"تفاؤل حذر"، هو العنوان الأبرز في الصحافة العبرية بشأن مستجدات مفاوضات وقف إطلاق النار في لبنان، على ضوء مباحثات المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين في بيروت بموجب مقترح قُدّم أخيراً.
وهذا ما لخصه مصدر أمني إسرائيلي للتلفزيون العبري الرسمي، إذ أعرب عن "تفاؤله الحذر"، لكنه قال إن هناك فجوات بين الجانبين، وتعمل الأطراف على تسويتها.
وأجمعت المعالجات الإعلامية العبرية على حصول تقدم في المفاوضات، ليس فقط لأنها تتمحور حول شيء مكتوب، وإنما أيضاً لموقف إيجابي "مبدئي" أبداه حزب الله ومعه الدولة اللبنانية إزاء المقترح الأميركي، رغم الفجوة مع إسرائيل بخصوص بعض البنود والشكوك والمخاوف المتبادلة.. لكن القراءات العبرية بدت غير حاسمة لمسألة نجاح جهود هوكشتاين، ولاحتمالات قرب الاتفاق أو بعده، كما طرحت تساؤلات بشأن نجاعة الاتفاق حال التوصل إليه، فهل سيكون "هزيلاً" أم "متيناً"؟
مفهوم إسرائيل لـ"حرية العمل"
لا ينحصر مفهوم إسرائيل لـ"حرية" عملها العسكري بموجب الاتفاق المنشود، لا ينحصر في "حرية الهجوم" بحجة اختراق حزب الله للاتفاق، بل أيضاً "حرية المراقبة الجوية لكل شيء في لبنان"، بذريعة أن تل أبيب لن تعيد تجربة الاعتماد على آخرين في ما يخص أمنها.
وهذا ما يُستنتج مما ذكرته صحيفة "إسرائيل هيوم" المقربة من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إذ بدت مشككة بالاتفاق، بوصفها إياه "مليئاً بالثغرات"، رغم ما قالت إنه "التفاؤل المتدفق من واشنطن وبيروت أخيراً". واستندت الصحيفة اليمينية في زعمها، إلى ما حملته الساعات الماضية بشأن الخلافات الإسرائيلية-اللبنانية، معتبرة أنها "ما زالت مانعة لإتمام الاتفاق القاضي بإنهاء الحرب في الشمال".
ووفق "إسرائيل هيوم"، تدور الفجوة الرئيسية حول مطالبة إسرائيل بحرية العمل الكاملة في لبنان مستقبلاً، بما يشمل "مهام التصوير وجمع المعلومات الاستخباراتية التي يقوم بها سلاح الجو، وصولاً إلى الهجمات الإسرائيلية جواً وبراً، إذا انتهك حزب الله الاتفاق".
لكن الصحيفة لفتت الى أن آلية التنفيذ تمنح بيروت فرصة للتعامل أولاً مع "خروق حزب الله" المزعومة، قبل أي تدخل إسرائيلي مباشر.
اعتبارات عسكرية لقبول الاتفاق!
بدورها، توقفت هيئة البث العبرية عند "الاعتبارات" العسكرية الإسرائيلية "المطلوبة" في الاتفاق، والتي إذا لم تتوفر ربما ستؤدي إلى رفض الكابينت الإسرائيلي للاتفاق مع لبنان.
واستهل المراسل العسكري الإسرائيلي، إيال عاليما، إجابته خلال إفادته التلفزيونية، بالتنويه الى أنّ صيغة مقترح الاتفاق تشبه بشكل أو بآخر، صيغة القرار الأممي 1701 الذي صدر العام 2006 إثر حرب لبنان الثانية.
وقال عاليما إنه بالنسبة لقيادة الجيش الإسرائيلي، هناك شرط أساسي، يتمثل بـ"فرض" التفاهمات المحتملة، مضيفاً أن الجيش يريد إجابة ضامِنة وحاسمة للسؤال عن "مَن المسؤول عن فرض تطبيق التفاهمات ومبادئ وقف إطلاق النار؟".
وتابع عاليما أن هناك "إجماعاً إقليماً ودولياً" على إبعاد حزب الله إلى ما وراء الليطاني، وعدم تمكينه من إعادة بناء قدراته العسكرية، لكن إسرائيل تطالب بأن تكون لها "القدرة والحق في فرض التفاهمات إذا انتهكها حزب الله"، حسب تعبيره.
فرض حظر تهريب السلاح
وفي السياق، تطرق عاليما أيضاً إلى نقطة أساسية من ناحية الجيش، وهي "فرض" منع "تهريب" السلاح إلى حزب الله، مشيراً إلى طائرات مقاتلة إسرائيلية تحلق بشكل مستمر لمراقبة الحدود السورية اللبنانية، وأيضاً البحر، والسؤال، وفق عاليما، هو "من يفرض الحظر إذا تم التوصل إلى اتفاق؟ وهل تستطيع إسرائيل القيام بعمليات برية أو جوية؟ واستدرك المراسل العسكري، بأنّ هذه هي النقطة الخلافية "الأكبر" بين لبنان وإسرائيل.
والحال أنّ هناك رأياً آخر في تل أبيب بخصوص نقطة الخلاف هذه، وتكمن في أن إسرائيل بنهاية المطاف ليست بحاجة إلى الحصول "إذن" من أي طرف، كي "تفرض تطبيق التفاهمات بالقوة"، وهو نهج قال مراسلون عسكريون إن إسرائيل تنفذه عملياً في سوريا ومناطق أخرى، حتى من دون الإعلان عن ذلك.
إسرائيل تستجدي اعترافاً دولياً
مع ذلك، أشار تلفزيون "مكان" العبري إلى نقطة إسرائيلية وصفها بـ"المبدئية"، وهي أن يتم الاعتراف من المجتمع الدولي وليس بالضرورة لبنان، بـ"حق تل أبيب في فرض التفاهمات والتدخل عسكرياً في الوقت المناسب". واعتبر التلفزيون الإسرائيلي أن هذا الأمر هو "نقطة الخلاف المركزية الموجودة حالياً"، وأما النقاط الخلافية الأخرى، لا سيما "مَن يشرف على تطبيق الاتفاق"، يُمكن التوصل إلى حلول ووضع صيغ مقبولة بشأنها.
الحال أن ما يمكن استنتاجه أن إسرائيل لا يهمها تضمين الاتفاق بنداً صريحاً يمنحها "حرية نشاطها العسكري في لبنان"، بذريعة خرق الاتفاق، لكنها لا تريد أن يكون هناك أي بند أو التزام يقيد "حريتها"؛ من باب أنه "طالما لا يوجد بند يمنعها، فتصبح هذه الحرية مباحة"!
وفي مقابل "تفاؤل الجيش الحذر"، ضخّمت أصوات من اليمين الإسرائيلي الحاكم، الفجوات مع لبنان، وكان من بينها تصريح للوزير الإسرائيلي ورئيس الشاباك سابقاً، آفي ديختر، اعتبر فيه أن "التفاؤل المفرط" في ما يتعلق بلبنان "خاطئ" ويجب أن "نواصل ضرب حزب الله"، وفق قوله.
سيناريوهات النجاح.. والفشل
إلى جانب ذلك، طرحت محطات التلفزة والإذاعة العبرية، تساؤلات بشأن ما إذا كان المسار العسكري في لبنان بات مؤهلاً للانتقال إلى المسار السياسي فعلاً.
وهنا، رأى المحلل السياسي الإسرائيلي، يوحنا تسوريف، أنّه يقرأ من بين السطور أن حزب الله قد "عدّل مواقفه" تجاه أمور متعددة، بدعوى "الحاجة الماسة من الدولة اللبنانية وحزب الله لإنهاء الحرب".
ورداً على سؤال مذيعة راديو "مكان" عن خلو مقترح وقف إطلاق النار من بند "نزع سلاح حزب الله"، قال تسوريف إن الموضوع اللبناني في النهاية "ليس إسرائيلياً فقط، بل هو أيضاً إقليمي ودولي"، في إشارة إلى أن أموراً أخرى ستُعالج في مرحلة لاحقة، وعلى مستوى أوسع.
وبالطبع، طرح الإعلام العبري سؤالاً استباقياً، ومفاده: ماذا لو فشل هوكشتاين؟ وما السيناريوهات المتوقعة حينها؟ ليجيب على ذلك يوحنا تسوريف بأن الحرب ستستمر، وستتقدم القوات الإسرائيلية المتوغلة بشكل أكبر في عمق لبنان، لكنه عاد ورجّح أن "احتمالات النجاح في إنهاء الحرب أكبر من الفشل".
كما زعمت أقلامٌ إسرائيلية بأن موافقة حزب الله "المبدئية" على مقترح وقف إطلاق النار، جاءت بضوء أخضر إيراني، مدعية أن نسبة البنود المتفاهم عليها بين إسرائيل ولبنان، تزيد عن 50 في المئة.
وفي حال التوصل للاتفاق، قالت صحف عبرية إن واشنطن ستعلن وقفاً تجريبياً لإطلاق النار مدة شهرين، وبالمرحلة الأولى سينسحب حزب الله إلى ما وراء الليطاني، لينتشر الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل في المواقع المحددة، وبأعداد متفق عليها.. وخلال الهدنة تنطلق مفاوضات حول التفاصيل.
واللافت هنا أن جنرالات إسرائيليين بالاحتياط، وضعوا نقاط الخلاف بين حزب الله وإسرائيل، في سياق معركة نصوص، يحاول كل طرف فيها أن لا تكون صيغتها بطريقة تظهر "العدو منتصراً"؛ لأن الصيغة "مهمة" لرسم المشهد التالي في المنطقة.
عاصفة ممهدة للهدوء؟
وبموازاة ذلك، توقف الإعلام العبري عند أحدث تطورات المسار الميداني، كوسيلة لفهم تأثيرها في المسار السياسي، سواء ما يتعلق بمواصلة اغتيال قيادات حزب الله، والقصف الجوي، والتوغل البري في جنوب لبنان. وقد نقل مراسل تلفزيون "مكان" في الجبهة الشمالية عن مصدر بالجيش، قوله إن الضربات العسكرية "مهمة لتليين موقف حزب الله". بينما استبعدت قراءات عسكرية أن تكون الهجمات المتبادلة أخيراً، بمثابة "العاصفة التي قد تسبق هدوءاً"، مبينة أنه ليس بالضرورة أن تكون هذه المعادلة صحيحة، في إشارة إلى أن الأمور ما زالت مفتوحة على كل الاحتمالات.
وبهذا المعنى، تنظر إسرائيل إلى جهود هوكشتاين، باعتبارها دليلاً على "أننا في ساعات دراماتيكية وحساسة" قد تؤدي الى وقف الحرب، لكنها تلوح في الوقت نفسه، باستعدادها لحرب استنزاف، إذا أخفقت الجهود السياسية. إذ أوعز رئيس الأركان الإسرائيلي، هرتسي هليفي، بإعداد خطط عسكرية مختلفة لتوسيع المعركة، في حال فشلت المحادثات واستمرت الحرب على لبنان.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها