الإثنين 2024/06/10

آخر تحديث: 14:05 (بيروت)

نقيب الفنانين السوريين وقد "فَقَد وعيه العقائدي"!

الإثنين 2024/06/10
نقيب الفنانين السوريين وقد "فَقَد وعيه العقائدي"!
محسن غازي في مجلس الشعب
increase حجم الخط decrease
بتهمة "عدم القدرة على رفع وعيهم العقائدي، التنظيمي، والسياسي" فرض حزب "البعث" الحاكم في سوريا عقوبات على مجموعة من نوابه في مجلس الشعب، من بينهم نقيب الفنانين محسن غازي ونقيب المهندسين غياث قطيني، ما يظهر مدى نوعية الولاء المطلوبة في سوريا الأسد للبقاء في دوائر السلطة، واللغة الخشبية التي مازالت "القيادة الحكيمة" تستخدمها.

وأصدرت القيادة المركزية للحزب المتفرد بالسلطة منذ العام 1963، مذكرة داخلية تم تسريبها، نصت على فرض عقوبة خفض مستوى العضوية العاملة لمدة عام في حق أعضاء 19 نائباً بعثياً من بينهم غازي (63 عاماً) الذي يحضر اسمه باستمرار في الإعلام والنقاشات العامة بسبب طبيعة عمل نقابته في نطاق الفن والثقافة، وتحديداً الدراما السورية. ويعني ذلك حرمان أولئك النواب من المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، مهما كانت شكلية أصلاً.



وهذه هي المرة الأولى التي يصدر فيها الحزب قراراً من هذا النوع طوال عقود من التحكم بالسلطة في البلاد، لكن البيان لم يحدد بالطبع ما هي المخالفات والتجاوزات التي قام بها النواب أصلاً، لكن اللغة الخشبية الثقيلة التي يتم بها فرض العقوبة، تشرح الكثير ربما، بالنظر إلى تصريحات سابقة من قيادة الحزب بخصوص مجلس الشعب والحكومة والأداء العام للنواب المثاليين وتعريف القيادة لـ"الرفيق البعثي الخلوق".

ففي العام 2021، بعد نحو عام من الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وجهت قيادة الحزب توجيهات لنوابها بعدم انتقاد الحكومة السورية لأن أي نقد للحكومة يعني نقداً غير مباشر للرئيس بشار الأسد، حيث أبدى النظام منذ ذلك التاريخ حساسية متزايدة للحديث عن السلبيات في القطاع الخدمي والاقتصادي تحديداً مع هدوء ساحات المعارك في البلاد وعدم وجود "حرب كونية" يمكن إلقاء اللوم عليها لتبرير الفقر والجوع وغياب الكهرباء والماء وانتشار الفساد وغيرها من المشاكل، ما أفضى إلى اعتقالات طاولت إعلاميين موالين وناشطين محليين ومواطنين عاديين تذمروا من الحياة في مواقع التواصل الاجتماعي، فيما كان مجلس الشعب ينتقد الحكومة من حين إلى آخر، من دون تغيير يذكر بطبيعة الحال.

وحينها اتهمت قيادة "البعث" النواب الذين ينتقدون الحكومة بأنهم "لا وطنيون"، وتم تحذيرهم من أنه في حال استمرارهم بانتقاد الحكومة فإنهم سيواجهون الإبعاد عن المجلس في الانتخابات البرلمانية المقبلة. ويبرز في هذا السياق النائبان المعاقبان، حيدر عبود ورانيا حسن، كونهما من بين الموقعين على عريضة طالبت باستجواب الحكومة في تموز/يوليو الماضي. أما غازي وقطيني، فلم يُعرف السبب الذي أدى إلى معقابتهما رغم أنهما يقودان مؤسسات حكومية، مع انعدام الشفافية في دولة مثل سوريا التي تحتل المرتبة 178 ضمن مؤشر الفساد الصادر عن "منظمة الشفافية الدولية".

وفيما فسرت وسائل إعلام معارضة استهداف النقيبين بعدم تصويتهما على قرار حجب الثقة عن النائب الآخر فؤاد علداني، إثر تورطه بقضايا عديدة أدت إلى توقيفه ومثوله أمام القضاء قبل أشهر، فإن الموالين للنظام السوري في مواقع التواصل قالوا أن المشهد يظهر نوعية محاربة الفساد في البلاد والتي تطاول حتى نواب السلطة في مجلس الشعب، وكرروا سردية النظام التي تفيد بأن الرئيس بشار الأسد يحارب الفساد وحيداً منذ وصوله للرئاسة العام 2000 إثر وفاة والده حافظ الأسد الذي أيضاً حارب الفساد طوال ثلاثة عقود من حكم البلاد إثر انقلاب عسكري العام 1970، من دون تحقيق أي نتيجة تذكر.

والسؤال الذي كان حاضراً بين السوريين هو كيف يمكن لشخصيات مثل غازي وقطيني الوصول إلى مراتب عالية أصلاً في حكومة النظام وتقلدهم قيادات نقابية، إذا كانوا بعيدين من "الوعي العقائدي والتنظيمي" الذي يعطيه حزب "البعث" أولوية كبرى في خطابه الرسمي كصفة حاضرة حتماً في أعضائه الملتزمين ممن يتسلقون السلم الوظيفي بسبب جدارتهم وامتلاكهم لذلك الوعي فقط؟ والجواب هو الضحك طبعاً لأن المشهد ككل يظهر معنى الحياة في دولة شمولية من جهة، خصوصاً عندما يتم طرح نظريات بأن الرئيس الأسد "يقود حزب البعث إلى صيغة متطورة من الديموقراطية في العمل الحزبي"، بحسب تعبير الأمين العام المساعد للحزب ابراهيم الحديد، مؤخراً.

وسخرية السوريين من نواب مجلس الشعب ليست جديدة، لأن المجلس هو واجهة للنظام السوري وطريقة لتصدير فكرة وجود "الديموقراطية الحقيقية" في سوريا وليس في الدول الغربية التي "تتشدق بالديموقراطية" وهي جملة تتكرر في الإعلام الرسمي وشبه الرسمي، يومياً. وتجري الانتخابات البرلمانية كل 4 سنوات، لكن السوريين لا يأخذونها بجدية، لأنها مجرد مسرحية يقوم بها النظام لا أكثر، حيث تكون لوائح الناجحين مجهزة سلفاً في فروع المخابرات والأمن، فيما تكرر مشاهد إجبار الموظفين والمواطنين على التصويت أمام الكاميرات، في كل دورة انتخابية.

لكن عدم التفات الإعلام الرسمي نهائياً للموضوع، يجعله بعيداً من تلك الدعاية الفجة، وأقرب لموضوع العقاب على تصرفات سابقة، مثل انتقاد الحكومة أو خلافات داخلية متعلقة بعدم تنفيذ أمر من الأوامر، في بلد تتشابك فيه المصالح والنفوذ والولاءات الأمنية بشكل يقود إلى تفشي الفساد. ومع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية الجديدة، تعود أسطوانة محاربة الفساد والإصلاح الإداري للدوران مع تقديم أسماء جديدة إلى المشهد، من أجل خلق الوهم بوجود تغيير ما في البلاد.

كما أن العقوبات نفسها صغيرة ولا تشكل تغييراً كبيراً يصل إلى درجة القول أن النظام السوري يحاول تقديم رسائل سياسية للداخل والخارج مع محاولة تعويم نفسه عربياً ودولياً بعد سنوات من الجمود في الملف السياسي السوري إثر ثورة العام 2011 التي انقلبت بسرعة إلى حرب أهلية، رغم أن تلك النظرية كانت حاضرة في مواقع التواصل الاجتماعي.

وغازي تحديداً هو مثال على حجم ذلك "التغيير". فهو ممثل ومغنٍّ مغمور يتحدر من محافظة حماة وسط البلاد، وعمل في الإخراج الإذاعي والغناء والتمثيل، ويحمل إجازة في الفنون المسرحية - قسم التمثيل العام 1984. وشغل منصب رئيس فرع ريف دمشق لنقابة الفنانين بين العامين 1998 و2006، ثم عضو مجلس النقابة المركزي (2008 – 2020)، وكان نائب نقيب الفنانين بين 2008 و2014،إضافة إلى عضويته في مجلس الشعب لدورتين تشريعيتين، الأولى من 2012 وحتى 2016، والثانية حالية بدأت في 2020 وتنتهي في 2024.

أما ترؤسه لنقابة الفنانين منذ وفاة سلفه زهير رمضان في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، فهو بحد ذاته منصب تافه ولا يستحق الاهتمام إلا أنه حظي بشهرة واسعة طوال فترة ترؤس رمضان للنقابة منذ العام 2014، بسبب تصدير المواقف السياسية وتقديم التشبيح كطريقة لإدارة الفن في البلاد بعد الثورة السورية، حيث تم فصل مئات الفنانين السوريين بسبب آرائهم السياسية، وتحولت النقابة إلى فرع أمني بكل ما تحمله الكلمة من معنى، مع تسليط الضوء عليها بسبب علاقتها بالفنانين الذين يعملون أصلاً تحت الأضواء.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها