السبت 2024/07/27

آخر تحديث: 09:47 (بيروت)

زحلة تختبر النقل المشترك "البيئي": التلوث يرفع الفاتورة الصحية

السبت 2024/07/27
زحلة تختبر النقل المشترك "البيئي": التلوث يرفع الفاتورة الصحية
إطلاق باصات النقل المشترك في زحلة بموازاة خطة لوقف الباصات الملوثة للبيئة (المدن)
increase حجم الخط decrease
خلال إطلاقها لمشروع "تعزيز أنظمة النقل المشترك الصديقة للبيئة" في زحلة، ذكّرت سفيرة الإتحاد الأوروبي في لبنان ساندرا دو وال بالإقتباس التالي: "ان ما يعكس تقدم بلد من البلدان، ليس قدرة الفقراء على إقتناء السيارات، وإنما نزعة الأغنياء لاعتماد وسائل النقل المشترك".

في بحثنا عبر محرك غوغل عن مطلق هذه المقولة، توصلنا الى مصادر عديدة لها، ونسبها بعضها لعمدة سابق في بوغوتا- كولومبيا آمن بالتخطيط الحضري لأنظمة النقل المستدامة والشاملة. وأما عودتنا لها عشية مرور نحو شهر على السير المنتظم لباصات زحلة الأربعة وفقاً للبرنامج الذي أعلنته البلدية منذ اليوم الأول لتشغيلها، فهي محاولة تقييم أولية لهذه التجربة، التي شكلت "فأل خير" على مستوى النقل المشترك العام في لبنان عموماً.

فتجربة الباصات المخصصة لنطاق مدينة، تعتبر رائدة على مستوى لبنان، خصوصاً إذا جاءت محملة بأبعاد بيئية صحية، من شأنها أن تنعكس على الفاتورة المرتفعة التي يتكبدها المواطنون الغارقون بمختلف أشكال التلوث.



"حلم" النقل المشترك
الأهداف البيئية والصحية شكّلت المنطلق الأساسي لمشروع تعميم خطة النقل المشترك الصديق للبيئة في زحلة منذ العام 2004. إلا أن الظروف لم تسمح بأن تترجم على أرض الواقع سوى بعد عشرين عاماً، بالتزامن مع أزمة مالية وإقتصادية حادة، تفاقمها فاتورة التنقل المبددة لجزء كبير من مداخيل اللبنانيين.

إحتاج رئيس بلدية زحلة – معلقة وتعنايل أسعد زغيب لنحو عشرين عاماً حتى يترجم رؤيته حول النقل المشترك على أرض الواقع. ولم يتحقق "الحلم" إلا مع دخول ولاية ترؤسه الثالثة للمجلس البلدي في مرحلة التمديد الثالثة، وأيضاً بهبة أوروبية.

يكرر زغيب على مسامع الزحليين هذه الرواية، ليس للإشارة الى البيروقراطية المكربجة للمبادرات المحلية، وإنما للتأكيد على نظريته التي يلخصها بـ "أننا في بلد كلبنان، من حقنا أن نبقى نحلم ونخطط ونطمح لمدننا كما لو كنا أغنياء، ولكن عند التنفيذ يجب ان نكون حذرين في تبديد مداخيلنا، ونكون متفهمين لفقرنا."

تهالكت إيرادات البلديات في كل لبنان، ويكاد معظمها لا يكفي للحفاظ على نظافة المدن، أو تسديد رواتب الموظفين. وهو ما يضع هذه المدن عموماً تحت مخاطر تفاقم الأزمات البيئية والإنمائية، وما ينتج عنها من تداعيات صحية، ويقضي على الأمل بالخروج من هذه الدوامة لسنوات طويلة.

إنطلاقاً من هنا تلقفت بلدية زحلة، فرصة "الباصات الهبة" التي تلقتها من الإتحاد الأوروبي، متمسكة بجوهر أهدافها، ألا وهو السعي لإبقاء زحلة مدينة خالية من التلوث، أياً كانت طبيعة هذا التلوث ودرجاته.



التلوث في زحلة
قد يُفاجأ البعض عندما يعلم أن زحلة المدينة التي تصر بلديتها على تحمل عبء معالجة النفايات الصلبة بمطمرها الصحي عنها وعن جيرانها المنتشرين في 26 قرية بقضائها، والتي ناضلت طويلاً ووضعت من ضمن أولوياتها رفع المياه الآسنة عن مجاري المياه النظيفة، واليقِظة تماماً لإبقاء محطة تكرير المياه الآسنة فيها شغالة رغم كل الصعوبات الإدارية والمالية التي تهددها، هي أيضاً من المدن التي تعاني تلوثاً هوائياً عالي النسبة، يفاقم الفاتورة الصحية على أهلها، وخصوصا بالنسبة للقاطنين على منبسط بولفار المدينة الممتد بموازاة مجرى نهر البردوني.

هذا التلوث الذي تثبته منذ سنوات آلة رصد موضوعة في حديقة "الممشية"، يبدو مستغرباً أيضاً في مدينة كزحلة خالية من مولدات الأحياء، أو من المشاريع الصناعية الكبرى. وهو ما يثبت وفقاً لزغيب أن مصدر التلوث هو عوادم السيارات ووسائل النقل التي تعمل على مصادر الطاقة غير البيئية. قناعة تجعل بلدية زحلة مصرّة على نقل حضري مشترك، وتضع له أهدافاً تتخطى مساندة المواطن في الأزمة الإقتصادية التي يمر بها لبنان، وإرتفاع كلفة المواصلات.

إنطلاقاً من هنا لا تقيّم بلدية زحلة تجربتها مع الباصات الأربعة حتى الآن، قياساً على عدد الاشخاص الذين يستقلونها يومياً، بل تعتبر أن معيار نجاح تجربتها يكمن في قدرتها على تخفيف نسبة التلوث الذي يشكل هدفاً بعيد مدى.



الباصات غير الصديقة للبيئة
وعليه بعد مرور شهر من تسيير هذه الباصات، يعتبر زغيب أنه آن الأوان لسلسلة خطوات إضافية سيباشر بتنفيذها قريباً. أما أبرز هذه الخطوات للمرحلة المقبلة، فتتمثل بمنع دخول الباصات الصغيرة والكبيرة غير الصديقة للبيئة الى المدينة، مما قد يطال معظم تلك الباصات، إن لم يكن جميعها. ومثل هذا الإجراء وإن كان متاحاً للبلديات إنسجاماً مع مسؤولياتها في تحقيق المصلحة العامة، إلا أنه لا يجوز فرضه كتدبير تعسفي على المواطنين أو حتى العاملين بوظائف النقل المشترك الخاص.

ومن هنا يشير زغيب الى إعتماد حوكمة مرضية للطرفين وللسلطة المحلية، تراعى من خلالها ظروف مستخدمي وسائل النقل المشترك الخاصة، كما مشغليها، وتسمح للبلدية بتنفيذ خطتها في التخفيف من مصادر التلوث.

وعليه إذا كانت بلدية زحلة تتجه الى منع هذه الحافلات من دخول المدينة في فترة قريبة جداً، وقد أبلغت قرارها هذا الى المعنيين به، فهي سترسي نوعاً من التعاون معهم، ساحته المشتركة هي في المحطة الرئيسية للباصات، والتي ستشكل نقطة ترانزيت، تنقل قاصدي زحلة الى داخل المدينة بالباصات الصديقة للبيئة، ومجاناً، بمقابل رسم توقف يسدد من قبل أصحاب الباصات الخاصة، الذين لن يكون عليهم تكبد عناء أو تكاليف الدخول الى المدينة لإيصال زبائنهم. وبذلك تكون البلدية قد "ضربت عصفورين بحجر"، فحافظت على لقمة عيش أصحاب الفانات والحافلات الخاصة، وجنبت المدينة التلوث الناتج عن عوادم وسائلهم، من دون أن تكبد المواطنين أي كلفة إضافية.



قسائم نقل مجاني
ولضمان حسن سير هذه العملية، أصدرت البلدية عينات عن قسائم نقل مجاني، يمكن الحصول عليها عند محطات التوقف على أوتوستراد المدينة، بشرط أن يكون الفان أو الحافلة الخاصة مشتركين في المحطة الرئيسية.

بالموازاة يكشف زغيب عن قيام البلدية بتسيير رحلات تثقيفية للأندية والجمعيات الناشطة في المدينة، في سعيها لبناء ثقافة تتناسب مع مفهوم المدن المتقدمة التي تحدثت عنها سفيرة الإتحاد الأوروبي، وتشجع الميسورين على إستخدام الباص كما الفقراء.

الجهد الذي يتطلبه إنجاح التجربة قد يبدو إستثنائياً، وخصوصاً في بلد لا يثق أهله بالمشاريع التي ينتجها القطاع الرسمي، حتى لو كان المعني بها سلطات محلية موثوقة. وخير دليل على ذلك إصرار البعض حتى الآن على مخالفة إشارات منع الوقوف والتوقف في المحطات المخصصة للباصات، وإمتعاضهم من محاضر الضبط المحررة بحقهم بسببها، والتي لا بد من تنبيه المواطنين أنها لم تعد مشمولة بمهلة الإنذار التي وضعتها البلدية حتى يعتاد الناس على الأنظمة الجديدة، ولن تلغ بعد الآن تحت أي ذريعة أو سبب.

هي تجربة نموذجية أقرب الى "الحلم" في بلد كلبنان، ولكن نجاحها قد يؤسس لتجارب مشابهة مستقبلاً. وعلى رغم تشكيك الكثيرين بهذا النجاح، يلتزم زغيب بإستمرار المحاولة لتأمين إستدامة المشروع، تماماً كما فعلت بلدية زحلة بالنسبة لإدارة مطمرها الصحي الذي بقي شغالاً بإنتظام رغم كل الظروف الصعبة التي عصفت بلبنان وإقتصاده. وإنما مع التذكير بأن يداً واحدة لا يمكنها أن تصفق، وتعاون المواطنين مطلوب لما فيه مصلحتهم الإنمائية والإقتصادية وحتى الصحية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها