الإثنين 2024/10/14

آخر تحديث: 15:38 (بيروت)

صيّادو مدينة صور هَجَروا البحر: السمك لبعض "الانتحاريين"

الإثنين 2024/10/14
صيّادو مدينة صور هَجَروا البحر: السمك لبعض "الانتحاريين"
لا مجال للحديث عن مدينة صوْر بدون الحديث عن بحرها ومينائها وصيّاديها وسيّاحها (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
شكّلت الحرب الراهنة ضربة قاتلة لقطاع صيد الأسماك على الساحل الجنوبي اللبناني، بعد إنهاك القطاع إثر انهيار سعر صرف الليرة قبل نحو 5 أعوام. وبعد نحو أسبوع على تلقّي الصيّادين تحذيراً إسرائيلياً يمنعهم من الخروج إلى البحر على طول الخطّ الممتدّ من الناقورة جنوباً إلى نهر الأوّلي شمالاً، يبدو البحر مقفراً خالياً من مراكب الصيادين الذين تحوَّلوا إلى عاطلين عن العمل، وجلّهم ترك الجنوب مع موجة الإخلاء الهائلة التي حصلت قبل 3 أسابيع. ولم يبقَ في المنطقة الممتدّة من الناقورة إلى صيدا، حركة مراكب. فالصيد مُعَلَّقٌ "حتى إشعار آخر" وفق تحذيرات العدوّ الإسرائيلي. ووحدهم "الانتحاريون" في مدينة صور يخرقون هذا الحظر.

الخروج من المرفأ ممنوع
اعتاد البحّارة كسر القواعد التي يفرضها العدوّ، لكن حتّى اللحظة هناك خوف كبير من احتمالات التصعيد. وعليه "الخروج من حرم مرفأ صور ممنوع" بناءً على توجيهات الجيش اللبناني، وفق ما أكّده لـ"المدن" نقيب صيّادي الأسماك في صور سامي رزق.
لا يريد الجيش الإسرائيلي لأحد الاقتراب من البحر، سواء من الصيّادين أو المستجمِّين. وبحسب بيان جيش الاحتلال، سيتمّ العمل في البحر "ضد أنشطة حزب الله". واعتبر الجيش أن تحذير الصيادين ومرتادي البحر هو "من أجل سلامتهم". على أنّ هذا التحذير لم يُبَلَّغ للصيادين مِن قِبَل زوارق البحرية الإسرائيلية التي "كانت تبلِّغ الصيادين في السابق بشكل مباشر. إذ كانت الزوارق الإسرائيلية تتقدّم كثيراً داخل المياه اللبنانية وتقترب أحياناً من منطقة "الزيرة" القريبة من مرفأ صور"، بحسب ما أشار إليه رزق الذي لفت النظر إلى أنه "في حرب تموز 2006 اقتربت الزوارق الإسرائيلية وحذّرت الصيادين من العودة إلى البحر".

الرزق مقطوع
منع الخروج من مرفأ صور يعني إقفال الباب أمام توفير صيّادي الأسماك لقمة عيشهم. وإذا كان القرار الأخير ضربة قاضية، فإن الأمور كانت قد بدأت بالتدحرج منذ نحو عام. فمنذ بدء الحرب في السنة الماضية، تراجعت نسبة مبيع السمك في صور بنحو 60 بالمئة، إذ قال رزق أن "معدّل بيع السمك منذ السنة الماضية، نحو 40 بالمئة". ويعود السبب بشكل رئيسي إلى حالة الخوف التي انتشرت بين الزبائن وأصحاب المطاعم "فكلّما خرقت الطائرات الإسرائيلية جدار الصوت أو تم قصف مكان قريب، يدبّ الرعب وتقفل المحال والمطاعم، وبالتالي تتوقّفت حركة بيع الأسماك".
هذا الواقع دَفَعَ الصيادين إلى مغادرة المدينة "فالشغل تراجَعَ كثيراً"، وفق ما أكّده حسن حاجو، أحد صيّادي الأسماك وصاحب مسمكة في صور. وعلى عكس حرب تموز 2006 "لم نستطع الآن الخروج إلى البحر. ولذلك بقي الصيّادون بلا عمل وخرجوا ككل الناس التي خرجت من الجنوب". أما الدولة برأي حاجو، فهي "غائبة، ولم تتابع ملفّ الصيّادين".

صيّادون انتحاريون
قوارب الصيد ممنوعة، والتحرّك قرب البحر يحمل الكثير من المخاطر، ومع ذلك، يواصل بعض شبّان المدينة الخروج إلى البحر. وبحسب رزق "يخرج هؤلاء خلسة وهُم ممَّن لا يتقيّدون بالتعليمات في الأصل".
يصوِّر أحد هؤلاء الصيّادين زملاءه ممّن يصرّون على الصيد في هذا الوضع بأنّهم "انتحاريون... لا مجال أمامهم سوى اتخاذ هذا القرار لإطعام عائلاتهم من جهة ولتأكيد هويّتهم بالانتماء لهذه المدينة وهذا البحر وكسر قرار الاحتلال، من جهة ثانية"، على حدّ تعبير أحد الصيّادين خلال حديثه لـ"المدن". علماً أن هذا التحدّي لا يتمّ عبر الخروج بقوارب الصيد "بل بالاصطياد بالصنارة أو الغطس على مسافات قريبة من الشاطىء". هي مهمة انتحارية لأنها تنطوي على مخاطر "لكن يبقى بعض الاطمئنان موجوداً طالما أن الصيد يبقى على مسافة قريبة. كما أن لا وجود حالياً لزوارق إسرائيلية قبالة الشاطىء".
وتشكِّل الطبيعة الجغرافية لمدينة صور حماية إضافية لهؤلاء الصيادين، إذ أن البحر يكاد يكون ملاصقاً للمنازل، ولا يفصل بينهما سوى شارع صغير، ما يساعد في الوصول إلى البحر ومغادرته سريعاً. وبالتأكيد "الوصول إلى البحر يقتصر على أبناء المدينة الذين يذهبون خلسة وليس بشكل دوريّ وبوتيرة زمنية واحدة، أي لا يذهبون كل يوم وفي التوقيت نفسه. وبالتأكيد، الانسحاب ضروري عند الشعور بخطر حقيقي، سواء بقصف قريب أو متواصل أو تحليق كثيف ومنخفض لطائرات الاستطلاع".

هذا الواقع غريب جداً عن مدينة صور وأهلها ومحيطها، فلا مجال للحديث عن مدينة صوْر من دون الحديث عن بحرها ومينائها وصيّاديها وسيّاحها. وأن يتحوَّلَ الميناء إلى مدينة قوارب مهجورة والبحر إلى صحراء زرقاء فارغة من الصيادين والمستجمِّين، فهذا مؤشِّرٌ يدلّ على صعوبة المرحلة التي تمرّ بها المنطقة. وإذا طالت الحرب واشتدَّ الخَطَر "من المفترض بالصيادين الانتحاريين الكَفّ عن النزول إلى البحر، لأن الزوارق الإسرائيلية قد تقترب من الشاطىء وتصبح أي حركة من السكّان مشبوهة بالنسبة للعدوّ".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها