الأربعاء 2024/07/17

آخر تحديث: 13:18 (بيروت)

نقد وتفنيد لاقتراحات لجنة تعديل قانون النقد والتسليف

الأربعاء 2024/07/17
نقد وتفنيد لاقتراحات لجنة تعديل قانون النقد والتسليف
يجب وضع حد للرضوخ القاتل لطلبات الحكومة والسياسيين (الأرشيف، دالاتي ونهرا)
increase حجم الخط decrease
تقدمت مجموعة من خيرة الخبراء، ذوي الكفاءات المالية والاقتصادية والأكاديمية والقانونية، وبعضهم تولى مناصب رفيعة في مصرف لبنان والحكومة والشركات المالية والمصرفية، بورقة شاملة، تعليقاً على تقرير اللجنة المكلفة بإعادة النظر بقانون النقد والتسليف (نص الورقة كاملاً).
المجموعة تضم:
الدكتور ناصر السعيدي، وزير اقتصاد سابق ونائب حاكم مصرف لبنان سابقاً.
الدكتور مكرديج بولدوكيان، نائب حاكم مصرف لبنان سابقاً.

الدكتور عبدالله عطية، عضو سابق في لجنة الرقابة على المصارف.
الأستاذ نبيل يونس، مدير الشؤون القانونية في مصرف لبنان سابقاً.
الأستاذ توفيق شنبور، أستاذ محاضر في قوانين النقد والمصارف المركزية.

وهنا ملخص الورقة:

تضمن تقريراللجنة المكلفة من قبل رئيس الحكومة المستقيلة، نجيب ميقاتي، بإعادة النظر بقانون النقد والتسليف، والذي استغرق وضعه سنة كاملة، تم خلالها عقد 23 اجتماعاً موسعاً بمدة ساعتين لكل اجتماع في مقر السراي الحكومي، و26 اجتماعاً فرعياً، بمعدل ساعتين لكل اجتماع عبر تقنية zoom، لائحة توصيات متنوعة، منها ما يمكن تصنيفه بالاقتراحات الجيدة أو الملتبسة أو القاصرة وحتى المغلوطة أو المتماهية مع ممارسات انحرافية سابقة وما زالت مستمرة. كما كان هناك إغفال عن اقتراح تعديلات ضرورية جد مهمة ومطلوبة بالحاح (النص الكامل لتقرير اللجنة).


في الاقتراحات الجيدة
تقترح اللجنة وضع قواعد آداب لموظفي وممثلي المصرف وإجراءات إفصاح وامتثال وحوكمة خاصة بالمجلس المركزي، واعتبار هذه القواعد والإجراءات ملزمة. وهو أمر جيد وفي غاية الأهمية لتحصين مصرف لبنان من حالات تضارب المصالح، خصوصاً بعد تحجج الحاكم السابق رياض سلامه في إحدى جلسات الاستماع إليه، بعدم وجود هكذا التزام في مصرف لبنان.

في الاقتراحات الملتبسة
ذكرت اللجنة في تقريرها أنها تهدف إلى تعزيز مبادئ الحوكمة الرشيدة "من خلال تعزيز صلاحيات المجلس المركزي من دون المسّ بصلاحيات الحاكم". أي من خلال الجمع بين نقيضين وتعميق الالتباس القائم باجتماع سلطتي التقرير administration والتنفيذ direction معاً. فالمادة (17 ن ت) تنص على وضع هجين يدار فيه مصرف لبنان بمفهوم الـadministration من قبل (1) حاكم يعاونه نواب له ومن (2) مجلس مركزي يتألف من الحاكم ونوابه ومديرَين عامَين يعملان بصفتهما الشخصية. وهو إطار يتداخل فيه التقرير والتنفيذ، ولا يصلح البتة لإدارة مصرف مركزي مكلف برسم السياسات وتنفيذها، ومفترض فيه التقيد بإرشادات بنك التسويات الدولية الـBIS بخصوص الحوكمة الرشيدة، في مقدمها ضرورة تغليب عدد أعضاء مجلس الإدارة المستقلين غير التنفيذيين فيه.

أيضاً، طالبت اللجنة بتعديل ملتبس للمادة 90 بإضافة نص عليها يؤكد على عدم إمكانية إقراض مصرف لبنان للحكومة والقطاع العام. لكنها عادت وتحدثت عن تعديل شروط إقراضه وتمويله لهما بأن يكون الاقتراض والتمويل من الأموال الخاصة لمصرف لبنان، وضمن نسبة معينة منها. ومن دون الإشارة ما إذا كان الأمر يشمل أيضاً اكتساب المصرف لسندات الدين العام عند إصدارها في السوق الأولي أم لا؟

في الاقتراحات القاصرة
تقترح اللجنة تعديل المادة (35 ن ت) بإلغاء اللجنة الاستشارية التي ينص القانون على إنشائها، لتقدم للحاكم دراسات عن أوضاع اقتصادية معينة واقتراحاتها بشأنها، وبإنشاء لجنتين جديدتين بدلا عنها. الأولى، للسياسة النقدية. وتكون صلاحياتها تحديد معالم السياسة النقدية والائتمانية. والثانية، لإدارة المخاطر risk committee. وتحدد صلاحياتها باقتراح السياسات اللازمة لاستباق المخاطر النظامية في النظام المالي، والإشراف على السلامة المالية وتقييم امتثال المؤسسات. 

لقد كان من الأفضل اعتماد الخيار الذي اقترحه المدير العام المساعد لصندوق النقد الدولي، الدكتور Stanley Fischer، وهو بالمناسبة أستاذ الحاكمين السابقين للمصرف المركزي الاميركي Bernanke والأوروبي Draghi، لإصلاح أوضاع المصرف المركزي الإسرائيلي، بعد استدعائه لقيادة الأخير. إذ فصل في اقتراحه كلياً بين سلطتي اتخاذ القرار وتنفيذه، حسبما تقتضي أفضل معايير الحوكمة الرشيدة. فأنشئت على أساسه هيئتين، (الأولى) اللجنة النقدية، مهمتها وضع السياسة النقدية والسياسات الأخرى ذات الصلة بتحقيق أهداف البنك، و(الثانية) مجلس الإدارة، ومهمته تحقيق إدارة فعالة للمصرف، من خلال تنفيذ قرارت اللجنة النقدية، يكون الحاكم من بين أعضائها.

أيضاً، تقترح اللجنة إطاراً جديداً، يتشدد في رقابة مصرف لبنان داخلياً وخارجياً. الاقتراح بعنوانه العريض جيد ومطلوب، لوضع حد لممارسة غير مقبولة دامت ثلاثة عقود، أخضعت فيه الرقابة الداخلية في المصرف لإشراف الحاكم، القابض على سلطة التقرير والتنفيذ أيضاً. بيد أن الآلية المعروضة من اللجنة ليست هي الأفضل. فهي تقوم على تشتيت الرقابة الداخلية بين ثلاث هيئات لا مثيل له في الهيكليات الإدارية للمصارف المركزية المعاصرة. كما تستمر بإخضاع تعيين مفوضي المراقبة الخارجيين لأعمال وحسابات مصرف لبنان للأخير. وهو أمر بات من المطلوب تفاديه بعد انهيار بنك Lehman Brothers، حيث ثبت ارتباط الأمر بتقديم مفوض المراقبة المعين من قبل الأخير، تقارير تعكس صورة براقة لكن مضللة حول السلامة المالية للبنك قبل انهياره. والخيار الأمثل أن يأتي تعيين "مفوضي مراقبة" مصرف لبنان  من قبل مجلس النواب. فتناقش لجنتي المال والموازنة والإدارة والعدل، تقريره قبل نشره من قبل الحاكم، لاطلاع الجمهور.  

في الاقتراحات المغلوطة
اقتراح تعديل المادة 2 من قانون النقد والتسليف، التي تحدد قيمة الليرة اللبنانية بالذهب الخالص لتضمينها بالمقابل آلية يتم بموجبها (1) تحديد السعر القانوني لصرف الليرة اللبنانية وأيضاً (2) أحكام انتقالية إلى حين وضع هذه الآلية موضع التنفيذ، مع مراعاة أحكام المادة 229 من هذا القانون.

فهذا الاقتراح لا يستقيم بعد انهيار اتفاقية بروتون وودز، ما انتفى معه إمكانية الكلام عن أي سعر قانوني، بمعنى سعر محدد للعملة الوطنية بقانون. علماً بأن الإطار الحالي المحدد بالمادة 65 من الدستور وبالمواد 33 و71 و75 من قانون النقد والتسليف هو أكثر من كاف لقيادة عملية "استهداف" لسعر صرف عائم لليرة، على النحو الموصى به من قبل صندوق النقد الدولي.

في الاقتراحات التي تتماهى مع ممارسات انحرافية سابقة ما زالت مستمرة
أهم هذه الممارسات "التوظيفات الإلزامية" لدى مصرف لبنان بالعملات الأجنبية، والتي كانت مورد استقطاب كثيف من مصرف لبنان للودائع الدولارية، من دون أي نص قانوني يبررها. وقد أتى تقرير اللجنة باقتراح تثبيتها بتسمية لا تثير بنظر موقعي التقرير نقاشاً قانونياً، وهو تكوين "احتياطي أدنى بالعملات الأجنبية"، حتى نسبة معينة من الموجودات التي يحددها مصرف لبنان. 
الاقتراح المذكور في منتهى الخطورة وغير معمول به في أنظمة المصارف المركزية المعاصرة، حيث يحصر تكوين الاحتياطات الإلزامية بنسبة معينة من المطلوبات لا الموجودات، ولا تبرره غايات وعنوان القسم الذي وردت المادة 76 فيه، وهو "التأثير على السيولة المصرفية وعلى حجم التسليف". والأمران الأخيران مفترض أنهما يتعلقان بالعملة الوطنية.

أيضاً، لم تقترح اللجنة أي تعديل يتعلق بغرفة المقاصة في مصرف لبنان. ما يعني إقراراً غير مباشر بما يجري فيها من تسوية للشيكات المصدرة بالعملات الأجنبية، بالتحديد الدولار، بالرغم من عدم وجود أي اتفاق أو تنسيق مع السلطات الأميركية المختصة. وهذا يتعارض مع ما هو قائم بالنسبة لعدد من غرف المقاصة الوطنية، التي تتعامل بتسوية شيكات محررة بعملات أجنبية. من هنا، كان ورود غرفة مقاصة بيروت في عدد من التقارير التي تحدثت عن سبل للتهرب من القيود والعقوبات المالية المفروضة على بعض الدول والمنظمات، من خلال مقاصة بيروت.

تعديلات جد مهمة ومطلوبة بالحاح وتم إغفال اقتراحها
أولها تعديل المادة (13 ن ت) على نحو تتحقق فيه ليس فقط الاستقلالية المالية للمصرف، كما هو مذكور حالياً، بل أيضاً الإدارية، تنفيذاً لمضمون استراتيجية النهوض بالقطاع المالي FSRS الموافق عليها بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 3 تاريخ 20 أيار 2022، والتي أكدت مضمونها مذكرة التفاهم مع صندوق النقد الدولي، وأيضاً لما ذكرته الأسباب الموجبة لهذه المادة، بخصوص إطار ومضمون استقلالية مصرف لبنان. إذ أشارت أنها ليست استقلالية فقط عن الحكومة والسياسيين، بل أيضاً عن كافة قوى الضغط، بما فيه قوى القطاع الخاص.

أيضاً، يتعين تعديل المادة (70 ن ت) بحصر مهام وصلاحيات مصرف لبنان بأمور النقد، وترك أمور المصارف، التي ينظمها حالياً ويشرف الحاكم على اللجنة التي تراقبها، إلى هيئة جديدة تختص بوضع شروط تأسيسها وبتنظيم أعمالها ورقابتها، وتلحق بها الهيئات المنشأة حالياً لدى مصرف لبنان، وهي لجنة الرقابة على المصارف والهيئة المصرفية العليا ولجنة التحقيق الخاصة، بعد تعديل النصوص القانونية التي ترعاها، لجعلها تتناسب مع الوضع الجديد المقترح والمعمول به في عدد من الدول المتقدمة، مثل المانيا حيث الـBAFIN، وسويسرا حيث الـFINMA، وانكلترا حيث الـFSA، وبلجيكا حيث الـCBFA.  

إن الشيء الأكيد منه، هو أن الكارثة الراهنة ما كانت لتحصل، لو كان الفصل المرتجى الآنف الذكر قائماً، لأن المسؤولين عن القطاع المصرفي كانوا بالتأكيد سيرفضون رفضاً قاطعاً أي قرار أو اقتراح يأتي من قبل المصرف المركزي، بتحريف للنصوص القائمة، لاستقطاب ودائع المودعين الدولارية في المصارف إليه.

كذلك، لم تتعرض اللجنة لشروط تعيين الحاكم ونوابه، بل اكتفت بالإشارة إلى ضرورة تعديلها من دون تحديد أي مضمون. ومعروف أن المادة (18 ن ت) تنص على أن التعيين في الحاكمية يتم بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء، بناء لاقتراح من وزير المالية لأشخاص يقتضي أن تتوافر لديهم الشهادات الجامعية والخبرة والصفات المعنوية. ما يعني أن وزير المالية هو المولج مبدئياً باختيار الأفضل ممن تتوافر لديهم الشروط المطلوبة قانوناً.
سلبيات هذا الخيار متعددة، أهمها أن وزير المالية الآتي عادة من خلفية سياسية تحاصصية، قد لا يكون المرجع الأفضل في تقييم كفاءة مرشحين يمكن أن يفوقوه جدارة علمية وعملية. لذلك انقلب دوره عملياً إلى صندوق يتلقى أسماء المرشحين لنيابة الحاكم من المرجعيات السياسية حسب المذهب، ليتم اعتمادها من قبل مجلس الوزراء. واقع لا يضمن وصول الكفاءات التي تنشدها المصارف المركزية المعاصرة في قياداتها العليا.

أخيراً، لم تتعرض اللجنة لموضوع التجديد للحاكم ونوابه (كما فعلت بالنسبة لولاية الأعضاء المستقلين حيث اقترحت عدم إمكانية تجديدها). والاقتراح ربط جواز التجديد للجميع ببقاء معدلات التضخم أو أسعار الصرف ضمن حدود معينة خلال مدة الولاية المنتهية، على أن يكون التجديد بكل الأحوال لمرة واحدة، عبرة بالدروس المستقاة من تجديد ولاية الحاكمين غرينسبان وسلامه. الأول لحوالى العشرين سنة، والثاني لثلاثين سنة، حيث كانتا كارثية، وكان ثمن التجديد الرضوخ القاتل لطلبات الحكومة والسياسيين.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها