"القلب تعبان والتعب ما يريحه، ولي سرّ في الضماير قطّ ما بيحه. ما أقبح الدهر ونصبر على تقابيحه، ونرجي من الله ياتينا بمفاتيحه".
العمل ذو الطبيعة الأوبرالية، حَمَلَ اسم "أولئك المنسيون على ضفاف الفرات"، بمشاركة "أوركسترا السوريين في المغترب"، وأوركسترا "الحجرة" التابعة لـ"مهرجان مورغنلاند" الألماني، الذي يهتم منذ انطلاقته في العام 2005 برعاية وتقديم موسيقى الشرق الأوسط والأدنى، وهي الموسيقى التي طغت عليها خلال السنوات القليلة الماضية ثقافة الحزن والموت والهجرة، في ضوء ما تعيشه بلدان عربية من "ربيعٍ" لم يكتمل، وظهور حالةٍ من الانقسام الحادّ في المجتمعات، والاصطدام بواقع سيطرة تنظيماتٍ متشدّدة، فعلت ما فعلته من إعداماتٍ بشعة وتنكيلٍ بحقّ المدنيين، وفرضها قوانين بعيدة كلّ البعد عن أبسط مقوّمات الحياة في القرن الواحد والعشرين.
لا وجود للموسيقى في دير الزور والرقة، فقط أصوات بطون الجائعين. لا وجود للألوان، بل سواد الظلام وحمرة الدماء. لا فرح هناك، فالكل رحلوا. تُذكّر ديما أورشو بقهر أولئك المنسيين على امتداد نهر الفرات: "يا قلب مسّك من الغبن حاوي، ولا إنت مدينة ولا قلعة ولا حاوي. راح الصديق اللي كنت أنا ويّاه متخاوي، وبالليل عنِّي سرى وصاح لي الواوي".
وتزامن تسليط الضوء على ما يعانيه المدنيون في دير الزور والرقة، من خلال الموسيقى، بانطلاق حملاتٍ إعلامية في مواقع التواصل الاجتماعي، لمطالبة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بتحييد المدنيين عن الصراع الدائر في المنطقة، واستثنائهم من القصف الجوي الذي تشنه طائرات التحالف الدولي والطائرات الروسية على مواقع تدّعي الجهات التي تقوم بالهجمات بأنها مقرات تتبع لتنظيم "الدولة"، لكنّ الضحايا غالباً ما يكونوا من المدنيين.
حملة "على ضفتي الموت" التي انطلقت في 12 يناير (كانون الثاني) الحالي، لاقت رواجاً واسعاً من قبل مستخدمي "فايسبوك" و"تويتر"، وتُوّج نشاط الحملة بخروج مظاهرات في مختلف المناطق السورية خلال الجمعة الفائتة التي حملت الاسم ذاته.
أحد القائمين على الحملة، كرم الحمد، أوضح لـ"المدن" أنه سَبَقَ إطلاق الحملة، تشكيل "مجموعة العمل لدير الزور" واعتماد بيانٍ وقّعت عليه 28 منظمة مجتمع مدني وجهة إعلامية، إضافة إلى 285 شخصية من ناشطي وإعلاميي ومثقفي دير الزور.
وطالب البيان، مجلس الأمن الدولي والجامعة العربية والتحالف الدولي إلى جانب روسيا وتركيا الدولتين الراعيتين لاتفاق وقف إطلاق النار في سوريا، بحماية المدنيين في مناطق سيطرة تنظيم "الدولة" من القصف، مشيراً إلى ما يعانيه 600 ألف مدني في محافظة دير الزور من حصار وتجويع واعتقال على يد التنظيم وقوات النظام.
وأكّد الحمد أنّ الغاية من حملة "على ضفتي الموت" ليست إعلامية فقط، وأنّ هناك خطوات لاحقة للإستفادة من التجمّع الذي رافق الحملة، كتشكيل لجنة إعلامية مصغّرة، ولجنة لتوثيق الانتهاكات التي تحصل بحقّ المدنيين من مختلف الجهات، إضافة الى تشكيل واجهة سياسية لمتابعة التطورات التي تشهدها المنطقة، من تقدّم لـ "قوات سوريا الديمقراطية" في عدد من جبهات القتال، وإعلان قوات "الحشد الشعبي" في العراق عزمها الدخول إلى محافظة دير الزور بذريعة محاربة تنظيم "الدولة".
دير الزور، التي سيطر تنظيم "داعش" على معظم مساحاتها في منتصف العام 2014، يُعاني فيها نحو 100 ألف مدني في الأحياء الخاضعة لسيطرة قوات النظام، من حصارٍ خانق فرضه التنظيم عليهم قبل عامين، وسط غياب الكهرباء والمياه الصالحة للشرب والغذاء الكافي والدواء. وازدادت مؤخراً أوضاع هؤلاء المدنيين سوءاً، بعد العملية العسكرية الضخمة التي شنها تنظيم "الدولة" على مواقع قوات النظام في 13 من الشهر الحالي، وتمكّن خلالها حتى الآن من عزل المطار العسكري وحيّي هرابش والطحطوح في القسم الشرقي للمدينة عن حيّي الجورة والقصور و"اللواء 137" غربها.
ووثّق "مرصد العدالة من أجل الحياة في دير الزور" (منظمة حقوقية غير حكومية)، منذ بداية العملية العسكرية، مقتل 22 مدنياً في مناطق سيطرة النظام، بينهم 12 طفلاً و5 نساء، وذلك نتيجة سقوط قذائف أطلقها تنظيم "الدولة" على تلك المناطق. في حين وثّق "المرصد" بحسب ما أفاد مديره جلال الحمد لـ "المدن"، مقتل 26 مدنياً بينهم 9 أطفال و3 نساء بقصف جوي استهدف الأحياء الخاضعة لسيطرة التنظيم في المدينة، إضافة للغارات التي استهدفت عدة مناطق في الريف الشرقي.
وكان "مرصد العدالة" بالاشتراك مع منظمة "صوت وصورة" الإعلامية، أطلقا في 11 كانون الثاني الجاري، حملة "وجع الفرات" التي تناولت أوضاع المدنيين النازحين من محافظتي دير الزور والرقة. وتضمنت الحملة، بحسب الحمد، عرض 6 أفلام قصيرة و14 صورة مع اقتباسات، ركّزت جميعها على أسباب النزوح من المحافظتين، ومعاناة النازحين، والخدمات التي يتلقونها في المناطق التي نزحوا اليها.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها