الجمعة 2024/10/11

آخر تحديث: 14:20 (بيروت)

لتنشيط السياحة وبناء هوية وطنية...مساعٍ لتضميد قلب بغداد التاريخي

الجمعة 2024/10/11
لتنشيط السياحة وبناء هوية وطنية...مساعٍ لتضميد قلب بغداد التاريخي
الباب الوسطاني في بغداد (غيتي)
increase حجم الخط decrease
في ظل بوابة تاريخية شيدت قبل أكثر من 800 عام، وبين مستودعات صناعية ضخمة وطريق سريع في وسط بغداد، يستمع طلاب هندسة معمارية لأستاذ ثمانيني يروي كيف بنى خلفاء عباسيون السور لحماية المدينة من المغول.


في العاصمة العراقية التي عصفت بها لسنوات انفجارات بسيارات مفخخة وهجمات انتحارية شبه يومية وصراعات سياسية وطائفية، لم يكن التخطيط المدني والحفاظ على التراث من ضمن أولويات الدولة. لكن مع عودة الحياة إلى طبيعتها بشكل تدريجي في المركز الحضري الذي يسكنه اليوم أكثر من تسعة ملايين شخص ويعد ثاني أكبر عاصمة عربية من ناحية عدد السكان، توسعت مروحة الاهتمامات، حسبما نقلت وكالة "فرانس برس".

وفي ظل حر شديد، كان حوالى 30 طالباً ومصوراً يشاركون في جولة نظمها "نادي المعماريين الشباب". وأفاد الطالب في "الجامعة التكنولوجية" في بغداد عبد الله عماد (23 عاماً)، أحد منظمي الجولة: "نريد أن نظهر للناس ما تحتويه بغداد من عمارة إسلامية وقيمتها وهويتها".

ومن أبرز محطات الجولة: "القصر العباسي" الواقع على ضفاف نهر دجلة والذي يعود بناؤه إلى أكثر من 800 عام بباحته الواسعة وأروقته الحامية من لهيب الشمس والمنقوشة أسقفها بالزخرفات العربية والأشكال الهندسية الدقيقة والمعقدة، بالإضافة إلى "مسجد مرجان" و"الباب الوسطاني"، وهو بوابة تاريخية بنيت حوالى القرن الثاني عشر ضمن مشروع أسوار عملاقة شيدت لحماية العاصمة العباسية.

وتحت قبة "الباب الوسطاني" المهيبة المشيدة بحجر اللبنة، تفرق الحضور بعدما استمعوا لشرح قدمه الأستاذ موفق الطائي (83 عاماً)، وأخرجوا هواتفهم وكاميراتهم لالتقاط صور في الموقع التاريخي. وشرح الطائي أن عملية البناء استغرقت 130 عاماً، وتناوب عليها الخلفاء المستظهر بالله والمسترشد بالله والناصر لدين الله.

وأضاف الطائي: "أثارت الحروب في العراق إحباطات لدى الناس، حيث لم يكن بالإمكان أن نسأل شخصاً ما عن رأيه بالقوس المعماري فيما ابنه ذاهب إلى جبهة" القتال. ورأى أن الحفاظ على التراث يساهم اليوم في نشر الوعي حول "الهوية الوطنية"، ويشكل كذلك عاملاً اقتصادياً جاذباً للسياحة.

وينظم "نادي المعماريين الشباب" منذ سنة تقريباً، ندوات وجولات في شوارع بغداد وأزقة الأسواق القديمة. وقال عماد: "في السابق، كان الاهتمام بهذه الأمور قليلاً وحتى شبه معدوم، لكن بدأ الاهتمام يزداد حالياً لأن بغداد بدأت تستقر" بعد كل "الأحداث الأمنية" التي شهدتها على مدى عقود.

وأكدت المهندسة المعمارية فاطمة المقداد (28 عاماً) الاهتمام المتزايد بالتراث العراقي الذي أهمل لفترات طويلة: "عندما نرى شباب مهتمين بهذا الموضوع، نتأمل بالخير لإحداث تغيير في ما يتعلق بالتراث والحفاظ عليه". وأضافت: "عندما يتصفح الشباب شبكة الإنترنت، يرون كيف تهتم الأمم بتراثها، وهم يريدون ويستحقون الشيء نفسه. أصبح هناك وعي بأن العراق يحتوي على مواقع تستحق الزيارة وأنه من غير الضروري السفر إلى الخارج من أجل السياحة".

في منطقة الرصافة بوسط بغداد على الضفة الشرقية لنهر دجلة، تعلو مبان خرسانية تعود لستينيات القرن الماضي إلى جانب واجهات مزخرفة وشرفات أنيقة من مطلع القرن الماضي. ووسط ضجيج عربات الـ"توك توك" والدراجات النارية وسيارات الأجرة الصفراء، يشق حمالو البضائع بعرباتهم الكبيرة طريقهم بين عشرات الباعة الذين يفرشون النظارات الشمسية والأسماك والأحذية على جانب الطريق.

وفي وسط بغداد التاريخي، صنف نحو 2400 مبنى من ضمن المباني التراثية، لكن نحو 15% منها مدمر أو طرأت عليه تغييرات، بحسب "أمانة بغداد". وكان العديد من تلك المباني مملوكاً لعائلات يهودية أو لعراقيين تركوا البلاد جراء الصراعات التي أدت إلى هجرة أدمغة من معماريين وخبراء في التخطيط المدني والترميم.

وبمشاركة "رابطة المصارف الخاصة العراقية"، تولت "أمانة بغداد" تنفيذ مشروعين لترميم شارع المتنبي المعروف لبيع الكتب وشارع آخر يضم السراي القديمة، إضافة إلى 15 مبنى تعود إلى منتصف القرن التاسع عشر أو عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي. وشملت الأعمال بصورة رئيسية إعادة رصف الطريق وإعادة الإنارة وترميم الوجهات.

وأشاد المهندس المعماري الذي أشرف على ترميم شارع السراي محمد الصوفي (39 عاماً) بـ"القيمة الجمالية للمباني كون نقشاتها وفضاءاتها وزخارفها فريدة من نوعها". وشملت المرحلة التالية من أعمال الترميم شارع الرشيد الذي افتتح العام 1916 وتحول مع الوقت إلى "عمود فقري مريض ومتعب"، بحسب مسؤول العلاقات في "أمانة بغداد" محمد الربيعي.

واعتبر الربيعي أن هذا الشارع هو "روح بغداد القديمة وهويتها"، مضيفاً: "تحت هذا المركز توجد المدينة العباسية القديمة".

وتكثر التحديات، أبرزها التمويل الكبير الذي تحتاجه السلطات من أجل عمليات الترميم وكذلك صعوبة الوصول إلى الملاك الأصليين من أجل أخذ موافقتهم قبل المباشرة بالأعمال. لذلك تركزت الجهود الأولية على "مناطق لا تثير مشاكل".

وتسعى الحكومة، بحسب الربيعي، إلى "إعادة إحياء مركز بغداد التاريخي" بعدما أصبح اليوم مركزاً يجمع مخازن البضائع والآلات الصناعية الثقيلة ومتاجر بيع زيوت محركات السيارات. وتطمح السلطات إلى إبعاد هذه النشاطات نحو أطراف المدينة. وتابع: "لا نطلب من الناس مغادرة أماكنهم بل نقول لهم، ابقوا لكن دعونا نحول مستودعات الجملة إلى متاجر ومقاه ودور سينما ودور ثقافية وتراثية".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها