في الشق الإعلامي، أعاد زافين إلى الحوار التلفزيوني هيبته التي كدنا ننساها وسط سيل برامج "الراتينغ" المبتذلة في السياسة والترفيه، وسقوط البرامج التلفزيونية في اختبار السباق غير العلمي مع شبكات التواصل.
لم يحتج حوار زافين مع أحد أهم مراجع الأبحاث العلمية في مجال الصحة العقلية والنفسية في لبنان، إلى هاشتاغ مستقل، ولا إلى تفاعل مع المغردين والجمهور اللبناني المنقسم على نفسه في شبكات التواصل، أو الحاضر كإضافة للديكور في الإعلام التقليدي.
وكما الأسئلة، جاءت التقارير الداعمة للحلقة عميقة، رغم عفويتها وبساطة تنفيذها، ليعيد هذا الأسلوب الاعتبار للسهل الممتنع في حين تتنافس القنوات التلفزيونية في استخدام وسائل الإبهار البصري الخالية من المضمون.
يفرض محتوى الحلقة نفسه. نحن أمام قامة علمية تتناول الواقع اللبناني من دون جرعات درامية ومن دون نمطية سلبية مللنا رتابتها في شاشاتنا منذ سنوات خبرنا فيها الإحباط والفشل تلو الآخر.
هكذا ببساطة، حلّ البروفسور كرم ضيفاً خفيفاً في الإطلالة وثقيلاً في المضمون، ليتحدث عن ظواهر المجتمع اللبناني النفسية ما بعد الحرب.
ويُحسب لزافين نجاحه في اختراق جزء مهم من المساحة الشخصية لضيفه، علمًا أن العارفين بعلم النفس يدركون صعوبة ملامسة الجوانب الشخصية لعلماء هذا الاختصاص كون معاييرهم ببساطة مختلفة عن المعايير الشعبية، وتخضع لرقابة ذاتية يفضلّون معها تجنب الخوض في أي مسألة شخصية في العلن.
على أن الجانب الشخصي للبروفسور كرم، لم يكن ذاتياً بالمطلق، فهو تحدّث بصفة الخبير صاحب التجارب الذي يجذب المشاهد لسبر أسباب نجاحه ومعرفة طريقة تفاعله مع محطات الولادة والموت والحرب، فلا يملك المشاهد إلا أن يحترم رأي الضيف في السياسيين اللبنانيين ومنهم بشير الجميّل، حتى ولو كان من خصومهم.
ويمكن القول أن الحلقة بلغت ذروة سلاستها عندما استفسر زافين، الذي بدا متمكناً في بحثه عن الطب النفسي، عن أسباب "نقّ" اللبنانيين والمعطيات العلمية التي تصف سماتهم النفسية، ليأتي جواب البروفسور كرم حازماً وغير قابل للجدل. فالرجل قضى عشرات السنوات في دراسة المجتمع اللبناني وكان أول من وضع لبنان في خريطة الطب النفسي عالمياً، وهو حالياً يقود دراسة عن تأثير الحرب في الجينات (في سوريا أيضاً).
في المضمون أيضاً، تُسجّل للمحاور ملامسته قضية الصراع التقليدي بين العلم والدين ببراعة في أسئلته. وتُسجّل للضيف قدرته على استيعاب مختلف الأذواق والقناعات بتقديمه صورة إيجابية عن الواقع اللبناني الذي يحتاج إلى العمل ليتخطى ظواهره النفسية السلبية، علماً أن الشخصية اللبنانية تشترك في مختلف "هوياتها" بالتقلب السريع، ما يتيح لها الاحتفال والفرح بالتوازي مع نوبات الخوف والقلق.
والحق يُقال ان سلسلة "مؤثرون" أعادت للحوار التلفزيونية هيبته، وفرض زافين نفسه بقوة المضمون، سواء في اختيار ضيوفه أو في معالجة المواضيع، رغم الوضع الصعب الذي يمرّ به تلفزيون "المستقبل".
فهل يسارع إعلاميون آخرون إلى الاقتداء بنجاح "بلا طول سيرة" أم أن نظرية "الجمهور عاوز كده" هي الجواب على عدم امتلاك الكثير من الإعلاميين ثقافة الحوار؟
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها