الأربعاء 2023/11/01

آخر تحديث: 13:40 (بيروت)

تهديد بضرب المناطق المسيحية: إحذروا الإسرائيليين ..."العرب"

الأربعاء 2023/11/01
تهديد بضرب المناطق المسيحية: إحذروا الإسرائيليين ..."العرب"
increase حجم الخط decrease
لا يسعى الاحتلال الاسرائيلي الى الهيمنة على الرواية الاعلاميّة فحسب، وإنما تلطيف هذه الرواية لتبدو "اسرائيل" وكأنّها الملاذ الآمن والوحيد والأكثر ترحيباً بالمسلمين العرب الهاربين من الاستبداد. وللمفارقة تسعى إسرائيل الى جعل هذه السردية أكثر اقناعاً وحيويّة من خلال أصوات تحسبها عربيّة من حيث جذورها التاريخيّة، لكنها رغم وجودها المشكوك بنواياه، تُعتبر شاذة ووحيدة، اذ يمكن اختصار عدّها على يد واحدة، وأبرزها: يحيى محاميد، جوناثن الخوري، تامر مسعودين، يوسف حداد، ومصعب يوسف.

ومن بين هذه الأصوات النشاز، إيدي كوهين، وهو صحافي اسرائيلي من يهود لبنان،  كما يصف نفسه في موقع "إكس". يعرف إيدي بمنشوراته الجدليّة التي تقوم على استفزاز العرب، "الأمة النائمة" كما يصفها، والعمل على نشر معلومات مغلوطة يسعى من خلالها الى إثارة الفتنة بين الشعوب العربيّة بشكل عام، والعمل على تفرقة المسلمين الموجودين في الدول العربية بشكل خاص، وذلك من خلال التحريض الطائفي والمذهبي الذي يستمد "شرعيته" من مواقف بعض الأنظمة الموجودة في المنطقة والداعمة للسلام مع اسرائيل.

آخر منشوراته الساخرة كان الاستهزاء بالمساعدات الانسانية التي أرسلت الى غزة، على اعتبار أنّ هذه الدول هي حليفة لإسرائيل، وتهكم أيضاً على مواقفها التي اكتفت بالشجب والإدانة على اعتبار أنّها لا تجرؤ على فعل أكثر من ذلك. 

إذاً، يستهزئ كوهين بالدول العربية التي وقّعت معاهدة سلام مع اسرائيل لأنها لم تقف موقف البطولة مع فلسطين، وبذلك يحاول من خلال هذه المرواغة أن يضيف دليلاً قاطعاً يفيد بأنّهم (الصهاينة) "أسياد الشرق الأوسط" بحسب كلماته، وأّنّهم دائماً أصحاب حق أمام العالم.

الشغل الشاغل لكوهين هو العبث بالدول العربية وعلاقاتها في ما بينها وشؤونها الخاصة. فبعد البوست الذي نشره في صفحته عن مواطنة لبنانيّة غاضبة تطالب بالتقسيم لمواجهة "الاحتلال الإيراني" الموجود في لبنان، أثنى كوهين على البوست ووصفه بأنّه تأييد لموقفه، وهو المعروف بحيَله في استغلال كل ما يقال للتأكيد على أنّه العارف بالشأن اللبناني أكثر من اللبنانيين المقيمين في لبنان أنفسهم. ثم عاد ونشر فيديو عن الدمار الهائل في غزة، وكتب عليه "كان اسمها غزة.. بيروت القادمة"، مما استدعى غضباً لبنانياً تجلى في التعليقات على البوست من اللبنانيين كافة بلا استثناء. 

وقد وصلت منشورات كوهين الى 54، يوم الجمعة وحده 20 أكتوبر، و65 في اليوم الذي تلاه، وفي العادة لا يقل نشاطه عن ذلك بكثير. ويشير هذا العدد الهائل من المنشورات، الى جانب الرد والتعليق، بأنّ كوهين هو جزء من الماكينة الاعلامية التي تسعى إسرائيل من خلال تجنيدها الى مخاطبة العقل العربي الذي ما ترك فرصة لأمثال كوهين في للحط من عزيتمه والإيمان بالقضية الفلسطينيّة.


وأخيراً نشر هذا الصحافي، الذي نادراً ما يشارك مقالاته في صفحاته بل يكتفي بالتهديد السطحي وإن كان علنياً، صورة لقصف أحياء في غزة كتب عليها "إذا تجرأ سماحته، عجلتون فاريا بكفيا انطلياس بكفيا مار الياس عين الرمانة برمانة". اذ تعمد كوهين زج أسماء مناطق تُعرف بسكانها من الغالبية المسيحيّة، ما عدا مار الياس التي تحتضن طوائف متعددة، ليبدو أنّ "العارف بالشأن اللبناني" يحكم على الأشياء من قشورها. ناهيك عن العديد من المنشورات الأخرى التي تبدأ بـ"إذا تجرأ سماحته". 

يسعى كوهين لاستغلال الانقسام اللبناني حول شرعية سلاح المقاومة، وهي مقامرة هو الخاسر فيها. فالرفض اللبناني لسلاح خارج عن إطار المؤسسة العسكرية اللبنانية، لا يعني أنّ اللبنانيين يختلفون على إسرائيل عدواً. 

جزئية السلاح لا تنفي العداوة الموجودة بين اللبنانيين كشعب، وبين اسرائيل كدولة مصطنعة ومحتلة لجزء من أراضي لبنان ومنتهكة لسيادته، وهي الجزئية التي يحاول كوهين اللعب على أوتارها بفشل ذريع، كلّفه تعليقات "المسيحيين" الذين انقضوا عليه بالتشديد على عدائهم لاسرائيل بعيداً من الانقسام الداخلي الذي يصبح -أمام مخاطبة العدو- شأنَاً داخلياً فقط.

لكن عبارة كوهين تحمل الكثير في طياتها، اذ أنّه يستطرد في التهديد ليستعطف أطرافاً في الداخل اللبناني لا ترى في الحرب حلاً، علّها تضغط على "حزب الله" كي لا يدخل في معركة ستكلف اسرائيل الكثير من الخسائر في الاقتصاد، والدم، والعسكر. تحاكي كلمات كوهين، أسلوب نتنياهو الذي ظهر في فيديو منذ أسبوع وهو يتوعد لبنان بالدمار إذا قرر "حزب الله" التوسع في الحرب. وتجدر بنا العودة الى شروحات اللغة لنفهم مقصد الخطاب، فـ"إذا" حرف مفاجأة يدخل على الجملة الإسمية، وبكلمات الاسرائيليين نستخلص بأن الضربة المفاجئة مرتبطة بقرار من الجبهة اللبنانية التي يراقبها الإسرائيلي بشكل يومي.

على كوهين أن يفهم أنّ التهديد لا يتساوى مع القوة، وانّما يدل في عمقه على الخوف والتحسب.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها