فالإنفاق الإعلاني عبر وسائل الاعلام، سهّل إصدار خطاب صديق للبنوك خلال الأزمة، بما في ذلك في الفترة التي توقفت خلالها الخدمات المالية فعلياً بعد الأزمة، وما زال مفعول الإنفاق السابق قائماً. وخلصت دراسة أخيراً الى أن المصارف التجارية اللبنانية، قوّضت، من خلال الإنفاق الإعلاني، الخطاب الذي يمكن أن يهدد مصالحها، وما زال هذا النموذج قائماً.
وكشفت
دراسة جديدة نشرها مرصد The initiative Policy وأعدها كل من سامي زغيب ووسيم مكتبي وسامي عطا الله، أن القطاع المصرفي اللبناني الذي دفع نفسه إلى الإفلاس من أجل تحقيق أرباح سريعة، كان غرس "الثقة" في النظام المالي المحفوف بالمخاطر في البلاد عبر إنفاق مبالغ كبيرة على الإعلانات في وسائل الإعلام لنشر "قصة الاستقرار والازدهار"، حتى مع ركود اقتصاد البلاد.
واستخدمت المصارف التجارية أداة الاعلانات التسويقية لجذب الودائع إلى محافظها المحفوفة بالمخاطر وتحقيق أرباح قياسية من قبل الأزمة في العام 2019. أما بعدها، فحافظت البنوك على مستوى منخفض نسبياً من الإنفاق الإعلاني في ظل غياب الخدمات المصرفية، فقط للتأثير في السردية حول أسباب الأزمة المالية ومَن يجب أن يتحمل المسؤولية عنها.
وكشفت الدراسة أنه بين العامين 2012 و2021، اشترى القطاع المصرفي ما قيمته 1.17 مليار دولار من الإعلانات المتلفزة، وانقسمت بين 80% قبل الأزمة العام 2019، و20% بعدها. ولفتت الى استثمار معظم الإعلانات (97%) عبر المؤسسات الإعلامية الستّ الأكثر مشاهدة في لبنان وهي (MTV)، و(LBCI)، و"الجديد"، و(NBN)، وتلفزيون "المستقبل"، و(OTV).
ولفت الباحثون الى ان نحو 57% من الإعلانات، أي ما يقرب من 530 مليون دولار من أصل 931 مليون دولار من الإعلانات التي أنفقت قبل الأزمة، أجريت بموازاة عمليات الهندسة المالية للبنك المركزي. وبعدما استقرت قيمة الإعلانات المصرفية المشتراة بمتوسط حوالى 100 مليون دولار سنوياً بين العامين 2012 و2015، فإنها زادت بشكل كبير (بنسبة 75%) وبلغ متوسطها 175 مليون دولار بين العامين 2016 و2018: 141 مليون دولار العام 2016، 170 مليون دولار العام 2017، و 215 مليون دولار العام 2018.
وتوصلت الدراسة الى أنه، بموجب هذه الطريقة، امتلك القطاع المصرفي ما بين 12% و15% من إجمالي مساحات الدعاية الإعلامية في البلاد خلال هذه الفترة، ما جذب انتباه العديد من مشاهدي التلفزيون اللبناني.
وقال الباحثون إن حملة الإنفاق الإعلامي "حققت هدفها بالنسبة للمصرفيين"، إذ حصلوا على عائد كبير على استثماراتهم، بينما تم خداع المودعين. وارتفع حجم الودائع في البنوك التجارية من 155 مليار دولار في كانون الثاني/يناير 2016 إلى ما يقرب من 179 مليار دولار بنهاية العام 2018، بينما سجل القطاع أرباحاً صافية قياسية عالية كل عام، بلغ مجموعها 5.9 مليار دولار في هذه السنوات الثلاث وحدها.
واشترى 33 مصرفاً من تلك الاعلانات، وتصدرها 14 مصرفاً تُعدّ من أكبر المصارف اللبنانية وأنفقت 99% من إجمالي قيمة الإعلانات. من بين تلك المصارف: "بنك ميد"، و"البنك اللبناني الفرنسي" و"بنك لبنان والمهجر"، التي أنفقت بشكل جماعي ما يقرب من 400 مليون دولار على الإعلانات. أما بالنسبة للمؤسسات الإعلامية، فقد كانت MTV هي الأكثر مبيعاً خلال هذه الفترة، تلاها تلفزيون "المستقبل" وLBCI اللذان حصلا مجتمعَين على ما يقرب من 550 مليون دولار. كما حصل OTV على النسبة الأقل من بين القنوات التلفزيونية الستّ بـ100 مليون دولار.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها