لم يَطُل الأمر كثيراً، حتّى قرَّرَ وزير الاتصالات جوني القرم تنفيذ توصية الهيئة وقرار الديوان، وأكّد لـ"المدن" أن المزايدة "سوفَ تُعاد" رغم التعديلات التي حصلت، وتحديداً لناحية رفع سعر الرسالة لدى شركة تاتش لتوازي سعرها لدى شركة ألفا، ما يضمن للدولة أرباحاً إضافية.
مَن يحمل المسؤولية؟
موافقة الوزير على إعادة المزايدة يمثِّل "نهاية أوّليّة جيّدة لهذا الملف" وفق ما تقوله لـ"المدن" مصادر قانونية في هيئة الشراء العام، والتي تشير إلى أن "الوزارة تأخّرت كثيراً في التعامل مع توصية الهيئة ولاحقاً قرار ديوان المحاسبة". ولم تستبعد المصادر وجود محاولات للضغط السياسي لإبقاء التلزيم على ما هو عليه "فلماذا تم الانتظار لنحو 4 أشهر للأخذ بالتوصيات؟".
تتريَّث المصادر قبل إطلاق الأحكام المتعلّقة بالمسؤوليات حول التلزيم المخالف، رغم وجود مؤشِّرات على عدم شفافية ما حصل خلال عملية التلزيم والتعامل مع قرارات الهيئة والديوان. وترى المصادر أن "هيئة الشراء العام قدّمت رأيها وتوصيتها والملف اليوم عند الغرفة القضائية في ديوان المحاسبة، وهي التي تحدّد المسؤوليات". وبما أن الوزارة ستعيد إطلاق المزايدة، فالهيئة "ستنتظر دفتر الشروط وتفاصيل المزايدة الجديدة، لتبني على الشيء مقتضاه. لكن من المفترض عدم القفز فوق شرط المنافسة، لأنه القاعدة الأساسية في عملية التلزيم المقبلة".
المسؤولية المقصودة ليست بسيطة أو عابرة، بل تنطوي على تعاقد غير قانوني مع شركة "إن موبايلز" التي لا تملك خبرة 5 سنوات في تشغيل خدمة الرسائل النصية من التطبيقات العالمية، كما نصّ دفتر الشروط. ورغم الاعتراض والطعن، أبقت وزارة الاتصالات على عقدها مع الشركة. علماً أن الوزارة كانت قد تأخَّرَت شهرين في فتح العروض التي قدّمتها 5 شركات رست عليها المنافسة من أصل 10 شركات تقدّمت للمزايدة، في حين كان من المفترض فتح العروض في اليوم التالي لتقديمها.
والتساؤلات الكثيرة حملت معها علامات استفهام حول المسؤوليات ومَن يتحمّلها، وأسباب غض النظر عن المخالفات، وصولاً إلى إسقاط صفة المخالفات عنها واعتبار التلزيم صحيحاً. مع أن تجربة التعاقد لتشغيل هذه الخدمة في شركة ألفا، اختلف تماماً مع التجربة المحقّقة في شركة تاتش. فقيمة العقد بين الشركتين اختلف بنحو 10 ملايين يورو. كما جرى توقيع العقد بين شركة ألفا وشركة "فوكس سوليوشن غلوبال ليمتد"Vox Solution Global Limited بعد 7 أشهر من إطلاق المزايدة في تشرين الثاني 2022، فيما انتظرت تاتش نحو سنة ونصف السنة لتوقيع عقدها خارج إطار قانون هيئة الشراء العام، مع أنها أطلقت المزايدة في كانون الأول 2021.
وإذا كان تحديد المسؤوليات يقع خارج اختصاص هيئة الشراء العام، فإن رئيس الغرفة الثانية في ديوان المحاسبة، القاضي عبد الرضا ناصر، يؤكّد لـ"المدن" أن تحديد المسؤوليات حول التلزيم المخالِف للقانون وما إذا كان تسبَّبَ بهدر للمال العام، هو "من اختصاص النيابتين العامّتين المالية والتمييزية. فالملف بات بحوزتهما، وسيُدرَس". ويوضح ناصر أن الغرفة الثانية "كان لديها تساؤلات وملاحظات، يبقى على الجهات المختصّة متابعتها والتدقيق حول ما إذا كانت الأخطاء مقصودة أم لا، أو تنطوي على إهمال أو حسن نية. وعلى ضوء النتائج يتحمّل كل شخص مسؤوليّته".
لوزير الاتصالات رأي آخر
يقلّل القرم من ضخامة الحدث، ويُنهي مفاعيله عند حدود إعادة المزايدة، ويقدِّم في حديث لـ"المدن" إجابات على التساؤلات المرسومة حول عملية التعاقد. وينطلق الوزير من أن "نتيجة المزايدة في شركة تاتش كانت ممتازة. إذ ارتفع سعر الرسالة من 5.4 سنت إلى 10.5 سنت".
لكن من الضروري التنبيه إلى أنه قبل رفع السعر في تاتش إلى ما يوازي ما تتقاضاه شركة ألفا، أي 10.5 سنت، رسى سعر المزايدة في تاتش على سعر 7.5 سنت. أي أن المزايدة رفعت السعر من 5.4 سنت إلى 7.5 سنت فقط، ولم يرتفع السعر إلى 10.5 سنت إلاّ بعد إثارة الضجّة حول موضوع التلزيم ومخالفته للقانون. إلاّ ان القرم يوضح أن "العقد مع شركة "إن موبايلز" يعطينا حق رفع السعر في تاتش عندما يرتفع في ألفا، ولذلك رفعناه في تاتش وتم توحيده في الشركتين عند معدّل 10.5 سنت". ويبرّر الوزير عدم توحيد الأسعار منذ البداية، بالقول أنه "خرجنا بفكرة مفادها انتظار النتيجة التي ستصل إليها الأسعار في ألفا، ونقوم بالمقارنة، ونحدّد السعر النهائي، وبذلك أصبح هناك توحيد للسعر". غير أنه إذا كان الأمر كذلك، فالفكرة غير منطقية، لأن الفجوة كبيرة جداً بين السعر الذي تأخذ تاتش وذلك الذي تأخذه ألفا، التي لم تتدرَّج في الأسعار كما فعلت تاتش التي سارعت إلى قبول سعر منخفض، فيما نموذج ألفا كان واضحاً من قبل ويمكن الركون إليه في تحديد السعر الأفضل.
مخاوف من خفض السعر
كان الرهان لدى وزارة الاتصالات أن يُقفَلَ الملف عند رفع سعر الرسالة ليوازي السعر المعتمد في شركة ألفا. لكن صخب القضية لم يهدأ لأن المسألة لا تنحصر بالسعر وبأرباح الدولة التي يفترض أن تكون "تحصيل حاصل"، لكن وفق القانون، وهو ما استوجب وقف المزايدة وإعادتها.
على أن المرحلة المقبلة قد لا تكون مطمئنة. فوزير الاتصالات يتخوَّف من أن "تخلص نتيجة المزايدة المقبلة إلى عائدات مالية أقلّ من عائدات المزايدة الموجودة. لأن سوق الإعلان عبر الرسائل النصية يتراجع، ما يقلّل عائداته المالية بالنسبة للشركات". وبذلك، يضع القرم تصوّراً مسبقاً لما قد يكون عليه الوضع مستقبلاً. وحينها من المتوقَّع أن ينخفض سعر الرسالة في تاتش عمّا هو عليه اليوم، ولا يتساوى بذلك مع السعر المأخوذ في شركة ألفا. مع فارق أن السعر المقبل "قانوني" إذا تمّ التلزيم تحت مظلة هيئة الشراء العام.
الخوف الأبرز، هو أن يغطّي إعادة انتظام التلزيم المقبل بشكل قانوني، على خبايا التلزيم الأساسي، وهو سياق متَّبَع في كل تلزيمات وزارات الدولة، إذ لا يُصار إلى تحديد المسؤوليات وتحميلها لمرتكبيها، بل يجري العفو عمّا مضى واتّباع مسارٍ آخر، وكأن المخالفات تُكتَب وتُمحى بلا آثار قانونية ومالية تنعكس على المال العام.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها