انقضاء موسم الصيف وبدء فصل الخريف المحمَّل بالأمطار، يشكّل للمزارعين ورقة رابحة لمواجهة أي تحديات أخرى. سيّما وأن الركيزة الأساسية للزراعة الجنوبية هي الحمضيات والموز والتبغ والقمح، وهي زراعات استفادت من عوامل الطقس والوقت، لتبقى زراعة الزيتون وبعض أنواع الخضار في مواجهة الاحتمالات المفتوحة.
تنقسم الخريطة الزراعية في المناطق الجنوبية بين الحمضيات في المناطق الساحلية والمحيطة بها، وبين القمح والتبغ في المناطق الحدودية، فضلاً عن الزيتون الذي تنتشر زراعته في مختلف المناطق وصولاً إلى قرى البقاع الغربي.
تحصّنت هذه الزراعات قبل اندلاع الحرب على غزة وانسحاب تداعياتها إلى أطراف الجنوب اللبناني. فبحسب المزارعين، حُصِدَ القمح وتحوَّلَت حبيباته إلى مؤنة في المنازل. أما التبغ فحُصِد وسُلِّم جزء منه لإدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية (الريجي). وكذلك موسم الموز في المناطق الساحلية دخل مرحلة القطاف والبيع، وأيضاً موسم الليمون تجاوز مرحلة الحاجة للريّ خلال الصيف وبات في مرحلة القطاف، الأمر الذي يخفّف عبئاً مالياً كبيراً على المزارعين في حال حصول تطوّرات أمنية. فالموز والليمون يمكن تركهما على الشجر ويحتملان الانتظار، على عكس الحاجة للريّ خلال الحرب في العام 2006، إذ حصلت في ذروة موسم الريّ، أي بين تموز وآب، وهذا ما أثَّرَ على الموسم حينها. أما اليوم فالخسائر ستكون محدودة. علماً أن بعض المزارعين يحاولون دعم بساتينهم بجرعات من المياه، وبفترات متقطّعة، تحسّباً للأسوأ وعدم القدرة على الوصول إلى البساتين في حال اندلاع الحرب.
الزيتون والخضار بخطر
على عكس الحمضيات والقمح والتبغ، يُبدي مزارعو الخضار والزيتون خشيتهم. ففي هذا الوقت من العام تنشط زراعة خضار مثل اللوبيا والقرنبيط والخس وغيرها... وإن كانت لا تشكِّل عصب الاقتصاد الزراعي الجنوبي، إلاّ أنها مورد رزقٍ للكثير من العائلات. وهذه الزراعات مهددة في حال تفاقم الوضع الأمني لأنها لا تحتمل تأجيل العناية بها وريّها وقطافها.
وتجربة مزارعي الخضار في تموز 2006 كانت مريرة، إذ حرمت الزراعات من الريّ، ما أدّى إلى إتلافها قبل بلوغها موسم القطاف. وإذا كان بعض الريّ مؤمَّن في فصل الخريف، إلاّ أن رش المبيدات والاعتناء بالشتول والقطاف سيتعرقل في حال حصول الأسوأ.
على مستوى زراعة الزيتون، الوضع أصعب، فالموسم على أبوابه، وبعض المزارعين دخلوا حقولهم لتنقيب الزيتون، وأصحاب المعاصر فتحوا أبوابهم لاستقبال المحصول. وعلى عكس قرى الشريط الحدودي، مثل الضهيرة ومروحين وعيتا الشعب ورميش وغيرها، يتراجع خوف مزارعي الزيتون في قرى البقاع الغربي، إذ يتأخّرون عادةً في حصاد زيتونهم. كما أن الزيتون يعتمد على مياه الأمطار للريّ، وتالياً لا خوف عليه من العطش.
أبناء قرى الشريط الحدودي يراقبون محاصيلهم وخصوصاً الزيتون. والخوف مضاعفٌ بالنسبة إليهم. فالحرب تمنعهم من قطاف الموسم والقنابل العنقودية والألغام تمنعهم من دخول حقولهم للاعتناء بالأرض والأشجار وتحضيرها للمواسم الأخرى. فالأراضي الزراعية الجنوبية تُزرَع بعد كل حربٍ بالقنابل العنقودية التي تجبر الزراعين على البقاء خارج أراضيهم قبل تنظيفها من قِبَل الجهات المختصّة، وهي في الغالب منظّمات دولية غير حكومية تعمل في هذا الإطار. وقد نشطت هذه المنظمات بشكل ملحوظ بعد حرب تموز 2006.
ما يخشاه المزارعون الجنوبيون اليوم أقل ممّا خشوه قبل نحو 17 عاماً، لكن خوفهم لم يتبدّد نهائياً. فهم في صلب أزمة تلفُّ القطاع بشكل كامل، إن لناحية تأمين مصاريف الزراعة وأدويتها ويدها العاملة والمازوت، أو لناحية تصريف الإنتاج وتصديره. فيشير المزارعون إلى أن جلّ الإنتاج الزراعي يباع اليوم في السوق المحلّي ولا يصدَّر إلى الخارج. فمن غير المرحَّب به في هذه الحالة، أي عوامل مستجدّة تؤثّر سلباً على القطاع الزراعي.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها