بالأمس رفع العونيون في تظاهرتهم أمام قصر بعبدا، صورة للرئيس الروسي، فلاديمير فلاديميريفيتش بوتين، تقول بأن "إجيكن فلاديمير يا بلا ضمير". ولرفع هذه الصورة في هذا الظرف بالذات، دلالات كثيرة إذا ما استثنينا الفعل الصبياني المُستبعد أصلاً. وكتابة الكلمات المرفقة بالصورة باللغة العامية الهزيلة، تشي بأن كاتبها وحاملها ومروّجها لم يتخلّ عن سخفه في مقاربة الأمور، خصوصاً الجديّة والخطرة منها كالتي تعصف اليوم في البلاد.
إن استحضار هذه الشخصية العالمية بغضّ النظر عن موافقتها في سياساتها الخارجية، وهي التي تهمّنا نحن هنا في هذا الإطار، وزجّها في تظاهرةٍ حملت البُعد الطائفي والمذهبي والإلغائي للآخر، تظاهرة استحضرت أجواء الحرب والتهديد بها وبتقسيمها البلاد بين شارعين متواجهين، في وقتٍ يحتدم فيه الصراع الإجتماعي بين سلطةٍ نهمة للإثراء والتسلّط والإرتهان لكل أنواع الخارج على حساب قوت الشعب وحريته وأمنه، يحمل بُعدين: الأول تهديدي، يستجدي التدخّل الروسي لإدخال لبنان في أتون الحرب السورية، وكأنه يوجد في لبنان إرهاب ممنهج كالذي برز في سوريا في بدايات ثورتها كأحد أشكال الثورة المضادة على شعبٍ ثار لحريته وكرامته. والثاني، الإعتماد على الخارج الأقوى اليوم في المنطقة والعالم، للحفاظ على موقعٍ سخيفٍ مكتسبٍ لممارسة الفساد بقوةٍ خارجية أيضاً، لكن أقل شأناً. وكأن روسيا تضع سياساتها الخارجية بناءً على رعونة بعض السفهاء، وليس على أساس مصالحها المستقبلية.
وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن لبنان ليس سوريا أو أي بلدٍ آخر، فهو يتميّز بخصائص تجعل الإسقاطات عليه أمراً مستبعداً، وهذا ما تفهمه القيادة الروسية تماماً وغيرها من الدول. فعندما تنوي روسيا أو غيرها التدخّل، فهي لن تدخل عبر بوابة الغباء العوني الضيقة، أو غيره من الغباءات، بل من الباب الدفاع عن رعاياها الروس، ربما؟ يبقى أن نطلب توضيحاً من السفارة الروسية حول ملابسات استحضار رئيس بلادهم في هذه المعمعة التي يمكن لها أن تستعدي فئات كبيرة من الشعب اللبناني الذي يعتبر بأن روسيا هي دولة صديقة، وبأن تدخّلها، إن حصل، لن يكون لتعويمٍ فئةٍ طائفيةٍ على حساب مكوّنات المجتمع اللبناني التي خرجت مطالبة بإلغاء المبدأ الطائفي التمثيلي نفسه، وبالعدالة الإجتماعية وبمحاسبة الناهبين، وهذا أقلّ الإيمان، بل يجب أن يكون حيادياً على الأقلّ.
وهنا، لا بدّ من إبداء ملاحظةٍ سريعةٍ حول وجود جمهورٍ كبيرٍ يفوق الـ13000 من خرّيجي روسيا ودول الإتحاد السوفياتي السابق، والذين يكنّون حبّاً لروسيا الشعب والأرض والثقافة والعلم، وهم متأثرون بكل الثورات التي طبعت تاريخها، إضافة إلى مواطنات ومواطنين روس مع أبنائهم الذين يبلغ عددهم الآلاف، وهم موزّعون بين مختلف الطوائف اللبنانية ويلعب معظمهم دوراً مهمّاً في الثورة الإجتماعية اللبنانية اليوم وفي ساحاتها.
فليلعب مهندسو الثورة المضادّة و"أصحاب الضمير"، لعبة غيرها، على الأقل، يكون فيها قدر قليل من الذكاء والتواضع ومعرفة بحجم الذات الطائفية الذاوية.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها