مرّ أسبوعان تقريباً على رحلة نزوحه من جنوب لبنان مع الآلاف من أبناء منطقته إلى مناطق مختلفة في لبنان، وأبو حسن ليس سوى مثال لعدد كبير من اللبنانيين الذين اضطروا لخوض معارك على جبهات متعددة في فترة بسيطة، بدءاً من رحلة الهروب من القصف الإسرائيلي والبحث عن مأوى آمن، ووصولاً للبحث عن وجبة طعام.
على الرغم من أن القانون الدولي الإنساني ينص في المادة 131 على ضرورة تأمين المأوى، والمأكل والمشرب للنازحين، وعلى السلطات أن تتخذ، في حالات النزوح، كل الإجراءات الممكنة ليتسنى استقبال المدنيين النازحين في ظروف مرضية من حيث المأوى والشروط الصحية والصحة البدنية والأمان والتغذية، إلا أن قواعد القانون الدولي، لا تطبق في لبنان.
قصص مؤلمة
يعيش أبو حسن وزوجته وعدد من أبنائه في إحدى مدارس الإيواء في العاصمة بيروت. يعمل أبو حسن (53 عاماً) حداداً، ولكنه توقف عن العمل منذ بداية الحرب، ولا يملك الكثير من المدخرات. يقول "الحياة ليست سهلة في مراكز الإيواء. لا يوجد أي أماكن لطهي الطعام، ولا حتى أدوات تساعد في تحضير وجبات سريعة، ولذا لا يوجد أمام النازحين سوى الانتظار حتى ساعات الظهر لتناول وجبة الطعام المقدمة من بعض مؤسسات الرعاية الاجتماعية، وفي حال تأخرت أو ألغيت الوجبات، فلا خيار للعائلات سوى الانتظار لليوم الثاني بلا طعام".
نزح ما لا يقل عن مليون و200 ألف مواطن من مناطق مختلفة من جنوب لبنان والبقاع، والضاحية الجنوبية، وتوزعوا ما بين مدارس ومراكز إيواء، التي يقدر عددها بنحو 1000 مركز، وما بين استئجار منازل وبيوت. وفي كلا الحالتين، فإن المشكلة لا تتعلق بتأمين الطعام وحسب، بل أيضاً بما يمكن أن ينتج من مشاكل وأمراض بسبب سوء التغذية.
وبحسب الأمم المتحدة، يحتاج الإنسان أن يتناول ما بين 1500 و2000 سعرة حرارية بالنسبة للنساء وما بين 2000 إلى 3000 سعرة حرارية للرجال كمتوسط عام، حتى لا يصاب بأمراض تتعلق بسوء التغذية، لا بد أن يحصل على ما لا يقل عن 500 سعرة حرارية، لكن في ظل ظروف النزوح الحالية، فمن المرجح أن المواطنين لا يحصلون على القدر الكافي من السعرات، وهو ما سيكون له تأثيرات على الفاتورة الصحية والاستشفائية في المرحلة المقبلة.
الخيارات شبه معدومة
خيارات الحصول على الطعام شبه معدومة، حتى بالنسبة للنازحين الذين تمكنوا من الحصول على منزل يأويهم. فلا يوجد مدخرات مالية يمكن من خلالها الإنفاق، ولا حتى وظائف يمكن الاعتماد عليها لتأمين القوت اليومي.
نزحت ثلاث عائلات من محافظة البقاع إلى جبل لبنان، وتمكنت من الحصول على منزل متواضع في إحدى القرى، لكن المنزل وعلى عكس ما تم الاتفاق عليه، لا يحتوي على أثاث كامل لاستيعاب العائلات الثلاث، ولا يوجد أي تجهيزات للطهي، ما يجعل العائلات مع أطفالها تعيش كابوساً حقيقياً.
تقول عفيفة اسماعيل التي نزحت مع عائلتها من البقاع: "لا يوجد أي معدات لتحضير الطعام في المنزل، ولذا نسعى لشراء بعض المعلبات أو الأطعمة الجاهزة البسيطة بحسب قدراتنا المالية". تحاول اسماعيل تناول وجبة واحدة يومياً، مثل تناول علبة فول، أو شراء أقراص الفلافل مع ربطة خبز، أو الاكتفاء بنصف كيلوغرام من اللبنة لتتقاسمها وعائلتها.
بحسب اسماعيل، لا يمكن الإنفاق لشراء الأجهزة المنزلية الأساسية أو حتى البسيطة، لأنه ببساطة لا يوجد مدخول مالي للعائلة. يعمل زوجها أستاذاً في إحدى المدارس في القرى البقاعية، وهو حالياً في عداد العاطلين عن العمل بعد توقف التدريس.
وتقدر الأمم المتحدة حاجة لبنان لمساعدات مالية بما يقارب من نصف مليار دولار لتأمين مستلزمات النزوح، وقد تمكن لبنان من الحصول على ما يقارب من 51 مليون دولار، وهو رقم ضئيل جداً لتأمين وجبات غذائية محدودة لهذا العدد الهائل من النازحين.
مبادرات فردية
تعد أزمة النزوح الحالية في لبنان الأصعب مقارنة بأي أزمة مرت سابقاً، ليس فقط بسبب الوضع الاقتصادي الهش، أو غياب أي دور للحكومة، بل أيضاً بسبب عدد النازحين الهائل وضعف قدراتهم المالية بعد حجز المصارف اللبنانية على مدخراتهم المالية وودائعهم. هذا الواقع دفع لإطلاق مجموعة من المبادرات الاجتماعية، التي تتخذ طابعاً فردياً.
وتشير صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، إلى سعي الكثير من اللبنانيين لتقديم وجبات الطعام للنازحين في مناطق مختلفة من لبنان، تعويضاً عن النقص الحاصل في عمليات الإستجابة للنازحين، وقد بدأت إحدى المعلمات النازحات من منطقة برج البراجنة إلى منطقة جبل لبنان وتحديداً عاليه بمبادرة شخصية من خلال طهي الطعام وتوزيعه على مركزين لإيواء النازحين. وتقول مارلينا السبع لـ"المدن": "بدأت المبادرة من خلال الدعوة على وسائل التواصل الاجتماعي، لتأمين سندويشات جاهزة للعائلات، وتمكنت من توزيع ما يقارب من 200 سندويش تقريباً في الأيام الأولى، ومن ثم توسعت الحملة لتقديم وجبات غذائية يومية". وبحسب السبع، بدأت المبادرة بشكل فردي مع بعض الأصدقاء، وما لبثت أن تطورت من خلال تبرعات يقوم بها أصحاب رؤوس الأموال والمغتربين، علها تساعد في توفير المستلزمات الرئيسية للنازحين.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها