها حصول تراجع نسبي في الداخل السوري، ببروز طيف بات واثقاً من أن النظام باق، ولا جدوى من محاربته، لا سيما بعد مذهبة النزاع. فهل كانت الثورة ضرورية؟
من هذا المنظار، باتت الثورة دخيلة على المشهد السوري ما دام هناك من ينشد نهاية سريعة لصراع تبدو تكاليفه دون مردود، ووطن تحول مصيره إلى مزايدات، لا يبشر بمتغيرات إيجابية، وإن على المدى الطويل، بات الحل لدى النظام يوفر على البلاد حرباً باتت عبثية... فوداعاً للحرية، وأهلاً بالسلام.
تحت واجهة براقة مماثلة، كان الاستقرار والأمان الذي حظيت به سوريا في زمن ما قبل الثورة، عكسه النظام على السوريين بقدر من الجرائم، امتلكت قوة الواقع، ومع مرور الزمن أصبحت جزءاً منه. ولم يكن قمع تمرد حماة 1982، بتلك الصورة الوحشية، إلا حلقة من مسلسل حملات ترهيبية، كانت في أغلبها تأديبية، استباحت سورية من أقصاها إلى أقصاها، وزرعت الخوف في قلوب الأهالي، لا حصانة للمواطن، أقل شبهة تعرض المشبوه وغير المشبوه لأشد أنواع المساءلات والتعذيب. غطرسة القوة أورثت النظام يداً طليقة أذاقت الناس صنوف الإذلال حتى من دون سبب.
بالعودة إلى السؤال عنوان المقال: لنتذكر أن الثورة قامت دفاعاً عن الكرامة. وما دام النظام يدوس على الناس ويقتلهم، فدواعيها ما زالت قائمة. كان بالإمكان تجنبها في الشهور الأولى. لكن النظام طوال ما يزيد عن سنتين، لم يترك للشعب خياراً آخر سوى الاستمرار فيها... الثورة السورية كانت وما زالت ضرورية.