التقى المسؤولون السوريون في الآونة الاخيرة عدداَ من ممثلي الدول الأجنبية، بهدف التوصل الى حلول للصعوبات الاقتصادية التي تواجهها البلاد. ففي الأيام العشرة الاخيرة، تضمنت قائمة الزوار الاجانب وفداً هندياً ترأسه مسؤول في وزارة الخارجية الهندية، اضافة الى سفراء إندونيسيا، بيلاروسيا، وجنوب افريقيا المعتمدين لدى دمشق، الى جانب وفد من رجال أعمال روس. التقى البعض منهم رئيس مجلس الوزراء وائل الحلقي، بينما التقى آخرون وزيري النفط والنقل، في حين اقتصرت لقاءات أخرى على اجتماعات مع رجال أعمال محليين.
من المعروف، ان الدول المذكورة أعلاه تتبع سياسات خارجية معارضة لسياسات الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية الأخرى. وفي الحالة السورية فإنها، عموماً، دول داعمة للنظام السوري. وعدا ذلك، فإن للبعض منها مصالح اقتصادية مهمة في سوريا. فعلى سبيل المثال، تعتبر شركة MTN المشغلة لواحدة من شركتي الاتصالات الهاتفية النقالة العاملة في سوريا، والتي تعد في الوقت نفسه واحدة من اضخم الشركات الاجنبية في البلاد، شركة جنوب أفريقية اساساً. في حين، ان شركة النفط والغاز الطبيعي، هي احدى الشركات النفطية الهندية التي تنشط في التنقيب عن النفط والغاز في المناطق الشمالية- الشرقية من سوريا. ويذكر ان شركات هندية عديدة أخرى، وعلى مدى سنوات عديدة، ابدت اهتمامها بالاستثمار في مناجم الفوسفات السورية. أما بالنسبة لروسيا الاتحادية، فيعود تواجد شركاتها في سوريا الى حقبة الاتحاد السوفياتي.
من الناحية الرسمية، فان هذه الزيارات تهدف الى تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية بين هذه الدول الاجنبية وسوريا. اما في الواقع، فان الحكومة السورية تحاول ايجاد حلول لمشاكلها الاقتصادية المتفاقمة عبر طرق اكبر عدد ممكن من الابواب. وبالطبع، لم تعد الحكومة تمتلك سوى قدر ضئيل جداً من احتياطيات النقد الاجنبي، وفي الوقت نفسه ليس لديها امكانية الوصول الى حقولها النفطية، وتفتقر أيضا الى امكانية الحصول على التمويل من الدول الاجنبية، بإستثناء إيران.
ومع ذلك، فان تطوير الحكومة السورية لعلاقاتها مع تلك الدول يرمي الى تحقيق أهداف عديدة، فهو يقوي مصداقيتها السياسية في الداخل، ويظهرها كما لو انها ليست معزولة كما يدعي الكثيرون. وقد يساعدها الأمر في تجاوز العقوبات الغربية المفروضة على قطاعي النفط والمال، اضافة الى انها قد تخلق مصادر جديدة للتمويل سواء من خلال القروض، أو من خلال الاستثمار المحتمل.
من ناحية اخرى، يعرف المسؤولون الاجانب أن شركاتهم لن تحصل على أي عقود جديدة مهمة، لان الحكومة السورية شبه مفلسة، وان الشركات لن تستثمر في سوريا بسبب انعدام الامن والاستقرار. ومع ذلك، فإن هذه الشركات على الأرجح ستحاول الحصول على تراخيص طويلة الأجل من الحكومة لتطوير بعض الموارد الطبيعية أو البنية التحتية المهمة في البلاد.
فالحصول على أي عقد طويل الاجل، كحقوق التنقيب عن النفط والغاز كذاك الذي كسبته العام المنصرم، شركة سويوزنفت غاز الروسية والمملوكة للدولة، او حقوق تطوير مناجم الفوسفات، يمكن ان يسمح لتلك الشركات بتأجيل اي استثمارات فورية ذات معنى، مع احتفاظها بحقوقها على المدى الطويل. وبما أن الحكومة تستميت للحصول على الاموال، فان هذه الشركات ستحصل على العقود بأرخص الاسعار. وعندما تنتهي الحرب، سيكون بمقدورها البدء بالاستثمار وتحقيق الارباح، او يمكنها اعادة بيع حقوقها في هذه العقود.
كلما تزايدت استماتة الحكومة في سعيها وراء الأموال، ازداد احتمال قيامها بتقديم تنازلات أكبر تساعدها في ابقاء قبضتها ممسكة بالسلطة بغض النظر عن الانعكاسات السلبية لهذا التصرف على حقوق السوريين في المدى البعيد في امتلاك مصادر بلادهم من الموارد الطبيعية والثروات الأخرى.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها