يجيد بعض وسائل الإعلام ومواقع الأخبار الفلسطينيّة اللعب على وتر العلاقات الاجتماعيّة وتجييرها لكسب مزيد من المتابعة والاهتمام. هذا النقل البراغماتي لسباق الشّارع وأحاديث الغرف المغلقة إلى فضاءات الشبكة العنكبوتيّة وصالونات "فايسبوك" لا يبدو أنّه يفقد، تحت وطأة التجربة والتكرار، شيئًا من قدرته على إحداث الضجّة.
إذ أطلقت "دنيا الوطن"، وهي صحيفة فلسطينيّة الكترونيّة،
استفتاء لاختيار "الأفضل" في العام 2013، سواء كان ذلك على صعيد الشخصيات السياسيّة، الناشطين، المطربين، المؤسسات الأكاديميّة أو حتى نوادي كرة القدم. هذا النوع من "المناظرات الالكترونيّة" ليس جديدًا إذ دأبت "وكالة معًا الإخباريّة" على القيام بفعاليّة شبيهة في كلّ عام.
بيان "دنيا الوطن" الذي أعلن ومهّد الطريق أمام هذ الاستفتاء أكّد أنّ الموقع الذي يحتلّ الصدارة في فلسطين من حيث عدد المتصفحين (وهذه في حدّ ذاتها مفاجأة) انطلق من ايمانه بأهميّة الدور الذي يقوم به قرّاء الموقع في تشكيل رأي عام حقيقي على طريق التأثير في مجريات الأحداث الفلسطينيّة والعربيّة. أمّا اختيار الشخصيّات التي يربو عددها على المائتين فقد كان، حسب البيان، بناء على ما لعبته تلك الشخصيّات من أدوار مهمة طوال العام الفائت.
وبغضّ النظر عن مصداقية وواقعيّة ما جاء في البيان، إلّا أنّ الاستفتاء الذي سيستمرّ شهرًا كاملاً بدأ يحرّك، ولا غرابة، الماء الالكترونيّ الرّاكد. البعض عبّر بصراحة عن امتعاضه من هذا الاستفتاء الذي هو، في صميمه، ليس سوى فكرة بالغة السذاجة. في حين انبرى آخرون للحشد وتجيير المريدين في هذا الاستفتاء الذي فيه ما فيه من خلط الحابل بالنابل واستثارة للجبهويّة الالكترونيّة. آخرون لابدّ شعروا بمسّ من الحزن لغياب أسمائهم عن القوائم.
ولكن، كيف فعلاً تمّ اختيار المرشحين؟ وعلى أيّ أساس؟ ولماذا تظلّ هكذا اشتغالات الكترونيّة قادرة على جذب الاهتمام رغم اتّسامها بالرتابة وتماثلها المريب مع بؤس الواقع الفلسطيني على كافة أصعدته؟ الاجابة على كافة تلك الأسئلة، بلا شك، حمّالة أوجه. لكنّ كميّات هائلة من "الفهلوة" والتهريج البعيدين كلّ البعد عن "الايمان بدور القرّاء" لابدّ في صميم متطلبات انجاز استفتاء كهذا، بهذا الشّكل وبهذه الماهيّة.
فلولا التهريج والفهلوة والسياسة منزوعة الكافيين، ما كان يمكن، مثلاً، لجليلة دحلان التي لا يعرف أحد عنها شيئًا أن تتجاوز في فئة واحدة مع ليلى غنّام محافظة رام الله، ولا لأحمد سعدات أن يجاور رامي الحمدالله. وما كان يمكن، مثلاً، أن يوضع خضر عدنان بين وزراء ومدراء وعمداء في فئة واحدة. وما كان يمكن لنبيل عمرو أن ينافس لمى خاطر على اللقب نفسه، ولا كان لمحمّد السادس، ملك المغرب، أن يجاور بشّار الأسد في المنافسة على لقب أفضل سياسي عربي. أليس تهريجًا أن يجري إفراد فئة خاصة لأفضل برلماني فلسطيني والبرلمان الفلسطيني لم ينعقد منذ سبع سنوات؟
أمّا في الفئات ذات العيار الفلسطيني الثقيل "من هو أفضل فصيل؟ من هو أفضل سياسي؟" فلا مفاجآت. إنّها المناطحة الكلاسيكيّة المعهودة بين "فتح" و"حماس"، محمود عبّاس واسماعيل هنيّة. هذه المنافسة الشعبويّة التي تمثّل مقطعًا عرضيًا للسياسية الفلسطينيّة باعتبارها حالة تفضيل شخصيّ وقبليّة خفيفة التركيز.
وأيًا تكن النتائج، سيعكف كثيرون على تطويع الشبكات الاجتماعيّة للإدلاء بدلاهم في شأن الاستفتاء العظيم. مدخلات "فايسبوك"، تغريدات داعمة، تغريدات ناقمة، وتغريدات لا تعرف ماذا تريد. في معرض اختيار "الأفضل" في هذه الصحراء الافتراضيّة الفلسطينيّة، بدءًا من سيادة الرئيس، مرورًا بعبد الفتاح السيسي ومحمّد عساف والوليد بن طلال ونادي شباب الخليل، كان الله في عون "الفايسبوك" وعصفور "تويتر". ومبروك مقدمًا للفائزين!