تكتسب الحياة والأشياء من حولنا مظهراً آخر في موسم الأعياد. يدخل إلى التفاصيل "أفعل" التفضيل، فتبدو الحياة أكثر إشراقاً وأكثر ألواناً وأكثر بريقاً. تترافق مع مواقف أكثر فرحاً وصخباً، إلاّ أن "أفعل" التفضيل هذا، لا يقتصر على إيجابيات المشاعر، فيدخل أيضاً على تلك التي تتحول أكثر إيلاماً وحزناً.
وكأن الزينة المشعة والزحمة المترافقة مع الأعياد للترتيب للاحتفالات والسهرات، تمسّ عن قصد أو بغير قصد أغواراً عميقة من النفس، فتلامس فقداً من هنا وحزناً من هناك. تُضخّم الوحدة وتُذكّر بالحزن، فتمسّ أماكن كان أصابها الخدر، أو على الأقل هذا ما تمنيناه.
الأعياد ليست للجميع، على عكس ما يُروّج، للأعياد طاقة ليست عامة. ولها طقوس لا يمكن لأي كان اتقانها، فلهذه الطقوس مقومات متى فُقدت إحداها تخلخلت. الموت يضرب أسس الأعياد، الهجرة تخلخل مفهوم الموسم. أن يكبُر الأطفال يدق اسفيناً في متن البهجة.
ثمة أحداث تحفر عميقاً وتنكأ الجراح في الأعياد، أحداث كفقدان أصحاب وأحباء، أحداث كانفجار بيروت وحرب غزة، أحداث عامة كواقع البلد الذي يرزح تحت كذبة طائر الفينيق الذي ينبعث مراراً، وأحداث خاصة تصل إلى السطحية بمكان أن تتمكن من التمتع بساعة صفاء من دون الإحساس بالذنب.
الابتسامات العريضة التي تليق بالأعياد، تبدو -عاماً بعد عام- مثقلة بكمّ من الحقائق التي تطبع الحياة اليومية. وقائع يومياتنا، وليست بالضرورة هموماً ومآسٍ، إلاّ أنها تتنافى إلى حدّ بعيد مع طبيعة الفرح الذي نسعى إلى عيشه في فترات معينة من العام. فالأعياد ترتبط إلى حدّ بعيد بالأحلام الطفولية والقصص الخيالية، في حين أنها أيام كانت لتكون عادية أو أقل لولا إجماع العالم على أنها مناسبة تستأهل الاحتفاء بها.
"العادي" أو "الطبيعي" أو "الـ لا بأس"... حالات غير مقبولة في موسم الأعياد، وخصوصاً مع ضغط مواقع التواصل الاجتماعي. أن تكون غير منشرح وغير مشارك في بهجة العيد، يضعك في خانة كارهي الفرح والفرفشة، وهذا ما لا تريد أن يرتبط بصورتك على الإطلاق. عبارات مثل "ما الذي يميز هذا اليوم عن غيره؟"، هي عبارات عبثية يراد منها تدمير جوهر النفسية التي يجب أن ترتدي حلّة العيد، وأن تكون مشحونة بكل ما أوتيت من طاقة من أجل شراء الهدايا وتوزيعها والوقوف على خاطر متلقيها.
في فترة الأعياد، التقلبات المزاجية شرعية في حالة واحدة ألاّ يتم الإفصاح عنها. التقلبات المزاجية في فترة الأعياد أقرب إلى التقلبات المزاجية التي نعاني منها نحن النساء شهرياً في فترة ما قبل الحيض، او ما يعرف بالـ PMS، وتشمل تغيرات في المزاج، والإرهاق، والانزعاج، التوتر العاطفي وتغيرات في الرغبة الغذائية، فلا بأس من أكل الشوكولا أن يترافق مع شراهة بتناول المخلل قبل الدورة الشهرية... تماماً كما أنه لا بأس من تبضّع أشياء لا حاجة لها ولا ضرورة حتى لو كانت الميزانية ضيقة جداً، وكأنه في فترة الأعياد ثبُتَ بالوجه الشرعي أن المزاج يتحسّن مع صرف المال وخصوصاً إذا لم يكن متوفراً.
الانسحاب من الجموع المهللة للأعياد، يوحي بالتقدم بالسن ودخول القناعة إلى المفهوم العام، حين تبدأ الصحة وراحة البال تطغى بأهميتها على الأشياء المادية والهدايا، والتخلّي عن صخب السهر والاحتفالات. هذا الانسحاب يولّد هوّة تكبر عاماً بعد عام في حال الاستسلام لها، ولذلك لا بد من محاربتها... لن أسمح لنفسي التسلل إلى فريق غير الآبهين بالأعياد أو المعادين لها... فأنا لا يليق بي أن أعادي العيد، إذ أنه لا يليق بي التقدم بالسن!
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها