الثلاثاء 2022/03/08

آخر تحديث: 00:01 (بيروت)

روسيا لن تعود كما كانت.. ومجاعات تهدد العالم

الثلاثاء 2022/03/08
روسيا لن تعود كما كانت.. ومجاعات تهدد العالم
المؤشرات تقود إلى صدمة تضخمية عالمية مصحوبة بركود اقتصادي (Getty)
increase حجم الخط decrease

لا يقتصر الغزو الروسي لأوكرانيا على تعريض حياة المواطنين الأوكرانيين للخطر وحسب. فسويعات قليلة بعد بدء الحرب كانت أكثر من كافية ليدرك الجميع ما تعنيه الحرب الجديدة في أوروبا، والمخاوف الجمّة التي تحيط بالاقتصاد العالمي الذي بات مهدّداً تحت وطأة الصراع بين روسيا وأوكرانيا، وصدمة الأسعار التي قد تسبب مجاعةً وإنهيارات في العالم بأسرِه.

أزمة جوع
هذا هو التقييم القاتم للعديد من الخبراء في مجال الأمن الغذائي العالمي، الذين يشيرون إلى مدى اعتماد بقية العالم على روسيا وأوكرانيا في القمح وعدد كبير من السلع الأساسية الأخرى. ونظراً لانقطاع هذا العرض، سيؤدي ذلك إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية التي وصلت بالفعل إلى مستوياتٍ قياسية، في وقتٍ أدت فيه التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا بالفعل إلى تقليص ميزانيات الأسر، وهو الأمر الأكثر تدميراً في البلدان منخفضة الدخل.

وبما أن الصراع العسكري في أوكرانيا سيكون له حتماً تأثير على إمدادات الغذاء في العالم، يقول عارف حسين، كبير الاقتصاديين في برنامج الغذاء العالمي، لشبكة "NPR" الأميركية، إن أسوأ ما في الحرب الروسية-الأوكرانية أنها نشبت في زمن جائحة كورونا بعدما فقد الكثير من الناس وظائفهم في أجزاء كثيرة من العالم، ما تركهم من دون دخل يصارعون التضخم العالمي.

فيما يرجع جوزيف جلوبر، كبير الاقتصاديين السابق في وزارة الزراعة الأميركية، والباحث في المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية في واشنطن العاصمة، أزمة الأسعار الحالية لأسباب متعددة. أهمها الجفاف الذي أدى إلى قطع المحاصيل الأخيرة للقمح في أميركا الشمالية، وفول الصويا والذرة في أميركا الجنوبية. والأعاصير في ماليزيا العام الماضي التي نجّم عنها تقليص محصول زيت النخيل المستخدم في الطهي. وبذلك كانت الأسعار مرتفعة. وستحلق مع غزو أوكرانيا صعوداً.

وأخطر ما في الأمر، كان ما أشار إليه عارف حسين بقوله "هناك حوالى 276 مليون شخص في جميع أنحاء العالم في خضم أزمة جوع، منهم 44 مليون على بعد خطوة واحدة من المجاعة. إذا لم نتمكن من مساعدتهم فسوف يموتون. الأمر بهذه البساطة".

قائمة طويلة من المنتجات المتضررة
وفي معرض شرحه للأزمة العالمية الراهنة التي نعيش تداعياتها، يقول جلوبر أن أوكرانيا وروسيا أصبحتا في السنوات الأخيرة محركاً رئيسياً لإطعام العالم، مشيراً أن المنتجات الزراعية المختلفة التي يصدرها البلدان تمثل حوالى 12 في المئة من السعرات الحرارية التي يتداولها العالم. فأوكرانيا وحدها تمثل أكثر من 10 في المئة من السوق العالمية للقمح. وإذا ما أضفنا روسيا، تقفز الحصة إلى أكثر من 30 في المئة.

لكن الأمر لا ينتهي عند هذا الحد. إذ يُعّد البلدان مصدراً رئيسياً للحبوب مثل الذرة والشعير. وتوفر أوكرانيا حوالى 15 في المئة من المعروض العالمي من الذرة، بينما تمثل أوكرانيا وروسيا معاً أقل من 30 في المئة من إمدادات الشعير في العالم. ونذكر هنا منتج مهم آخر ألّا وهو زيت عباد الشمس، وهو أحد الزيوت النباتية الرئيسية المستخدمة في الطهي. ويساهم البلدان بحوالى 80 في المئة من الإمداد العالمي.

هذا وتُعّد روسيا إلى جانب بيلاروسيا أيضاً مصدرتان أساسيتان للأسمدة، وتوفران حوالى 15 في المئة من احتياجات العالم. ناهيكَ أن أزمة النفط بدأ ينعكس تأثيرها على أسعار المواد الغذائية.

مسارات متعددة للكوارث
ويرى الباحثان الكبيران أن هناك مجموعة من الأسباب التي قد تؤدي إلى نضوب المعروض من كل هذه السلع التي سبق ذكرها. فرغم الأنباء السارة التي تفيد بأنه تم شحن معظم القمح من آخر حصاد لأوكرانيا إلى خارج البلاد. إلّا أنه لا يزال حوالى 30 في المئة في انتظار النقل. وهذه هي الحال أيضاً مع حوالى 45 في المئة من محصول الذرة. وبما أن الموانئ الآن مغلقة. فلا بد من انتظار نهاية الحرب.

وسيأتي اختبار آخر للعالم في شهر نيسان المقبل، عندما يجب أن تبدأ زراعة بذور الذرة والشعير وعباد الشمس، ومعظمها في المناطق التي يضغط فيها الجيش الروسي حالياً. وبينما لا تستهدف العقوبات حالياً الصادرات الغذائية الروسية بشكلٍ مباشر. يشير عارف حسين إلى أن اثنين من خطوط الشحن الرئيسية قد رفضا بالفعل التعامل مع روسيا. ويتابع "شبكة سلسلة التوريد معقدة للغاية لدرجة أنه إذا عطس شخص ما في مكانٍ ما، فإن شخصاً آخر سيصاب بالبرد في مكانٍ آخر".

بلدان معرضة للخطر
وبالحديث عن الدول التي من المرجح أن تتأثر بقطع الصادرات من أوكرانيا وروسيا على المدى القريب، وجد جلوبر في دراسة أعدّها مع بعض الباحثين في مجال الأمن الغذائي، أن مصر هي واحدة من عدة دول تحصل على أكثر من نصف السعرات الحرارية المستوردة من أوكرانيا وروسيا. ومن البلدان الأخرى: الكاميرون، جمهورية الكونغو الديمقراطية، ليبيا، نيجيريا، جنوب السودان، السودان، واليمن.

لكن كل من جلوبر وحسين يؤكدان أنه نظراً لأن أسواق السلع العالمية مترابطة للغاية، فلن يستغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى ترتفع الأسعار حتى في البلدان التي لا تحصل حالياً على القمح أو الذرة أو السلع الأخرى مباشرة من أوكرانيا أو روسيا. وهنا، ينوّه عارف حسين قائلاً "لسوء الحظ، هذه قائمة كبيرة. أعني أن هناك 38 دولة يوجد بها أشخاص يواجهون مستويات طارئة من الجوع".

الانعكاسات في أميركا
ومع تسبب الحرب في تفاقم أزمة الطاقة، وتوسع أزمة الغذاء وتراجع عائدات السياحة، وانهيار سلاسل الإمداد، ودخول العالم في موجة جديدة وعنيفة من التضخم، توقع خبراء شبكة "سي إن بي سي" الأميركية، أن تنعكس الهزة العنيفة التي تعرض لها الاقتصاد العالمي على ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة وتباطؤ النمو، ووقوع الاقتصاد الأوروبي فريسةً للركود، بينما ستغرق روسيا في أزمةٍ قاسية.

ونقلت الشبكة الأميركية عن الاقتصاديين في "جيه بي مورغان" قولهم أن عواقب التوقف الكامل لصادرات النفط الروسية البالغة 4.3 مليون برميل يومياً إلى الولايات المتحدة وأوروبا ستكون دراماتيكية. وبالتالي فإن صدمة النمو العالمي سوف تتزايد.

ويلفت خبراء الشبكة أن أحد العوامل التي تجعل صدمة الأسعار هذه مختلفة عن غيرها، هو مقدار النفط الذي تنتجه الولايات المتحدة. فمع توازن الإنتاج والطلب في الولايات المتحدة تقريباً، يتم تحويل الأموال من المستهلكين إلى المنتجين داخل الاقتصاد، بدلاً من تحويل الأموال من الولايات المتحدة إلى الخارج. وهذا ما سيؤثر بشكلٍ أكبر على العائلات الأميركية ومناطق معينة من البلاد، لكنه سيعزز أرباح شركات الطاقة الأميركية.

أوروبا المتضرر الأكبر
ويؤكد الخبراء أن الضرر الأكبر سيكون في أوروبا، حيث خفّض بنك "باركليز" في المملكة المتحدة، توقعاته للنمو في أوروبا هذا العام إلى 3.5 في المئة من 4.1 في المئة الشهر الماضي.

وذكر البنك الاستثماري في تقريره الأخير "ارتفاع أسعار السلع الأساسية والنفور من المخاطرة في الأسواق المالية هما قناتا العدوى الرئيسية، ما يشير إلى حدوث صدمة تضخمية عالمية مصحوبة بركود اقتصادي، مع كون أوروبا المنطقة الأكثر انكشافاً".

لن تعود كما كانت
وعلى الضفة المقابلة، أكد "جيه بي مورغان" أن روسيا ستتضرر بشدة. متوقعاً انخفاضاً بنسبة 12.5 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي، تحت وطأة العقوبات غير المسبوقة التي جمدت احتياطياتها من العملات الأجنبية البالغة 630 مليار دولار وعزلت اقتصادها عن بقية العالم.

في حين قدّر معهد التمويل الدولي أن تشهد روسيا انكماشاً بنسبة 15 في المئة، وهو ضعف الانخفاض الناتج عن الأزمة المالية العالمية. وكتب كبير الاقتصاديين في المعهد، روبن بروكس قائلاً "نرى المخاطر تميل إلى الجانب السلبي. أنا أجزم بأن روسيا لن تعود كما كانت مرة أخرى أبداً".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها