وتلعب السلسلة التي تحظى صفحتها الرسمية في "فايسبوك" بمتابعة 1.2 مليون شخص بعد إنشائها مطلع العام، على الألفاظ تحديداً، لخلق إيحاءات جنسية بدافع الإضحاك. وهو أسلوب متكرر في عدد من البرامج اللبنانية، وتحديداً "كوميكاز" وما تقدمه الممثلة أنطوانيت عقيقي على سبيل المثال. وتتعدد العناوين التي تحاول جذب المتابعين، من "استغل أنها شربانة وأخدها على بيتو" إلى "طلب منها طلب صعب بغرفة النوم ولبتلو إياه". وهي عناوين تستخدم لغة الشارع للإشارة إلى الجنس الذي لا يتواجد على الإطلاق في نطاق الحلقات القصيرة، بقدر ما يعتقد المشاهد وجوده ليصطدم بنهايات غير مشبعة جنسياً، كأن يكون الحديث متمحوراً حول شراء هاتف محمول وليس خدمات جنسية مثلاً.
وهنا تتشابه السلسلة مع العناوين الصحافية وعناوين مئات المواقع الإلكترونية العربية، التي تتصيد الجمهور وتبيعهم الوهم، وتحديداً ما يخص أخبار المشاهير. حيث يقود النقر على العنوان إلى نتيجة لا علاقة لها بما تم النقر من أجله. ومن المثير للاهتمام أن كثيراً من خلق الوهم في العالم العربي يعتمد على قيمة الجنس تحديداً، ولا بأس من إضافة عبارات مثل "بالصور" أو "بالفيديو" بين قوسين، لمزيد من الجذب، وهو ما تعتمد عليه السلسلة بشكل واضح في عناوينها، حيث تسعى للتلميح بوجود "فعل فاضح" مع علامات استفهام.
على أن حالة عدم الإشباع هذه تقود إلى إدمان المشاهدة على أمل الوصول إلى الإشباع في حلقات تالية. ويتم في هذه الأثناء ضخ الكثير من المفاهيم المشوهة. فالسلسلة مثل كثير من السلاسل العربية التي تتمحور حول الجنس، تتعامل معه كواحد من المحرمات. وتبنى النكات التي لا ترقى لتصبح نكاتاً جنسية "Dirty Jokes" على الخجل من الجنس بوصفه "عيباً"، فيما تلعب الكاميرا طوال الوقت دور المتلصص الذي يلقي القبض على الأبطال خلال أحاديثهم عن شيء يشبه الجنس، ما يجعلهم في موقف محرج، يستوجب الضحك منه.
وهنا تتعدد النماذج التي يجب الضحك منها بوصفها نماذج مخجلة، من المرأة التي ترغب بممارسة الجنس إلى بائعات الهوى، وصولاً للرجال المتعرضين للخيانة بسبب نقص مفترض في رجولتهم، وحتى المثليين جنسياً. وكلها مفاهيم تتقاطع في نقطة واحدة هي مفاهيم الذكورية السامة "Toxic Masculinity"، التي تمثل قيمة من قيم المجتمع المحافظ، والركيزة الأساسية في هذه النوعية من الكوميديا التي تخاطب في الأساس أشخاصاً يتمسكون بالقيم نفسها، ما يجعل الناتج منها سلبياً، لا يتعدى الضحكات التي قد تتواجد من دون تسلية حقيقية، ومن دون خلق أثر أبعد، باستثناء تكريس القيم نفسها، ضمن دائرة مغلقة.
ومع انتفاء صفة الكوميديا عن السلسلة، يمكن تتبع كيفية توظيف الجنس في الكوميديا الحقيقية. فسلسلة "Chewing Gum" البريطانية التي عرضتها شبكة "نيتفليكس" قبل سنوات، تبدو مبهرة. ففيما تقدم قصة بسيطة حول رغبة فتاة في خوض تجربتها الجنسية الأولى، إلا أنها تغوص عميقاً لتقديم تناقضات الحياة المعاصرة، وتقدم انتقاداً عميقاً لقضايا لا يرتاح الأشخاص في الحديث عنها بشكل فج ومباشر وجاف، مثل العنصرية ومعنى الجمال والفروق الطبقية والجندرية والعرقية، ويصبح الشبق فيها طريقة لكسر الجمود، بينما تأتي الكوميديا من المشاكل الاجتماعية نفسها بدلاً من ارتكازها على التلميح لأسماء الأعضاء الجنسية.
والحال أن المشكلة هنا ليست الجنس نفسه، بل كيف يتم التعامل معه، لأن تكريسه كواحد من المحرمات، يتنافى مع جهود عشرات الناشطين والحقوقيين والصحافيين الساعين للدفاع عن الحريات الفردية، ومن بينها الحريات الجنسية والجندرية. كما أن تكريس هذه النوعية من المحرمات، هو بدوره تكريس للنظام السياسي القائم المتشابك بدوره مع السلطة الدينية. وإن كان ليس واضحاً مدى تبعية أصحاب العمل لأجهزة الأمن السورية مثلاً، إلا أن كل من يعرف سوريا أو عاش فيها يوماً واحداً يدرك أن لا شيء يحصل في ذلك البلد المظلم من دون موافقات أمنية مسبقة.
والحال أن حضور الجنس في الميديا العربية كان انعكاساً للواقع السياسي والحياة الاجتماعية، ويتجلى ذلك في المقارنة بين الحقبة الناصرية وصعود الخطاب القومي في دول المنطقة بعد الحرب العالمية الثانية، وبين الفترة التي تميزت بصعود الخطاب الإسلامي وتكريس السلطة الدينية في المنطقة. وفي سوريا التي يدعي نظام الأسد فيها العلمانية، تحكمت القوانين الدينية في الحريات الشخصية للأفراد طوال عقود، وانعكس ذلك على مفهوم الجنس في الدراما السورية، والإشارة إليه بشكل ساذج عبر اتجاه الأزواج إلى غرف النوم وإغلاق الأبواب أمام الكاميرا التي تقف في الخارج قبل الانتقال إلى مشاهد تتخطى العملية الجنسية نفسها، التي لا يتم الحديث عنها بشكل صريح إلا في أعمال قليلة مثل "تخت شرقي"، وإن كان التعامل معها في تلك النوعية من المسلسلات يأخذ شكل قضية حقوقية جافة، تعيد إلى الأذهان وجود التابوه الذي يجب كسره، بدلاً من التعامل معه بشكل طبيعي.
وكان النظام السوري يتحكم بهذه النوعية من القوانين بحسب الظروف. فبعد الثورة السورية مثلاً، سمح بمجال أوسع للحريات الفردية لفئات كالملحدين والمثليين جنسياً وغيرهم، بالحياة بشكل أكثر طبيعية، رغم أن القوانين السورية "المدنية" تحرّم الإلحاد والمثلية الجنسية، وغيرها من الخيارات الشخصية المعاكسة للنمط الاجتماعي الذي يدافع عنه تحالف السلطة السياسية "العلوية" مع رجال الدين "السنة" والذي يكفل للطرفين امتيازات واسعة على مختلف المستويات. ولم يكن ذلك كرم أخلاق من السلطة بقدر ما كان إجراء كلاسيكياً متكرراً ضمن الأنظمة الشمولية، لأن خلق الجدل الجانبي، ونقله إلى الميديا، يضمن تخفيف الجدل عن القضايا الأكثر جوهرية، والتي تتمثل منذ العام 2011 بالثورة في البلاد والمشاكل الكثيرة التي تشكل عوامل ضغط إضافية على السلطة، أدت في مطلع العام الجاري إلى مظاهرات نادرة ضد النظام في محافظة السويداء الجنوبية.
وبالتالي يصبح من المبرر وجود كمية كبيرة من الإيحاءات الجنسية في المسلسلات الدرامية السورية التي أنتجت بعد العام 2011، والتي توصف عادة بأنها جريئة. ورغم ذلك كله، تبقى كل تلك الإنتاجات ومن بينها "سكر وسط" نفسه، بعيدة عن عرض صريح لأي فعل يوصف بأنه جنسي، بما في ذلك تبادل القبل. ولا يتعدى الأمر عموماً التلميح للجنس مع حركات الإغراء والرقص وما شابه ذلك. فمثلاً، رغم وصفه بـ"الإباحي"، لا يمكن تصنيف مسلسل مثل "صرخة روح" الذي عرض منذ العام 2013 قصص الخيانة الزوجية، كمنتج بصري يندرج في فئة الـ"Softcore pornography"، الذي يتضمن عرضاً للعملية الجنسية نفسها، من دون عرض صريح للأعضاء الجنسية.
وإن كان الغرض من البورنو "النبيل" صناعة الخيالات الجنسية للوصول إلى المتعة الجنسية، إلا أن الغرض من التلميحات الجنسية في المسلسلات السورية السابقة هو ادعاء ذلك فقط. بالتالي تشبه متابعة "صرخة روح" الاكتفاء بمتابعة القصة الرديئة التي قد تتضمنها بعض الأفلام الإباحية المنتجة في استوديوهات متخصصة. ويصبح الأمر أسوأ في "سكر وسط" حيث لا وجود للقصة أصلاً، بل تكثيف للخيالات الجنسية، من أجل الحصول على أكبر قدر من النقرات التي يؤمل منها الحصول على الأرباح المادية، لا أكثر. ومن هنا بالتحديد، يأتي الشعور العام بالابتذال الرخيص الممتزج بكثير من النفاق، ومعه الشعور الحتمي بالازدراء.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها